اليمنيون والإرهاب... لا حل سوى استعادة الدولة

عنصران أمنيان يتفقدان أضراراً لحقت بمطار عدن أمس غداة الهجوم الذي تزامن مع وصول الحكومة اليمنية الأربعاء (أ.ف.ب)
عنصران أمنيان يتفقدان أضراراً لحقت بمطار عدن أمس غداة الهجوم الذي تزامن مع وصول الحكومة اليمنية الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

اليمنيون والإرهاب... لا حل سوى استعادة الدولة

عنصران أمنيان يتفقدان أضراراً لحقت بمطار عدن أمس غداة الهجوم الذي تزامن مع وصول الحكومة اليمنية الأربعاء (أ.ف.ب)
عنصران أمنيان يتفقدان أضراراً لحقت بمطار عدن أمس غداة الهجوم الذي تزامن مع وصول الحكومة اليمنية الأربعاء (أ.ف.ب)

مع وصولها إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، كانت الحكومة في موعد مع يوم دامٍ هزّ اليمنيين جميعاً. وثّقت كاميرات الإعلام 3 صواريخ تهبط على المطار، في مخطط أريد أن يكون اغتيالاً جماعياً لطاقم الحكومة كافة، ومعها اغتيال مشروع عودة الدولة اليمنية.
سقط الصاروخ الأول على بوابة الاستقبال في صالة التشريفات، التي كانت معدة لتكون مكان انعقاد المؤتمر الصحافي للحكومة، والصاروخ الثاني سقط في المدرج الرئيسي للمطار، وكان واضحاً أنه يستهدف الطائرة التي تقل الحكومة، أما الثالث فسقط على بوابة الاستقبال حتى يقضي على من نجا من انفجار الصاروخ الأول.
كان يراد أن تكون هذه الحادثة عملية اغتيال لاتفاق الرياض وحلم اليمنيين بعودة الأمن والاستقرار إلى المناطق التي تحررت من سيطرة جماعة الحوثي.
دقائق معدودة هي التي حالت بين نزول الحكومة من على الطائرة وأن يلقوا حتفهم في هذا الهجوم الإرهابي. تأتي هذه الحادثة في ظل نقاش محموم يدور في أروقة الإدارة الأميركية حول تصنيف جماعة الحوثي جماعةً إرهابيةً. فهل تستحق جماعة الحوثي فعلاً هذا التصنيف؟ ولماذا سارعت الحكومة بتحميل ميليشيات الحوثي المسؤولية عن هذه الحادثة؟ ولماذا من المهم أن تستكمل الحكومة مع شركائها تنفيذ باقي بنود اتفاق الرياض؟
يشير سياق الأحداث والقرائن السابقة أن الجماعة الحوثية هي في الغالب من نفذت هذا الهجوم. كان الحوثيون توعدوا الحكومة اليمنية وتحالف دعم الشرعية بهجمات صاروخية كثيفة، ونفذت ما توعدت به عبر مسلسل طويل من إطلاق الصواريخ الباليستية على المنشآت المدنية والاقتصادية في السعودية. المطارات المدنية كانت هدفاً لصواريخ الحوثي حيث تم استهداف مطار الملك خالد في الرياض، وكذلك مطارا جدة وأبها. أما المدن اليمنية فقد تعرضت لقصف مكثف من جماعة الحوثي، تأتي على رأسها مدينة تعز التي قصفتها جماعة الحوثي بكل ما تمتلكه من صواريخ وأسلحة وآخرها كان في نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام، إذ قصفت الجماعة سوقاً مكتظة بالمدنيين. محافظة مأرب كذلك كانت مسرحاً لعمليات استهداف متكررة بالصواريخ الباليستية، ولعل أبرزها قصف منزل البرلماني مسعد السوادي في يناير (كانون الثاني) من العام 2020. ما أدى إلى مقتل أم مع ابنتها وجرح عدد آخرين. استهدافات المدنيين والأعيان المدنية ليست حوادث عرضية أو أخطاء حدثت في ظل اشتباكات مختلفة هنا أو هناك، بل هي سياسة ممنهجة اتخذتها جماعة الحوثي لترهيب خصومها وقمع أي صوت معارض لها. تتفاخر جماعة الحوثي بمشاهد تفجير منازل خصومها، وذلك لبثّ الرعب في الأوساط المحلية والقبلية. تفجير المنازل هو إحدى أبرز سمات جماعة الحوثي حتى من قبل سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر (أيلول) من العام 2014.
أما في العام 2015، وبعد اندلاع الحرب، فخطفت عدداً هائلاً من الصحافيين والناشطين، وأودعت بعضهم مستودعات سلاح لاستخدامهم دروعاً بشرية في مواجهة عمليات طيران التحالف لمقدراتهم العسكرية.
وما زال الوسط الصحافي اليمني يتذكر بوضوح مقتل الصحافيين عبد الله قابل، وإسماعيل العيزري، في مايو (أيار) 2015، عندما اتضح أن الحوثيين وضعوهما في مخازن سلاح في محافظة ذمار، شمال العاصمة صنعاء.
الجماعة الحوثية لا تبحث في هذه المرحلة عن حلول سياسية، وهي ليست حركة عانت من عملية تهميش سياسية، بل هي حركة عنيفة في طبيعتها، وتزداد توحشاً مع مرور الوقت.
لا يمكن لأي عملية سياسية أن تستقر، وهي لا تراعي أمن ومستقبل اليمنيين. ما تزال مدينة تعز محاطة بالقناصة الحوثيين من كل جانب، الذين يستهدفون المدنيين بشكل شبه يومي، ويكفي أن نذكر بحادثة قتل الناشطة رهام البدر، أحد وجوه المجتمع المدني البارزة في محافظة تعز، برصاص قناص حوثي.
المعتقلات الحوثية مليئة بالناشطات، ويدير القيادي الحوثي سلطان زابن شبكة أمنية تستهدف النساء؛ حيث كشفت وكالة أسوشيتد برس عن عمليات اختطاف وتعذيب وابتزاز لأجل المال يقوم بها سلطان زابن، ولذلك قامت الخزانة الأميركية بتصنيفه بالإضافة إلى 4 آخرين أفراداً مارسوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
من الناحية الأمنية والعسكرية، تعتمد جماعة الحوثي على تجنيد مستمر للأطفال، وتكافأ القيادات الحوثية بناء على قدرتها على تجنيد عدد أكبر. المشرفون الحوثيون يستهدفون الأطفال ابتداء من المدرسة، مستغلين الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها غالبية الأسر اليمنية. بل وصل الأمر بهذه الجماعة أن قامت بعمليات تجنيد إجبارية في مراكز إيواء الايتام. «في العام 2017 تواصلت بي مدرسات في أحد مراكز رعاية الأيتام يطلبن مساعدة مالية حتى يتمكنّ من تهريب الأطفال إلى محافظات لا تسيطر عليها جماعة الحوثي». عمليات التجنيد ومحاولة تغيير الهوية الوطنية ما زالت مستمرة، واليمنيون في سباق مع الزمن، إما أن يستعيدوا دولتهم ويحافظوا على كيان الجمهورية أو ينتظروا حتى تختطفها ميليشيات الحوثي، ثم نندم يوم لا ينفع الندم. جماعة الحوثي إرهابية بطبيعة تكوينها، وليس بسبب عدم تقبل اليمنيين لها. ولا يمكن الحديث عن الحوثيين دون الحديث عن إيران.
لقد استثمرت إيران في بناء القدرات العسكرية لجماعة الحوثي وبناء ميليشيات في مختلف العواصم العربية، ولكنها أبداً لم تستثمر في مشروع تنموي واحد. حتى عندما تعرضت لعقوبات أميركية آثرت أن تنفق المليارات على ميليشياتها بدلاً من الإنفاق على حاجات شعبها. في كل دولة «خلقت» فيها إيران، كانت دائماً على حساب كرامة المواطن فيها، ودفعت الشعوب أثماناً باهظة جراء اختطاف هذه الميليشيات للدولة ومؤسساتها.
المشروعات التي تتصارع في المنطقة تتجلى معالمها بشكل واضح في اليمن. هناك مشروعان لا ثالث لهما، المشروع الأول يقوم على الميليشيات وإذكاء الصراعات الطائفية والمناطقية. الدولة فيها عبارة عن حضور شكلي في صنعاء، ولكن أصحاب القرار موجودون في صنعاء ويديرون شبكة من المشرفين الحوثيين المنتشرين في المحافظات اليمنية كافة. أما المشروع الثاني فهو قائم على استعادة مؤسسات الدولة وبناء الدولة الاتحادية الحديثة بناء على ما نصت عليه مخرجات الحوار الوطني، وما توصل إليه إجماع اليمنيين.
الحكومة اليمنية الحالية هي ليست نهاية أحلام اليمنيين، بل هي الخطوة الأولى نحو استعادة الدولة لدورها ووظيفتها، كما ينتظر منها المواطن اليمني. هذه الحكومة هي البداية، واتفاق الرياض أول الطريق لعودة اليمن إلى مساره الصحيح.
- باحث سياسي يمني


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).