كان صباحاً صنعانياً يكتسي بعضاً من برودة يناير (كانون الثاني) من عام 2015. وفي حي «فج عطان» جنوب العاصمة اليمنية، لم يخطف الحوثيون أمين عام الحوار الوطني في ذلك اليوم وحسب، بل كانت تلك العملية علامة رمزية على خطف الدولة بكاملها، وهو ما يقوله المخطوف نفسه، وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك.
ومن سخرية القدر أن يجري تصنيف أحد الخاطفين الحوثيين قبل إعلان الحكومة اليمنية تعيين ابن مبارك وزيراً بسبعة أيام، ضمن قائمة عقوبات أميركية، تحديداً في الـ11 من ديسمبر (كانون الأول)، فيما أعلنت الحكومة اليمنية تشكيلتها الجديدة في الـ18 من الشهر ذاته.
لم يكن يتوقع أن تتخذ حياته منحى غير الأكاديمي. وكغيره من اليمنيين الذين فُجعوا بكابوس الانقلاب الحوثي، قادت الظروف التي يمر بها اليمن الدكتور ابن مبارك إلى معترك السياسة.
شاء القدر أن يتولى الأكاديمي المتخصص في الإدارة عدة مناصب سياسية أعقبت «المبادرة الخليجية» الناجمة كحل لأحداث 2011، فمن أمين عام للحوار الوطني في عام 2013، إلى مدير لمكتب رئيس الجمهورية في 2014، ومنها إلى سفير في واشنطن منذ يوليو (تموز) 2015 حتى 18 ديسمبر 2020، تخللتها مهمة تمثيل اليمن في الأمم المتحدة بنيويورك.
أقسم ابن مبارك يوم السبت 26 ديسمبر الحالي مع 23 وزيراً ورئيس الوزراء أمام الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بعد مفاوضات ماراثونية أنجزت الشق السياسي من اتفاق الرياض وانتهت بتشكيل حكومة يصفها الوزير بأنها «أتت بعد توافق وطني واسع وبدعم من الأشقاء في التحالف العربي وبترحيب إقليمي ودولي».
وسيتجه الوزراء اليمنيون ورئيسهم إلى عدن تلبيةً لمطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي حض الحكومة على عقد أول اجتماع لها في العاصمة اليمنية المؤقتة، وللبدء في الوفاء بالتزامات الحكومة الداخلية والدولية.
قبل أن تصل الطائرة التي ستقلّه وزملاءه أعضاء الحكومة اليمنية إلى عدن، كشف الوزير ابن مبارك لـ«الشرق الأوسط» عن أبرز أولوياته، وذلك ضمن جملة أسئلة وأفكار في أول حوار يجريه بعد تسميته وزيراً، شملت الحديث عن فرص السلام ومساراته، والإدارة الأميركية الجديدة وإشاعات العودة إلى «طرق كيري» وهو ما سحب الحديث إلى الحوثيين وضرورة معرفتهم قبل تداعيات التعاطي معهم دولياً.
وامتد الحديث ليشمل شؤون المغتربين وأوضاع الموظفين في السفارات اليمنية حول العالم وصولاً إلى الحكومة الجديدة ورأي الوزير حول «المتشائمين من اتفاق الرياض».
12 يوماً من الخطف
«على المستوى الشخصي كانت تجربة مؤلمة وصعبة، لكن بالنظر والقياس إلى معاناة شعبنا وأبناء البلد كله تظل حادثة فردية لا ترقى إلى معاناة الناس».
يقول الوزير في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» عبر اتصال مرئي: «كان اختطافي مؤشراً لاختطاف الدولة لصالح المشروع الإيراني وإيقاف العملية الديمقراطية التي بدأناها بالحوار الوطني وعملية التشاور، والحوثيون كانوا جزءاً أصيلاً منه وكانوا مشاركين بنسبة أعلى من تمثيلهم الواقعي، لكن كان هناك حرص من القوى السياسية على مغادرة فترة الحرب والتوجه نحو يمن جديد».
وأعاد القول: «إن الحادثة لم تكن سوى مؤشر رمزي لعملية أخرى، وهناك يومياً عشرات اليمنيين يُختطفون، وما زال العديد منهم في السجن»، ويضيف: «استمر الخطف 12 يوماً، تعرضت خلال ذلك إلى عزلة كاملة، كنت معزولاً كلياً عن كل ما يجري خارجاً، في غرفة مظلمة، في غالب الأحيان كنت معصوب العينيين مقيد اليدين، ناهيك بساعات تحقيق مطولة في موضوعات مختلفة». ويستدرك بالقول إن «العودة إلى نقطة البداية إلى مشروع الدستور الذي كان سيشكل نقلة في حياة اليمنيين بيمن اتحادي ديمقراطي بعيد عن أي ارتباط بمشاريع خارجية مثل المشروع الإيراني».
الحوثيون والسلام!
«هل تعتقدون أن السلام ما زال فرصة يجب على الحوثيين اغتنامها أم أنه فات الأوان؟»، يجيب الدكتور ابن مبارك بالقول: «السلام خيارنا، ونحن نتحمل مسؤولية وكلفة هذا الخيار كحكومة شرعية، وعلى الحوثيين أخذ الخيارات الوطنية التي تصب في صالح المواطن لا في صالح أفراد أو فئات أو أطراف خارجية ممثلة بالدعم الإيراني الذي يسعى لإحداث زعزعة ليس في اليمن فحسب بل في الجزيرة العربية كافة، ولا يزال خيار السلام قائماً وممكناً، وينبغي عليهم انتهاز الفرصة ليسهموا في إنقاذ البلاد، وليكون لهم مكان في فترة ما بعد الحرب».
اتفاق الرياض
في معرض إجابته عمّن يعتقد أن الحكومة الحالية لن تصمد بعد اتفاق الرياض، عدّ ابن مبارك «من يبدي تشاؤماً مبالغاً فيه منذ البداية إما لديه قصور في الرؤية وإما لا يريد السلام ويرغب في إطالة الصراع وينتفع منه، وهو الأخطر، وسيسعى للأسف لإعاقة أي نجاحات نبتغي تحقيقها»، وزاد: «لكن إرادة اليمنيين الصادقين ستنتصر وبعون الأشقاء والأصدقاء وتتبدد أماني المغرضين».
وقال الوزير: «الشخصية اليمنية تصالحية بالدرجة الأولى وماهرة في تقديم التنازلات. وهذا يبدو أن له علاقة في الخلفية التجارية لليمنيين منذ القدم، فهم أشخاص قادرون على القيام بالمبادلات التجارية، وحتى قبلياً اليمنيون مشهورون بالمعالجات القبلية القائمة على الوسطية في الحلول والتنازلات من كل طرف، وهي سمات في الشخصية اليمنية تم توظيفها من قِبل الراعي الأساسي لاتفاق الرياض وهم الأشقاء في المملكة العربية السعودية».
ويعد الوزير السعودية أنها من الدول «الأكثر فهماً ومعرفة باليمن وعمقه الحضاري والأكثر قرباً لكل المكونات اليمنية السياسية»، ويقول إن «قرب المملكة من كل الأطراف ودعمها الشرعية السياسية ووحدة اليمن وأمنه أهّلها وأعطى نموذجاً كذلك، وهناك عمليتان سياسيتان في العقد الأخير كانت السعودية تلعب فيهما دوراً قيادياً ورئيسياً، وهما المبادرة الخليجية واتفاق الرياض».
المبادرة الخليجية هي التي «شكّلت علامة فارقة وجنّبت اليمن حرباً أهلية للأسف انجرف إليها لاحقاً بسبب الانقلاب». أما اتفاق الرياض فيعتقد الوزير «أنه يجب النظر إليه في أي تسويات قادمة، حتى في إطار الحل الشامل (للأزمة اليمنية)، فحيثما توفرت النيات الصادقة وجمعت الأطراف على قاعدة حقيقية وإذا ما كان راعي السلام حريصاً فإنه من الممكن أن نسجل تقدماً كبيراً».
أولويات الوزير
تتربع على قائمة أولويات وزير الخارجية والمغتربين اليمني نقطتان: الأولى تنظيم الدبلوماسية، والأخرى ملف المفاوضات والجهد السياسي.
يقول الوزير إن «العمل الدبلوماسي اليمني وإعادة ترتيب الوزارة والتحضير لتفعيل عملها مع باقي الوزارات في العاصمة المؤقتة عدن عمل كبير يتطلب إعداداً لوجيستياً وإدارياً كبيراً وعاجلاً في الوقت ذاته، وهناك الملفات السياسية الملحة مثل الملف الإنساني، وهو أمر يحتل أولوية قصوى لدينا».
الملف الثاني يتمثل في المفاوضات من خلال مسار الأمم المتحدة، «وحشد الدعم الدولي لمواقف الحكومة الوطنية والثابتة في إنهاء الانقلاب ووقف الحرب وتحقيق السلام العادل والمستدام، فضلاً عن الملفات الاعتيادية، وهي علاقات اليمن مع مختلف الدول ورعاية مصالح بلادنا وأبنائها أينما وُجدوا، خصوصاً في ظرف الحرب الذي فرض على مئات الآلاف من اليمنيين السفر طلباً للرزق والأمان، وهذا عبء آخر باعتبار حقيبة المغتربين أُضيفت إلى مهامي، وذلك يتطلب جهداً إضافياً في تذليل الصعاب التي تواجه جالياتنا المنتشرة في أغلب دول العالم».
«تجربة كيري»
كانت واشنطن إلى وقت قريب تؤمن بضرورة فتح قنوات خلفية مع الحوثيين ومحاولة إقناعهم بالتخلي عن إيران، ورغم اختلاف «تقنيات» إدارتي باراك أوباما ودونالد ترمب فإن مراقبين يعتقدون أن تعود «تقنيات» أوباما مع إدارة بايدن.
وبسؤال الدكتور ابن مبارك، أجاب الوزير بالقول: «كلنا يتذكر تجربة لقاء وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري مع الحوثيين في مسقط، وليس لدينا أدنى شك بأن كل تلك المحاولات مبعثها الحرص على إيجاد حل ومساعدة اليمنيين للخروج من هذه الأزمة التي خلّفت معاناة إنسانية كبيرة، بيد أننا كنا دائماً نقول إن تلك الطريقة لا تساعد على تحقيق هذا الهدف».
ويعلل ابن مبارك فكرته بالقول: «لا بد من معرفة الحركة الحوثية وطبيعتها الآيديولوجية حتى نفهم طريقة تفكيرها وتعاطيها مع تلك المبادرات الدولية، وعلى المجتمع الدولي ألا يمنحها فرصة توظيف تلك المحاولات الدولية للتواصل معها، فهذا قد يرسل رسائل خاطئة تُضعف المسار الأممي أو قد يساعدهم في الترويج لأن العالم يتعامل معهم كسلطة أمر واقع».
أما إذا كان المقصود إيصال رسائل تدعم عملية السلام «فالعديد من السفراء والدبلوماسيين يلتقون معهم من وقت لآخر».
ماذا عن بايدن؟
«كحكومة يمنية، على أتمّ الاستعداد للعمل مع الإدارة الجديدة بما يخدم المصالح المشتركة بين البلدين»، قال الدكتور ابن مبارك في سياق إجابته عن سؤال من شقين: «هل يقلق الحكومة اليمنية ما ورد من تصريحات للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن حول اليمن؟ وكيف سيكون باعتقادكم شكل العلاقة مع واشنطن بقيادة الإدارة المقبلة؟».
ويرى الوزير أن «الولايات المتحدة دولة كبرى لها مؤسساتها العريقة ومصالحها الثابتة وقد تتغير سبل تأمين تلك المصالح وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة بتغير الإدارات المتعاقبة، لكن الخطوط الأساسية والثوابت ذاتها تظل، ومن هنا يأتي دور العمل السياسي والدبلوماسي للتفاهم مع الأصدقاء في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الصديقة لاختيار السبل الأنسب والأقرب لمساعدة اليمن، وبما يخدم مصلحة شعبنا ويخفف معاناته».
أساس إنهاء الأزمة
رغم التململ الذي يكتنف الأوساط السياسية والشعبية اليمنية من الوسطاء الأمميين، يؤكد الدكتور ابن مبارك «أن المسار الأممي أساس لإنهاء الأزمة اليمنية».
«كمّ القضايا والحلول التي تمت مناقشتها خلال جولات المشاورات العديدة يشكّل مرجعية تجعل من المسار الأممي المستند إلى قرارات الشرعية الدولية والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، مساراً أساسياً لإنهاء الأزمة اليمنية». ويضيف الوزير: «هناك إرث من الأدبيات والقرارات الأممية فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، وتلك القرارات استندت في جُلّها على المرجعيات المحلية والمبادرات الإقليمية التي حددت معالم المرحلة الانتقالية ثم أسس الحل لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة».
وبالحديث عن التواصل مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، ومدى قدرته على الاستمرار كوسيط، يجيب ابن مبارك: «أنا على تواصل مع السيد غريفيث، وهناك تشاور ولقاءات مستمرة منذ أن كنت المندوب الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة، ونحن في الحكومة الشرعية ندعم جهوده منذ اللحظة الأولى لتوليه مهامه، وهدفنا جميعاً تحقيق السلام ووقف معاناة اليمنيين».
ويتابع: «لقد حان الوقت الآن للتوصل إلى سلام حقيقي عادل ومستدام ووقف مساعي الحوثيين للمماطلة فيه، ويجب ألا يسكت المبعوث الأممي أو المجتمع الدولي عن الوضع القائم وعن المزيد من التعنت والتسويف وإنشاء واقع جديد لا يخدم إجراءات بناء الثقة ويتم التشبث به ليدحض كل الاتفاقات السابقة».
ويشدد ابن مبارك على أن أي مبعوث أممي يظل ممثلاً لإرادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتحديداً مجلس الأمن، ويقول: «هنا تأتي أهمية الدبلوماسية اليمنية لبذل مساعيها مع هذه الدول وتوضيح مجريات الأمور لها بالتعاون مع الأشقاء في التحالف، حيث تعمل الدبلوماسية اليمنية جنباً إلى جنب مع الدبلوماسية في المملكة العربية السعودية التي استضافت الحكومة اليمنية منذ بداية الحرب وباقي الدول في التحالف العربي، لتمثيل قضيتنا العادلة في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب وإنهاء الحرب وصنع السلام».
تفادي التصنيف
«كنتم في واشنطن، وكما تداولت تقارير عديدة فإن الولايات المتحدة تدرس تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وربما يأتي وضع عدد من القيادات الحوثية على قوائم العقوبات لدى الخزانة الأميركية كخطوة أولى، هل تؤيدون ذلك؟ وهل سيؤثر ذلك على أي عملية سلام أو مشاورات؟»، يجيب ابن مبارك بالقول: «في الحكومة اليمنية نؤيد مجازاة كل من يقوم بفعل إرهابي وإجرامي بالعقاب العادل، وليس مجرد التصنيف، ونرى أن من يسعى للإثراء من الحرب ونهب المعونات وترهيب المواطنين وقتلهم تعسفياً، إرهابي. كما أن مَن يهدد المصالح الدولية ويقلق الملاحة ويستخدم الشعب اليمني درعاً بشرية لحماية نفسه ويعتدي على دول الجوار لا يمكن السكوت عنه، ولا تزال الفرصة ممكنة للحوثيين لتفادي تصنيفهم إرهابيين وملاحقتهم دولياً، وعليهم ألا يراهنوا على عامل الوقت وطول أمد الصراع؛ فهم بذلك ينهكون الشعب اليمني ويضاعفون معاناته، ويزيدون من سخط أبناء شعبنا عليهم ومن استياء المجتمع الدولي الذي يجب ألا يُفَسَّر حرصه على التوصل إلى السلام بقبول تلك الممارسات التي تُدينها كل التقارير الدولية. وأعتقد أن وضوح عواقب تهديد فرص السلام ستسهم في الردع وتدفع بفرص السلام، ولعل الخطوة الأخيرة في تصنيف عدد من قيادات الميليشيات الحوثية تصب في هذا الاتجاه».
انقلابيون مع وقف الحرب
كان اليمنيون في الكويت عام 2016 قاب «توقيع» أو أدنى من إنهاء الحرب بحل سلمي وشامل. «لا أذيع سراً إذا قلت إن عدداً من أعضاء الوفد الحوثي كانوا مقتنعين بوقف الحرب والتوجه نحو السلام»، يقول الدكتور أحمد ابن مبارك: «لكن القرار الرافض للحل جاء من طهران».
ويتهم الوزير الحوثيين بأن قرارهم كميليشيات «أسير لدى طهران التي تستخدمهم في حرب تدميرية لوطنهم لا تكلفها شيئاً وتجني هي منها الكثير».
وعند سؤاله عن كيفية تشكيل الوفد المفاوض الذي درجت العادة أن يرأسه وزير الخارجية في الحكومة اليمنية، قال الوزير: «المعنيّ الأول بقيادة ورسم السياسة الخارجية للبلاد هو فخامة رئيس الجمهورية. والدبلوماسية اليمنية التي يديرها وزير الخارجية هي أداته في تنفيذ تلك السياسة، وتشكيل الوفد المفاوض يتخذه فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي وبالتشاور مع حكومته ومستشاريه والقوى السياسية التي يراعي دوماً أن تكون شريكة وممثلة في قوام الوفد وفي العملية التفاوضية عموماً، وفي هذا الأمر هناك مشاورات متعلقة بملفات ذات علاقة بإجراءات بناء الثقة وتخفيف المعاناة عن أبناء شعبنا في الجانب الإنساني وهناك تلك المتعلقة بالحل الشامل الذي ستشارك فيها كل القوى السياسية».
ماذا تقول لإيران؟
سئل الوزير وأجاب: «سنقول لإيران ما نقوله دائماً: ليس من حق إيران التدخل في الشأن اليمني إطلاقاً، وليس من حقها الادعاء بأي شكل من الأشكال تمثيل أي طائفة، اليمن لم يعرف يوماً من الأيام الطائفية كما تروّج لها إيران، سنطلب منهم احترام السيادة وأن يكون لديهم سلوك مختلف ليس في اليمن فحسب بل في الدول التي تعاني من النهج الإيراني الذي يدعم الميليشيات خارج الدولة، إذا أرادت إيران أن تكون مقبولة فعليها أن تكفّ عن التدخل في المنطقة».
مهمة جديدة
يعدّ وزير الخارجية والمغتربين اليمني ثقة القيادة السياسية لبلاده بتكليفه أيَّ ملف في السابق أو الآن «شرفاً كبيراً ومسؤولية جسيمة لا بد أن أوليها كامل اهتمامي وأسخّر لها كل ما يمكن، والعمل على تحقيق ما يتطلع إليه المواطن اليمني وتخفيف معاناته وتطلعه للأمن والاستقرار وتحقيق السلام»، وأردف بأنه يشعر «بمسؤولية أخلاقية على المستوى الشخصي بأهمية استكمال ما بدأناه في مؤتمر الحوار الوطني الذي احتضن آمال اليمنيين وتطلعاتهم».
«بعد نحو خمس سنوات في واشنطن، ماذا تركت العاصمة الأميركية لك وماذا تركت لها؟»، سألت «الشرق الأوسط»، فقال الوزير: «هي بالتأكيد تجربة ثرية وتلك المدينة الجميلة التي تبدو هادئة لأول وهلة هي مركز حوار دولي مستمر ونقاشات محمومة وكل سفارة فيها تسعى جاهدة لتمثيل حكومتها ومصالح شعبها وعرض قضاياها العادلة واستمالة صانع القرار الأميركي نحو موقفها، وكذا التأثير على الرأي العام والنخب والقوى السياسية والمجتمعية المختلفة للتقارب معهم أيضاً والحصول على دعمهم، وبالنسبة لي شخصياً أتمنى أن تكون هذه التجربة وشبكة العلاقات التي كوّنتها هناك بالإضافة لمهمتي في الأمم المتحدة كممثل دائم في نيويورك عاملاً مساعداً لنجاحي في مهمتي الحالية باعتبار الخبرة الدبلوماسية في العلاقات الثنائية أو المتعددة تعطي رؤية أفضل وأشمل للمشهد الدولي وتداخلات العلاقات والمصالح الدولية».
وبالعودة إلى الوزارة ومهامها، يرى الدكتور ابن مبارك أن عمل وزارة الخارجية اليمنية تطوّر، «بل اختلف كثيراً في السنوات الأخيرة عن المعتاد بفعل الحرب ونتائجها على الصعد كافة، إذ تجاوز الدور البروتوكولي المعتاد من نقل رسائل وحضور فعاليات دولية».
وأرجع الوزير هذا التغير إلى أن «الظرف الذي تمر به بلادنا ومعركتها لاستعادة الدولة وتحقيق السلام ومواجهة المشروع الإيراني في اليمن وحشد الدعم الدولي ليس فقط للتخفيف من المعاناة الإنسانية، بل البدء بمشاريع التنمية وإعادة الإعمار جعل من عمل الخارجية شديد التعقيد في ظل إمكانيات محدودة»، متابعاً: «فدولة تشهد صراعاً مسلحاً وتقاتل على أكثر من جبهة ضد انقلاب عسكري وتنظيمات متطرفة وتواجه ما أنتجه الصراع من انفلات أمني وتدهور في مستوى الخدمات يكون وضع جميع مسؤوليها صعباً ومهامهم أكبر، ناهيك بكون ملف اليمن معروضاً على مجلس الأمن، وهناك دول راعية ودول أخرى تتدخل في الملف خارج رغبتنا وإرادتنا الوطنية، ولكن معنا في المقابل التفاف شعبنا مع قيادته الشرعية ممثلةً بفخامة الرئيس ومعنا أشقاؤنا في التحالف والدول الصديقة».
دبلوماسيون بلا رواتب
يشتكي كثير من الدبلوماسيين اليمنيين من مصاعب مالية تتعلق بالرواتب، ولن يكون الوزير بعيداً عن هذه المعاناة التي كان أحد الشاهدين عليها بحكم عمله في الولايات المتحدة بين واشنطن ونيويورك. وعند سؤاله حول ذلك، أجاب قائلاً: «عانت البعثات الدبلوماسية وما زالت تعاني، ولا أذيع سراً أن الرواتب لا تُدفع أحياناً لفترة تصل إلى تسعة أشهر بالإضافة إلى تواضع الموازنات التشغيلية، ومنذ تسلمي مهامي هذه إحدى أهم الأولويات».
يُكمل ابن مبارك بالقول: «إن الجانب الإيجابي في الأمر أن هذه الحكومة أتت بعد توافق وطني واسع وبدعم من الأشقاء في التحالف وبترحيب إقليمي ودولي، ولكي تنفذ الحكومة برنامجها لا بد من توافر الإمكانيات اللازمة لبدء العمل من العاصمة المؤقتة وتعزيز جميع الوزارات بما تحتاج إليه لتنجح فيما يخصها من برنامج الحكومة بما فيها الخارجية والمغتربون ونعوّل على دعم الأشقاء، بالإضافة لأهمية العمل على تفعيل جميع المؤسسات الإيرادية ومضاعفة الإنتاج النفطي، والتي ستعد الرافد الرئيسي لميزانية الدولة والتي ستمكّن الحكومة من أداء مهامها بما في ذلك حل المشكلات المالية في بعض السفارات. كما أسلفنا، علينا مسؤوليات كبيرة والتزامات أكبر لكننا وبتضافر الجهود المخلصة سنوفَّق بإذن الله».
«أعرف شعور المغتربين... فأنا أحد أبنائهم»
يعد الوزير ابن مبارك أحد أبناء المغتربين اليمنيين، ويصف نفسه بأنه عاش تلك التجربة «بتفاصيلها الدقيقة». ويقول: «لذا لن أدخّر جهداً في سبيل خدمة المغتربين الذين نفخر بهم وبما يقدمونه لبلدهم من خلال التحويلات المالية لأسرهم أو مبادرتهم لتخفيف المعاناة الإنسانية أو حتى حمل قضية بلدهم في كل المحافل كجزء من الدبلوماسية الشعبية، ونفخر أكثر وأكثر بتزايد أعداد الكوادر اليمنية المتميزة علمياً ومهنياً في جميع المجالات وفي أصقاع العالم كافة بل في دول العالم المتقدم، ويقع على عاتقنا تسهيل كل الأمور لهم سواء فيما يتعلق بالقضايا القنصلية أو التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة للتخفيف من بعض الأعباء الإضافية التي يتحملونها، والأهم هو العمل على مساعدتهم في التمكين الاقتصادي والسياسي في الدول التي أصبحوا فيها جزءاً من نسيجها الاجتماعي، ونرى عدداً كبيراً من القيادات الاقتصادية والسياسية من أصول يمنية في أميركا وأوروبا في مواقع متقدمة. بكل تأكيد سنسعى لعمل كل ما هو ممكن لخدمتهم وتسهيل وتيسير المعوقات التي يواجهها المغترب اليمني وبما يحترم قوانين دول الاغتراب».
«رحلة التيه اليماني»
فضّلت «الشرق الأوسط» أن تترك للوزير السؤال الأخير مساحة مفتوحة، وأن يكتب بنفسه ما يرغب قوله في نهاية الحوار، فأنشأ قائلاً: «إن الحديث عن الحرب والتحديات يجب ألا ينسينا المستقبل وأن كل ما نفعله الآن هو لضمان مستقبل أفضل لأبنائنا وللأجيال القادمة، وأنا أؤمن بأن بلداً لديه عمق حضاري يمتد إلى آلاف السنين ووُصف أهله بالإيمان والحكمة ورقّة القلوب والأفئدة، قادر على تجاوز تلك الصعاب وأنه قد آن الأوان لإنهاء رحلة التيه اليماني، واليمن سيتسع للجميع وسيكبر بكبر أحلام وتطلعات وتضحيات أبنائه. وجهود المخلصين التي بُذلت خلال الحوار الوطني وقبله وبعده من أجل بناء دولة مدنية تتحقق فيها المواطنة المتساوية للجميع، لن تذهب سدى، وأن كل التحديات والتعقيدات التي ظهرت بعد الانقلاب أو بسبب سنوات من التهميش سيتم التعاطي معها بجدية، وما أُنجز في اتفاق الرياض هو نموذج لقدرتنا على تغليب المصلحة العليا للوطن والترفع عن الصغائر، وسيأتي بإذن الله اليمن الذي نحب، اليمن الآمن المستقر المزدهر ويكون مرتكزاً لأمن جواره ومحيطه والمنطقة والأمن والسلم الدوليين ككل».