النفايات والصحة عربياً: 200 مليون طن سنوياً تلوُّث المياه والهواء

امرأة مشردة قرب مكب للنفايات في بيروت في الصيف الماضي (أ.ب)
امرأة مشردة قرب مكب للنفايات في بيروت في الصيف الماضي (أ.ب)
TT

النفايات والصحة عربياً: 200 مليون طن سنوياً تلوُّث المياه والهواء

امرأة مشردة قرب مكب للنفايات في بيروت في الصيف الماضي (أ.ب)
امرأة مشردة قرب مكب للنفايات في بيروت في الصيف الماضي (أ.ب)

الانعكاسات الصحية لإدارة النفايات عنوان الحلقة الثالثة من سلسلة المقالات عن الصحة والبيئة في البلدان العربية. يستند هذا المقال إلى الفصل الخاص بالموضوع في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الذي صدر مؤخراً. والفصل من تأليف الدكتورة مي مسعود، أستاذة ومديرة برنامج الدراسات البيئية للخريجين في كلية الصحة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، بمشاركة الباحثين ميشال مقبل ودانا حلواني وموسى الخياط.
> يزداد إنتاج النفايات الصلبة حول العالم بمعدّلات تنذر بالخطر، ولا يختلف الوضع في المنطقة العربية، حيث أدّى النمو السكاني واتّساع التحضُّر وارتفاع مستويات المعيشة وتغيُّر أنماط الاستهلاك إلى وضع أنظمة إدارة النفايات القائمة على حافة الهاوية.
في عُمان، مثلاً، ارتفع معدل توليد الفرد للنفايات من 0.79 كيلوغرام يومياً إلى 1.3 كيلوغرام بين 2002 و2014. كما تفاقمت المشكلة على نحو أسرع في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بفعل الاضطرابات السياسية وغياب الاستقرار، ما أدى لزيادة الضغط على أنظمة إدارة النفايات الهشة أساساً.
ويناقش تقرير «الصحة والبيئة»، الذي صدر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، الدوافع البيئية الرئيسية التي لها تأثير كبير على مختلف جوانب صحة الإنسان في الدول العربية. وفي مجال إدارة النفايات الصلبة، يسعى التقرير إلى توضيح وتقييم ممارسات إدارة النفايات الحالية، وتقييم الآثار الصحية والبيئية المحتملة لأنواع النفايات المختلفة، ودراسة بدائل الإدارة المستدامة والمتكاملة للنفايات الصلبة.
ينمو توليد النفايات في المنطقة العربية بنحو 3.3 في المائة سنوياً، ومن المتوقع أن تتجاوز كمية النفايات البلدية الصلبة التي تنتجها المنطقة 200 مليون طن في سنة 2020. ويصل متوسط إنتاج الفرد من النفايات إلى 1.5 كيلوغرام يومياً في بعض الدول، وهو بين أعلى المعدلات في العالم.
ورغم انتشار مطامر النفايات الصحية في المنطقة تعتمد بلدان عديدة على التخلُّص العشوائي من النفايات في مكبّات مفتوحة والحرق في الهواء الطلق كأسلوب غير سليم لمعالجة النفايات الصلبة.
ويحذّر تقرير «أفد» من المخاطر المرتبطة بمكبّات النفايات العشوائية التي تقام عادةً في أماكن قريبة من التجمّعات السكانية. وتتضاعف هذه المخاطر مع اختلاط النفايات البلدية بالنفايات الخطرة الآتية من الأنشطة الصناعية والطبية، ما يزيد من عبء الآثار البيئية لانبعاثات المكبّات العشوائية التي تنطلق في الجو والسوائل التي ترشح منها وتتسرب إلى المياه الجوفية عبر التربة، ما يرفع التكاليف المرتبطة بمعالجة وإعادة تأهيل المكبات الملوثة.
ويجذب تراكم النفايات في المناطق الحضرية نواقل المرض، كالحشرات والقوارض، ويتسبب في إزعاج السكان المحليين، مثلما ظهر على نحو صريح مؤخراً في لبنان. ويشير تحليل سوائل الرشح التي جُمعت من مكبّات نفايات منظمة وعشوائية في لبنان إلى ارتفاع مخاطرها الصحية على الإنسان، بما تتّصف به من سميّة خلوية وسميّة وراثية. كما أظهر العديد من الدراسات وجود مخاطر صحية على العاملين في القطاع غير الرسمي لجمع النفايات وتدويرها.
ويثير الحرق المكشوف، الذي يمارس في المكبات العشوائية، مخاوف صحية كبيرة، إذ يرتبط بأمراض القلب والسرطان وأمراض الجلد والجهاز التنفسي، بسبب الانبعاثات الناتجة عنه، بما فيها أكاسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين، والديوكسينات، والجسيمات المعلقة في الهواء.
ويشير تقرير «أفد» إلى تفاوت في إدارة النفايات الخطرة في المنطقة العربية، حسب الوضع الاقتصادي لكل بلد. ففي الدول الأقل دخلاً، يتم التخلص من النفايات الصناعية الخطرة في مكبّات النفايات البلدية من دون فصل أو إعادة تدوير، بسبب الافتقار إلى مرافق معالجة النفايات الخطرة. فيما تحظى البلدان العربية ذات الدخل المرتفع، خصوصاً في الخليج، بمواقع خاصة لدفن النفايات الصناعية الخطرة تحول دون تسرب سوائل الرشح إلى طبقات التربة.
كما تقوم السعودية والإمارات بتشغيل مرافق معالجة لتحييد النفايات الخطرة وتحويلها إلى نفايات أقل خطورة أو غير خطرة، قبل التخلص منها في مكبّات النفايات البلدية. وبالمثل، يعالج الأردن 50 في المائة من نفاياته الخطرة قبل التخلص منها في مطامر صحية، في حين تصل نسبة المعالجة إلى 7 في المائة فقط في مصر. وتصل نسبة تدوير النفايات الخطرة في قطر إلى 36 في المائة بفضل ما أنجزته البلاد في بناء القدرات وإشراك العديد من أصحاب المصلحة.
ويزداد إنتاج النفايات الطبية بسرعة بسبب توسع قطاع الرعاية الصحية في المنطقة العربية. وتعد إدارة النفايات الطبية في المنطقة العربية تحدياً كبيراً، لا سيما في البلدان منخفضة الدخل حيث لا توجد لوائح تنظم هذا النوع من النفايات.
ويُظهر تفشي جائحة «كوفيد - 19» مؤخراً آلية تأثير الحوادث الطارئة على البيئة والصحة العامة، حيث أدّت الجائحة إلى زيادة معدّلات توليد النفايات الطبية في مناطق معيّنة بأكثر من أربعة أضعاف، كما تسبّبت أيضاً في زيادة التخلّص من المواد بعد استخدامها لمرة واحدة فقط خوفاً من انتقال العدوى. وتؤكد الطفرة الأخيرة في البصمة البيئية للبلاستيك، نظراً للاعتماد على معدات الوقاية الشخصية ذات الاستخدام الواحد، أن الاهتمام بالصحة الشخصية فاق بكثير الأخذ بالاعتبارات البيئية العامة.
ومثل معظم الدول حول العالم، تشهد المنطقة العربية زيادة مطردة في النفايات الإلكترونية مع زيادة الاعتماد على الأجهزة والمعدات الرقمية. وتبلغ معدّلات زيادة النفايات الإلكترونية في الدول الخليجية من 3 إلى 5 في المائة سنوياً، وتُقدّر قيمة المعادن الثمينة والصناعية التي يمكن استردادها من هذه النفايات بأكثر من مليار يورو.
ويفتقر العديد من الدول العربية إلى سياسات واستراتيجيات مناسبة لإدارة النفايات الإلكترونية، فضلاً عن مرافق إعادة التدوير، حيث تقل معدلات إعادة التدوير عن 5 في المائة من كميات النفايات الإلكترونية. ويشحن المغرب ولبنان بعض نفاياتهما الإلكترونية إلى دول أخرى لإعادة التدوير، كما يجمع ملتقطو النفايات وتجار الخردة في الأردن النفايات الإلكترونية لبيعها للقائمين على إعادة التدوير من أجل استرداد المعادن.
وفيما تملك تونس أفضل أنظمة إعادة تدوير لجمع النفايات الإلكترونية وتدويرها في المنطقة العربية، تواجه دول الخليج تحديات في إدارة هذه النفايات بسبب الافتقار إلى السياسات الناظمة وغياب مرافق إعادة التدوير المناسبة، حيث تختلط معظم النفايات الإلكترونية بأنواع أخرى من النفايات قبل التخلص منها. ويحذّر تقرير «أفد» من المخاطر الصحية الناتجة عن التعرّض للنفايات، لا سيما لدى جامعي النفايات والمتعاملين بها، إذ يقترن هذا التعرض بالغبار الملوث والمواد الكيميائية والسموم والكائنات الدقيقة ومسببات الأمراض، التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى مجموعة متنوعة من المشاكل الصحية ونشر للعدوى.
وتشير دراسات أجريت في مصر وفلسطين إلى انتشار كبير لاضطرابات الجهاز التنفسي، مثل ضيق التنفس والتهاب الحلق والسعال وارتفاع درجة الحرارة، بين جامعي النفايات البلدية الصلبة. وبالمثل، كانت مشاكل الجهاز التنفسي إلى جانب التهابات العين والتهابات الجهاز الهضمي ضمن المشاكل الصحية الرئيسية التي يعاني منها عمّال النفايات في العديد من الدول.
وتؤدي النزاعات والحروب في المنطقة العربية إلى زيادة الضغط على الخدمات البيئية، وتتسبب غالباً في انهيار أنظمة إدارة النفايات. فقطاع إدارة النفايات في سوريا تعرّض لأضرار جسيمة منذ بداية الحرب في 2011، ونتج عن انهيار هذا القطاع في بعض المناطق زيادة أمراض الجلد والجهاز التنفسي والأمراض المعدية مثل داء الليشمانيات الحشوي. كما وجد تحقيق في العوامل المحتملة التي أسهمت في انتشار وباء الكوليرا في اليمن، أن الإدارة غير السليمة للنفايات الطبية نتيجة تدمير مرافق إدارة النفايات تسببت في انتقال العوامل الممرضة إلى مصادر المياه.
ويخلُص تقرير «أفد» إلى أن الدول العربية تعاني في جميع المجالات من مشاكل صحية مرتبطة بممارسات إدارة النفايات الصلبة السيئة، ويترافق ذلك مع عدم كفاية الأطر التشريعية والمؤسساتية الراهنة لحماية صحة السكان وضمان رفاهيتهم. ويدعو التقرير إلى إنشاء أنظمة بيانات ورقابة تسلّط الضوء على المشاكل القائمة وتسمح بتحديد الأولويات ورصد الموارد على نحو أفضل، مع ضمان تأييد الجمهور والمسؤولين المحليين وجميع المعنيين.
ويقدم التقرير مجموعة من التوصيات لتسهيل الانتقال نحو نظام وقائي ودائري في إدارة النفايات الصلبة، يقوم على المبادئ الأساسية للاستدامة البيئية. ومن بين التوصيات، صياغة الخطط اللامركزية التي تراعي الظروف الراهنة الاجتماعية والجغرافية والثقافية والاقتصادية للمناطق المستهدفة، وإضافة طبقة عازلة لمنظومة إدارة النفايات الصلبة قادرة على امتصاص الصدمات التي تسببها أحداث أو حالات طارئة غير متوقعة كالأوبئة مثلاً.
كما تشمل التوصيات الاستغناء عن مرافق النفايات القديمة لصالح منشآت جديدة تقلّل البصمة الصحية والبيئية للقطاع وتزيد كفاءة العمليات، ومعالجة المكبّات العشوائية لوقف انتشار الملوثات، وإنشاء آلية لاسترداد الكلفة، خصوصاً في البلدان منخفضة الدخل، وتطوير الأطر التشريعية مع وضع آليات للمراقبة وفرض احترام القانون، وإقامة شراكات جديدة بين القطاعين العام والخاص عبر تعاقدات شفافة وتنافسية، إلى جانب تنظيم حملات توعية عامة لتعزيز مشاركة السكان.


مقالات ذات صلة

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

علوم 5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

دعاوى مشروعة للدول الفقيرة وأخرى ارتدادية من الشركات والسياسيين

جيسيكا هولينغر (واشنطن)
بيئة أنثى «الحوت القاتل» الشهيرة «أوركا» أنجبت مجدداً

«أوركا» تنجب مجدداً... والعلماء قلقون

قالت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية إن أنثى الحوت القاتل (التي يُطلق عليها اسم أوركا)، التي اشتهرت بحملها صغيرها نافقاً لأكثر من 1000 ميل في عام 2018 قد أنجبت أنثى

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)

صعوبة في تفسير الارتفاع القياسي في درجات الحرارة العالمية

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)
درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)
TT

صعوبة في تفسير الارتفاع القياسي في درجات الحرارة العالمية

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)
درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

يُعدّ الاحترار الذي يواجهه العالم منذ عقود بسبب غازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية مسألة معروفة، لكنّ درجات الحرارة العالمية التي حطّمت الأرقام القياسية سنة 2023 ومرة جديدة عام 2024، تجعل العلماء يواجهون صعوبة في فهم ما يحدث.

وقد أثبتت الأوساط العلمية أنّ حرق الوقود الأحفوري وتدمير المساحات الطبيعية مسؤولان عن احترار المناخ على المدى البعيد، والذي يؤثر تباينه الطبيعي أيضا على درجات الحرارة من عام إلى آخر.

لكنّ أسباب الاحترار الكبير الذي شهدته سنة 2023 وكذلك 2024، تبقى موضع جدل كبير بين علماء المناخ، إذ يتحدث البعض عن احتمال أن يكون الاحترار حصل بشكل مختلف أو أسرع من المتوقع.

ثمة فرضيات عدة تغذي البحوث، منها ما يشير إلى عدد أقل من السحب وبالتالي انعكاس أقل للأشعة الشمسية، وأخرى تلفت إلى انخفاض تلوث الهواء وبالوعات الكربون الطبيعية والمحيطات والغابات التي باتت تمتص كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون.

التغير المناخي تفاقم بسبب ظاهرة النينيو (أ.ب)

تكثر الدراسات لكنّ تحديد التأثير الدقيق لكل عامل يحتاج إلى عام أو عامين.

وفي حديث يعود إلى نوفمبر (تشرين الثاني)، يقول مدير معهد غودارد لدراسات الفضاء التابع لناسا غافين شميت: «أودّ أن أعرف السبب الكامن وراء» درجات الحرارة القياسية التي شهدها عاما 2023 و2024، مضيفا: «ما زلنا نقيّم ما إذا كنا نشهد تغييرا في كيفية عمل النظام المناخي».

ويؤكد عالم المناخ ريتشارد ألان من جامعة «ريدينغ» البريطانية، في حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، أنّ «الحرارة العالمية القياسية خلال العامين الفائتين دفعت الكوكب إلى ساحة مجهولة».

تعتبر سونيا سينيفيراتني من المعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ أنّ ما سُجّل «استثنائي، في حدود ما يمكن توقّعه استنادا إلى النماذج المناخية الحالية».

وتوضح عالمة المناخ لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «مع ذلك، إن الاتجاه العام للاحترار على المدى البعيد متوقع، نظرا إلى كمية الوقود الأحفوري التي تُحرق». ولم تبدأ البشرية بعد في خفض الانبعاثات، رغم الاقتراب من مرحلة الذروة.

تفسّر التقلبات المناخية الطبيعية هذه الملاحظة جزئيا. في الواقع، سبق عام 2023 سلسلة نادرة من ثلاث سنوات متتالية شهدت ظاهرة «النينيا» الطبيعية، إذ حجبت جزءا من الاحترار من خلال تكثيف امتصاص المحيطات للحرارة الزائدة.

وعندما سيطرت «النينيو»، الظاهرة المعاكسة، بكثافة قوية جدا عام 2023، عادت هذه الطاقة، مما دفع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات غير مسبوقة منذ مائة ألف عام، بحسب علماء المناخ القديم.

ومع أنّ الذروة التي وصلت إليها ظاهرة «النينيو» في يناير (كانون الثاني) 2023 قد انتهت، فلا تزال موجات الحرّ مستمرة.

يقول عالم المناخ روبرت فوتار إنّ «التبريد بطيء جدا»، مضيفا: «لا نزال ضمن الهوامش المتوقعة نسبيا» للتنبؤات، لكن إذا «لم تنخفض درجات الحرارة بشكل أكبر سنة 2025، فسيتعين علينا أن نطرح بعض التساؤلات».

من بين التفسيرات المطروحة، الالتزام عام 2020 بالتحوّل إلى الوقود النظيف في النقل البحري. وقد أدى هذا الإجراء إلى خفض انبعاثات الكبريت، ما تسبب في زيادة انعكاس ضوء الشمس عن طريق البحر والسحب وساعد في تبريد المناخ.

في ديسمبر (كانون الأول)، أشارت دراسة إلى أن انحسار السحب على علوّ منخفض سمح بوصول مزيد من الحرارة إلى سطح الأرض.

وقد يكون النشاط البركاني أو الدورات الشمسية أديا دورا كذلك. كل هذه الفرضيات أثارت جدلا خلال مؤتمر نظمه غافين شميت في الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي في ديسمبر.

ويخشى البعض من عدم إيلاء العلماء اهتماما بالعوامل الأخرى.

وتقول سونيا سينيفيراتني: «لا يمكننا استبعاد عوامل أخرى ربما تكون قد تسببت بزيادة درجات الحرارة».

ارتفعت درجات الحرارة جراء التغير المناخي وظاهرة النينيو (أ.ف.ب)

في عام 2023، عانت مصافي الكربون من «ضعف غير مسبوق»، بحسب دراسة أولية كبيرة نشرت في الصيف. وأفادت الوكالة الوطنية الأميركية لمراقبة الغلاف الجوي والمحيطات (NOAA) في ديسمبر الفائت بأنّ منطقة التندرا في القطب الشمالي باتت تحدث انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تخزن.

أما المحيطات التي تشكل مصفاة الكربون الأساسية والمنظم الرئيسي للمناخ، فترتفع حرارتها بمعدل «لا يستطيع العلماء تفسيره بشكل كامل»، بحسب يوهان روكستروم من معهد بوتسدام للأبحاث المتعلقة بتأثير المناخ.

وقال الشهر الفائت: «هل احترار المحيطات مؤشر لخسارة القدرة على الصمود على هذا الكوكب؟ لا يمكننا استبعاد ذلك».