هل يقبل الليبيون قوات دولية تراقب وقف النار؟

وسط تخوف من «هشاشة» الهدنة واحتمال العودة للاقتتال

جانب من استعدادات وتدريبات القوات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس (أ.ف.ب)
جانب من استعدادات وتدريبات القوات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس (أ.ف.ب)
TT

هل يقبل الليبيون قوات دولية تراقب وقف النار؟

جانب من استعدادات وتدريبات القوات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس (أ.ف.ب)
جانب من استعدادات وتدريبات القوات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس (أ.ف.ب)

أثار تحفز قوتي «الجيش الوطني» الليبي وحكومة «الوفاق»، المرابضتين على تخوم مدينة سرت منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي في وضع استعداد دائم للحرب، اقتراحات عديدة تتعلق بإمكانية بنشر قوات مراقبة دولية لدعم اتفاق اللجنة العسكرية المشتركة بوقف دائم لإطلاق النار في البلاد، تضم مدنيين وعسكريين متقاعدين من هيئات دولية، على غرار الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية.
ولقي المقترح الذي طرحه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على أعضاء مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، صداه داخل الأوساط السياسية بالبلاد، في وقت يتخوف فيه المجتمع الدولي، الداعم للحوار السياسي، من «هشاشة» الهدنة العسكرية بين الجانبين.
ورأى المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي أن هذا المقترح مقبول جداً، لكن مع ضرورة أن «يتم تطوير دور القوات الدولية، وتكليفها بمهمة جمع السلاح من الجميع، وتخزينه تحت إشراف الأمم المتحدة على أن يسلم إلى الحكومة المنتخبة المقبلة».
وأضاف البشتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه يجب «إخراج القوات الأجنبية كافة من ليبيا، وإزالة جميع قواعدها العسكرية، على أن تبدأ البلاد في التجهيز لإجراء انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة بما يضمن نزاهتها»، منوهاً بأهمية إصدار قرار يجرم حمل السلاح، ويعاقب حامله بعقوبات مشددة، مع سرعة استرداد الأموال العامة المنهوبة.
غير أن مقترح غوتيريش لم يخل من معارضة، حيث تخوف البعض من أن يؤدي ذلك إلى تكريس لتقسيم ليبيا، حال قيام قوات المراقبة الدولية بالفصل بين القوتين على محاور الاقتتال فقط، ومن ثم تسيطر كل قوة على منطقتها، دون العمل على توحيد المؤسسة العسكرية، مشيرين إلى أن الرهان الآن على اللجنة العسكرية المشتركة، التي تعمل على سحب القوات من محاور الاقتتال، وإخراج القوات الأجنبية و«المرتزقة» من ليبيا.
وتضمنت رسالة وجهها غوتيريش إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن مقترحا بتشكيل مجموعة مراقبة من هيئات دولية، تحت إشراف الأمم المتحدة، لدعم اتفاق وقع إطلاق النار في ليبيا، بعدما حث كل الجهات المحلية والإقليمية والدولية المعنية بليبيا على «احترام اتفاق وقف إطلاق النار، وضمان تطبيقه من دون تأخير».
في المقابل، أبدى مسؤول عسكري تابع لـ«الجيش الوطني»، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، رفضه التام لمقترح غوتيريش، واعتبره «تدخلاً غير مسموح به» في ليبيا، بقوله: «نحن دولة ذات سيادة ولها جيش، وقادرون على استعادة الاستقرار بفضل قيادات جيشنا»، مشيراً إلى أن اللجنة العسكرية المشتركة تبذل جهوداً كبيرة لتفعيل قراراتها على الأرض، بما يضمن وقف القتال بشكل دائم.
ووقعت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، المشكلة من قوتي «الوفاق» والقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، في الـ23 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في جنيف على اتفاق وقف دائم لإطلاق النار في البلاد، على أن يغادر «المرتزقة» و«المقاتلون الأجانب» ليبيا في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع. لكن شيئا من ذلك لم يحدث حتى الآن، وهو ما اعتبره البعض «سبباً ومبرراً لاشتعال الاقتتال في أي لحظة، إذا ما فشل الحوار السياسي بين الأطراف الليبية».
وأمام مناوشات محدودة من وقت لآخر على محاور القتال قرب سرت والجفرة، تنظر بعض القوى الدولية إلى الأوضاع العسكرية هناك بعين الريبة، وهو ما وصفه رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، بـ«الوضع العسكري الهش» خلال حديثه هاتفياً مع الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، تطرقا فيه إلى الأزمة الليبية. ويجمع جل الليبيين على أن الحل لأزمة بلادهم لا بد أن ينبع من الداخل، وهو ما أسفر عنه لقاء وزير الخارجية بالحكومة المؤقتة، الدكتور عبد الهادي الحويج، مع أعضاء مكتب المستشارين بالوزارة، مساء أول من أمس، حيث شددوا على ضرورة أن يكون الحل بأيدي الليبيين أنفسهم، بعيداً عن أي تدخلات أجنبية تعيق أي حل للأزمة.
ودعا الحويج لتنظيم ندوة تدعى إليها كافة الأطراف الليبية قصد مناقشة مستقبل الحياة السياسية في ليبيا، مع التأكيد على ضرورة أن تكون هناك رؤية واضحة حول مستقبل الحل في ليبيا، خاصةً من خلال الانتخابات المقبلة.
وقالت الإذاعية الليبية، هدى العبدلي، إن موقفها السابق كان ضد تدخل أي قوات في بلادها، لكنها رأت في حديثها إلى «الشرق الأوسط» أنه قد «يكون دخول القوات الدولية رادعاً للتدخل التركي، ووقف التحشيد من قبل حكومة الوفاق». وهو الأمر الذي تنفيه القوات التابعة لها، والتي ترى أن الطرف الثاني هو الذي يعمل على ذلك.
وسبق للاتحاد الأوروبي إطلاق عملية أطلق عليها «إيريني»، استهدفت مراقبة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا في البحر الأبيض المتوسط، لكن يرى مراقبون أن السلاح لا يزال يتدفق على البلاد كما في السابق.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.