{الميتروبوليتان}.. ترتيب جديد للأعمال الفنية يربط الماضي بالحاضر

معروضات المتحف الدائمة تجاهلت الاستعمار والعبودية وحرمان المرأة من حقوقها

زائر في صالة عرض أُعيد تركيب سقفيتها
زائر في صالة عرض أُعيد تركيب سقفيتها
TT

{الميتروبوليتان}.. ترتيب جديد للأعمال الفنية يربط الماضي بالحاضر

زائر في صالة عرض أُعيد تركيب سقفيتها
زائر في صالة عرض أُعيد تركيب سقفيتها

كتب أحد الشعراء أنّه، «في وقت الظّلمة، بدأت العين تبصر». وبعد وقت عصيب ومظلم للغاية عايشناه حديثاً، يأتي الانقلاب الشّتوي للعام الحالي حاملاً معه ثقلاً رمزياً أكثر عن المعتاد.
بعض أعمال الترميم يجريها متحف الميتروبوليتان (نيويورك) حالياً. فخلال العقود الأخيرة، تهالكت في السقف المناور التي كانت تُدخل ضوء الشمس إلى داخل معارض اللوحات الأوروبية؛ الأمر الذي ترك بعض المساحات نصف مظلمة. وفي عام 2018، دشن المتحف مشروعاً لمدة أربع سنوات لاستبدالها جميعها. وتطلّبت هذه المهمة إغلاق ما يزيد على نصف المعارض الـ45 على مرحلتين، ونقل أجزاء كبيرة من المعروضات إلى المخازن أو إلى أماكن أخرى على نحو مؤقت. جدير بالذّكر هنا، أنّ اللوحات الهولندية معروضة حالياً داخل جناح روبرت ليمان.
ومع تجديد نصف مناور السقف، أُعيد فتح 21 معرضاً تضم قرابة 500 لوحة. وخلال زيارة في ظهيرة أحد أيام ديسمبر (كانون الأول)، بدت مناور السقف الجديدة جيدة، وكذلك مستوى الإضاءة الذي بدا قريباً ربما من مستوى الإضاءة التي عمل فيها الفنانون في أوروبا بين عامي 1250 و1800، الفترة التي تنتمي إليها تقريباً الأعمال الفنية الموجودة في المجموعة.
ويخلق المشروع أنماطاً أخرى من التنوير أيضاً. واستغل فريق العمل المعني بالمتحف بقيادة كيث كريستانسن، الفرصة في إعادة التفكير في بعض الأمور.
على سبيل المثال، داخل المعارض التي سبق ورُتّبت الأعمال الفنية داخلها تبعاً لاعتبارات جغرافية وأخرى متعلقة بتاريخ العمل، خُلطت الأعمال ومزجت الآن بغية تسليط الضوء على التبادلات عبر الحدود. أيضاً، يأتي الترتيب الجديد للأعمال بمثابة إقرار بصوت مرتفع، لتأثيرات الواقع الاجتماعي والسياسي على الفن، من استعمار وعبودية وحرمان النساء من حقوقهن، التي سبق لهذا المتحف أن تجاهلها في معروضاته من المجموعات الدائمة.
وبالتأكيد هذه خطوة مهمة من جانب القائمين على المتحف من أجل تعزيز جهود التعريف بحقائق التاريخ وتوسيع دائرة جمهور الفن. على مدار عقود، لاحظت تراجعاً في الاهتمام الشعبي العام بالمعارض القديمة داخل متحف المتروبوليتان، التي كان يُنظر إليها في وقت مضى باعتبارها نقطة الجذب الرئيسية في المتحف ودرة مقتنياته.
وربما يمكننا إيعاز هذا التحول إلى التغيير الذي طرأ على التعليم المدرسي. ويكاد يكون في حكم المؤكد أنّ هذا نتاج فرعي للثقافة الرّقمية التي تبقينا مرتبطين دونما فكاك بالحاضر حصراً.
ومع ذلك، تتجلّى المفارقة في أنّ الموضوعات الاجتماعية والسياسية الخاصة بالماضي التي يثيرها الترتيب الجديد للأعمال الفنية داخل المتحف ذات صلة وثيقة بالحاضر. ومن الضروري للغاية إبراز هذه العلاقة من أجل اجتذاب الجمهور مستقبلاً.
من ناحية أخرى، فإنّ التغييرات الجديدة في المتحف لا تبدو واضحة للعيان فور الدخول. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ السقف العالي الموجود أعلى ما يعرف بـ«السلالم الكبيرة» (غراند ستيركيس)، لا تعتبر رسمياً جزءاً من أعمال التجديد. وقد خصّص القائمون على المتحف هذه المساحة إلى أعمال الفنان جيوفاني باتيستا تيبولو، ابن البندقية، وتعتبر من السمات الثابتة المميزة للمتحف الذي يبدي اهتماماً خاصاً بتيبولو. ويضمّ المتحف عدداً من الأعمال لهذا الفنان تزيد على ما يوجد في أي مكان آخر خارج البندقية. وتهدف المشاهد البعيدة لرسوماته الضخمة للملائكة والآلهة وهي متّكئة على السّحب إلى جذب الزائر للصّعود إلى أعلى السّلالم، ما تنجح فيه هذه اللوحات بالفعل. وبالتالي، لم يجد القائمون على المتحف سبباً يستدعي إدخال تغييرات على عنصر ناجح بالفعل.
لذا؛ بدأت التغييرات وراء هذه المساحة، تحديداً داخل معرض شكّل في وقت مضى مساحة مخصصة لعرض عينات مباشرة من لوحات إيطالية تنتمي إلى مدرسة الباروك، لكنّها الآن أصبحت تدور حول موضوع أكثر تحديداً: روما الباروكية. تجدر الإشارة هنا إلى أن روما في القرن الـ17 كانت جاذبة للفنانين من مختلف أرجاء أوروبا من المتعطشين إلى الباروكية الإصلاحية المضادة. وتنتمي الكثير من المعروضات إلى أعمال فنانين إيطاليين، مثل كارافاغيو وغورتشينو وغيدو ريني، وكذلك أعمال فيلاثكيث من مدريد. كما يشارك فرانسيسكو دي زورباران، الذي لم يغادر إسبانيا قط، لكنّ التأثير الباروكي لروما وصل إليه في مكانه، بصورة للسيدة مريم العذراء في شبابها.
في المعرض التالي، الذي يحمل اسم «اللوحات كمرآة للطبيعة: 1420 - 1480»، يلتقي الشمال والجنوب في تشكيلة رائعة من الصّور الشّخصية، التي ينتمي بعضها إلى فنانين إيطاليين بينما ينتمي البعض الآخر إلى فنانين هولنديين. أمّا الاختلاف بين المجموعتين فيمكن إيجازه على النحو التالي: أنّ اللوحات الإيطالية تظهر الأشخاص بالصورة التي ربما كانوا يرغبون في أن يبدون عليها، ببشرة ناعمة ومتناغمة، بينما قدّم الفنانون الهولنديون الأفراد بالصورة التي كانوا يبدون عليها بالفعل، بما تحمله وجوههم من لحية وخطوط ناجمة عن العبوس والتجهم. والملاحظ أنّه في اللوحة المزدوجة الشهيرة لتوماسو وماريا التي أبدعتها أنامل هانس ميلمينغ لزوجين من فلورنسا كانا يعيشان في مدينة بروج مسقط رأس الفنان، بدا الاثنان على وشك الاندماج معاً. وفي اللوحة، تظهر جميع تجاعيد الوجه.
جدير بالذكر، أنّ القرن الخامس عشر كان فترة تميزت بانسيابية ثقافية، فقد سافرت التأثيرات الفنية في مختلف الأرجاء بسرعة وانتشرت على نطاق واسع. وخلال الفترة التي عاشها ميلمينغ، نجحت أعماله في شق طريقها إلى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا وبولندا. ولاقت اللوحات التي رسمها الفنان يان فان أيك الذي عاش في مدينة بورج الفرنسية، نجاحاً كبيراً في نابولي، وربما كانت الحافز الذي ألهم الفنان المولود في صقلية أنتونيلو دا ميسينا لتعلم وإتقان فنّ الرّسم بالزّيت الذي برع فيه الرّسامون الهولنديون.
أمّا الأعمال الفنية التي أبدعها أنتونيلو فتستعصي على التصنيف، من الناحيتين الأسلوبية والتعبيرية. وتعتبر لوحته «المسيح المتوج بالأشواك»، التي تعود إلى نحو عام 1470، تحفة فنية رائعة من حيث الخيال. ويتّسم وجه المسيح فيها بملامح هزيمة تبدو أشبه بملامح ملاكم خسر قتالاً، ويحمل الوجه نظرة رجل محكوم عليه بالفشل وفهم للتو مصيره تماماً. في الواقع، هي واحدة من أغرب اللوحات وأشدها تأثيراً في النفس من بين مقتنيات متحف المتروبوليتان من اللوحات الأوروبية المبكرة، بجانب أنّه من المتعذر تحديد الموقع الذي تنتمي إليه على وجه الدقة، ما يعتبر مادة دسمة لنقاش فني تاريخي ساخن.
الواضح أنّ متحف المتروبوليتان يميل نحو مثل هذه الأعمال القادرة على إثارة نقاشات ثرية حولها. في الواقع، فإنّ غالبية المتاحف الكبرى تميل لهذه الأعمال. بعد معرض صور القرن الخامس عشر، يأتي معرض آخر يركز على الزخارف الدينية (به أعمال من إبداع أنتونيلو) من أعمال فنانين من مختلف أرجاء أوروبا قبل الحقبة الإصلاحية. ويتبع ذلك عرض للأدوات المنزلية الفاخرة من فلورنسا، ويضمّ صناديق زواج وأواني المايوليكا وأطباقاً تذكارية.
بعد ذلك، يحدث فجأة انقطاع في الجدول الزمني لتجد نفسك تخطو إلى خارج إيطاليا في القرن الخامس عشر إلى داخل فرنسا في القرن الثامن عشر إلى حقبة الروكوكو وأعمال فراغونارد وأنتوان واتو. في الحقيقة، إنّه عالم من الأعمال الساحرة، مثل لوحة «امرأة مع كلب» لفراغونارد. ورغم روعته، يبدو المعرض منغلقاً ثقافياً حصراً على الأعمال الفرنسية.
بعد ذلك، تنتظرك قفزة أخرى، لكنّها هذه المرة خلفية إلى حقبة الباروك في عموم أوروبا. وفي هذه المرحلة، فضّل القائمون على المعرض تسليط الضوء على قضية العرق في نصّ جدار من فقرتين بعنوان «العبودية والعرق والآيديولوجيا في أوروبا في القرن السابع عشر». إلّا أنّ هذا ليس بأي حالٍ من الأحوال الإشارة الوحيدة، فالنّصوص الموجودة في صالات عرض أعمال عصر النهضة تشير إلى الأفارقة المستعبدين في القرن الخامس عشر في أنتويرب وفلورنسا. وتشير الملصقات الفردية هنا وهناك إلى ظهور أشخاص من أصحاب بشرة داكنة في اللوحات، أو تُصوّر خدماً في صور لأبناء الطبقة الراقية.
في خضم صعود نجم حركة «حياة السود مهمة» في السنوات الأخيرة، يبدو ذلك الجهد من جانب القائمين على المتخف بمثابة إيماءة بسيطة، لكنّها متأخرة. والملاحظ أنّ المتحف لطالما التزم الصّمت الكامل تقريباً في مجموعاته الدائمة إزاء قضية العنصرية. أمّا اليوم، فإنّه بدأ على الأقل بإثارة الحديث على هذا الصعيد.
وينطبق الأمر ذاته على معرض يركّز على إبداعات عدد من الفنانات، أو بمعنى أدق على حفنة ممن أسّسن حياتهنّ المهنية في باريس بعد الثورة الفرنسية. الواضح أنّ حياة هؤلاء النساء المهنية كان لها حدود داخلية مفروضة عليها، ففي الوقت الذي أبدع الرجال الأعمال الفنية المهمة المرتبطة بأحداث التاريخ، ظلت أعمال النساء محصورة في أنواع أقل من الأعمال الفنية مثل تصوير مشاهد ساكنة من الحياة وصور البورتريه.
* خدمة «نيويورك تايمز»



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.