حلفاء إيران يتحركون لعرقلة عقد بناء «ميناء الفاو الكبير»

غداة اتفاق بغداد مع شركة «دايو» الكورية لتنفيذه

حلفاء إيران يتحركون لعرقلة عقد بناء «ميناء الفاو الكبير»
TT

حلفاء إيران يتحركون لعرقلة عقد بناء «ميناء الفاو الكبير»

حلفاء إيران يتحركون لعرقلة عقد بناء «ميناء الفاو الكبير»

كشف إبرام وزارة النقل العراقية، أول من أمس، عقداً مع شركة «دايو» الكورية للمباشرة ببناء خمس مراحل في ميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة ذات الأهمية الاقتصادية الاستثنائية للبلاد، عن وجود اتجاهين يتنازعان الرغبة في الوجهة التي يتوجب اعتمادها في بناء المشروع، وإذا ما كان من مصلحة البلاد الاتجاه نحو كوريا الجنوبية أو الصين لتحقيق هذا المسعى.
يمثل الاتجاه الأول حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والقوى السياسية الداعمة لها وضمنها مثل تحالف «سائرون» الصدري، وتيار «الحكمة» الذي يرأسه عمار الحكيم وقوى أخرى حليفة، والثاني يمثله تحالف «الفتح» الحشدي وغالبية القوى التي باتت معروفة بتحالفاتها المعلنة مع طهران.
وتكشف المواقف التي اتخذتها الكتل السياسية قبل وبعد إبرام العقد عن أنها متأثرة إلى حد بعيد بتنافس قوى سياسية المحلية وتأثرها بمواقف القوى الإقليمية والدولية، ولا تستند فقط إلى أرضية شروط فنية ومصالح وطنية عليا، شأن غالبية القضايا والمشاريع السياسية والاقتصادية في البلاد.
ولم تكن الصراعات والخلاف حول عقد ميناء الفاو وليدة اللحظة التي اعقبت التوقيع مع شركة «دايو» الكورية، إنما تعود لأسابيع ماضية بين الاتجاهين المشار إليهما. ومن الصعب معرفة وتحديد الأسباب الحقيقة لتلك الصراعات ما لم تؤخذ بنظر الاعتبار تأثر الفضاء السياسي العراقي بصراع المصالح الإقليمي والدولي الحاد في السنوات الأخيرة في العراق، خاصة إذا ما علمنا أن الشركة الكورية «دايو» تعمل في الميناء منذ سنوات وسبق أن نفذت أكبر مشروع كاسر للأمواج في الميناء ولم تواجه بمعارضة شديدة من حلفاء إيران مثلما يحدث اليوم.
وأبرمت وزارة النقل العراقية مع شركة «دايو» الكورية، أول من أمس، عقداً لإنشاء خمسة مشاريع للبنى التحتية ضمن مشروع ميناء الفاو الكبير. وقال وزير النقل ناصر الشبلي، خلال حفل التوقيع «لا يسعني إلا أن أقدم شكري لكل من وقف معنا من أجل أن يرى ميناء الفاو النور، هذا المشروع الاستراتيجي العملاق سيوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للشباب، ليس في محافظة البصرة وحسب، بل والمحافظات المجاورة الأخرى، سواء أثناء التنفيذ أو بعد التشغيل».
وأضاف الشبلي، أن «تنفيذ الميناء سيبدأ بوتيرة متصاعدة، سيما وأنه تعرض إلى التعطيل لأسباب كثيرة من أجل إتمام إنجازه ضمن الوقت المحدد».
وحول طبيعة وشروط العقد الموقع، قال المدير العام للشركة العامة لموانئ العراق الدكتور فرحان محيسن الفرطوسي، إنه «يتضمن إنشاء قناة ملاحية بطول (14) كم، تمتد إلى عرض البحر، وإنشاء الحوض الخاص بالبواخر التي سترسو في الميناء، إضافة إلى نفق تحت الماء، وهو الأكبر من نوعه، حيث سيربط ميناء الفاو الكبير بخور الزبير وطريق تربط بين الأرصفة والنفق».
وأشار إلى أن «عملية حفر مرسى الميناء والقناة الملاحية، بعمق (9.8 م) في حاجة إلى رفع (110 ملايين متر مكعب) من الترسبات الطينية».
وذكر أن «العمل سيبدأ في الأيام المقبلة، سيما وأن الشركة المنفذة تمتلك الآليات اللازمة الموجودة في أرض الميناء للشروع بالعمل».
وبمجرد إعلان إبرام العقد، سارع تحالف «الفتح» الذي يضم غالبية القوى الحليفة لإيران، إلى جمع تواقيع لاستجواب وزير النقل.
وقال التحالف في بيان «تمت المباشرة بجمع تواقيع لاستجواب وزير النقل حول توقيع العقد مع شركة دايو الكورية ورفض تحويله إلى مشروع استثماري». في إشارة إلى أن الشركات الصينية عرضت بناء الميناء بطريقة الاستثمار، في حين أُبرم العقد مع الشركة الكورية بطريقة الدفع والتنفيذ المباشر بنحو مليارين و370 مليون دولار.
وأضاف التحالف، أن «العقد الموقّع سيتسبب في هدر كبير للمال العام، ويؤكد شبهات الفساد حول التعاقد مع الشركة المذكورة».
ويوم أمس (الخميس)، هاجم الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، الاتفاقية المبرمة.
وقال الخزعلي في تغريدة في «تويتر»، «إلى الفاسدين الذين مرروا عقد الشركة الكورية (دايو)، سيأتي اليوم فيه تفتضحون ويعرفكم الشعب ويحاسبكم على الجريمة الكبرى التي اقترفتموها بحق مستقبله من أجل مغانمكم الخاصة».
وأضاف الخزعلي «من جانبنا سنعمل وبكل قوة لإبطال هذه الجريمة الكبرى بحق العراق ونأمل من الشرفاء كافة أن يقفوا معنا ولا يسكتوا». وليس من الواضح ما إذا كانت القوى المعترضة ستواصل بجد جهود إلغاء إبرام العقد، أم أنها ستكتفي بإطلاق التصريحات لاعتبارات ومصالح سياسية خاصة.
كان زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، دعم ضمناً، الأسبوع قبل الماضي، استبعاد الحكومة للشركات الصينية في قرار بناء الميناء، ودعا الحكومة إلى «العمل على اجتثاث الفساد والابتزاز الواضح والجلي في مشروع ميناء الفاو الكبير الذي تكالبت عليه أيدي الخارج والداخل وأيدي التجار والميليشيات بحجج واهية لتبقي العراق معزولاً ومحتاجاً إلى غيره».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.