«حزب الله» يتلطى خلف عون لتأخير تشكيل حكومة الحريري

TT

«حزب الله» يتلطى خلف عون لتأخير تشكيل حكومة الحريري

قال مصدر سياسي قريب من مشاورات التأليف المتعثرة للحكومة الجديدة في لبنان، إن رئيس الجمهورية ميشال عون، لم يتقبل تسمية الأكثرية النيابية الرئيس سعد الحريري لتشكيلها، لكنه اضطر للرضوخ لقرارها بعدما استحال عليه إقناع «الثنائي الشيعي» - «حزب الله» و«حركة أمل» - بعدم تسميته، اقتناعاً من هذا الثنائي بضرورة قطع الطريق على من يحاول رفع منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي في البلد.
ومعلوم أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهو زعيم حركة «أمل»، كان أول من رشح الحريري لتولي رئاسة الحكومة، رافضاً الخضوع لشتى الإغراءات للامتناع عن هذه الخطوة.
وقال المصدر السياسي، إن هذا الثنائي هو من قاد الضغط لتسريع إجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف بعد أن كان عون قد تمهل في تحديد موعدها، بذريعة أن الدستور يخلو من أي نص يُلزمه بإنجازها فور استقالة حكومة الرئيس حسان دياب.
وأكد المصدر ذاته لـ«الشرق الأوسط»، أن عون، وإن استجاب لخيار الأكثرية النيابية بتسمية الحريري بتشكيل الحكومة، فإنه في المقابل يصر على وضع العراقيل أمام تأليفها. وأضاف أن البطريرك الماروني بشارة الراعي، لم ينجح في مبادرته لرأب الصدع السياسي بين عون والحريري، وتبديد علاقتهما من الشوائب التي تحاصرها، ومن تداعياتها المتمثلة بانعدام الثقة بينهما، رغم أنه كان يراهن في ضوء لقاءاته بهما على أن الحكومة سترى النور قبل حلول عيد الميلاد.
ولفت إلى أن الراعي لم يقرر العزوف عن استئناف مبادرته، وسيحاول مجدداً، لكنه سيكتشف بأن الأيام المقبلة، فور انتهاء عطلة الأعياد، لن تحمل مفاجأة تدفع باتجاه حلحلة العقد التي لا تزال تؤخر ولادة الحكومة، خصوصاً أن المشاورات بين عون والحريري اصطدمت بحائط مسدود، علماً بأنه لم يتم تحديد موعد لجولة المشاورات الخامسة عشرة بينهما.
ورأى المصدر أن الفريق السياسي المحسوب على عون، الذي يتلقى تعليماته من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل (صهر عون)، بدأ يخطط لدفع الحريري إلى الاعتذار عن عدم قدرته على تشكيل الحكومة، مع أن هذا الفريق يدرك سلفاً أنه «يخوض معركة خاسرة»، وأن دوره يقتصر على توفير الغطاء السياسي الذي يسمح لـ«حزب الله» بأن يتلطى خلفه لترحيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، لسلطاته الدستورية في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.
ومع أن المصدر يؤكد أن الحريري ليس في وارد تعطيل الحكومة، كما يشيع الفريق السياسي المحسوب على عون ووريثه باسيل لأسباب خارجية، وينقل عنه أنه لم يعطل انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وبالتالي فإن البلد يمر اليوم في وضع متأزم غير مسبوق بعد الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت، وهذا ما يتطلب من الجميع الالتزام بالمبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان من الانهيار المالي والاقتصادي، فإنه يعتقد بأن المراوحة في تشكيل الحكومة تخضع لتوزيع الأدوار بين عون - باسيل وبين حليفهما «حزب الله».
واعتبر أن عون وباسيل يعطلان داخلياً تشكيل الحكومة بذريعة استردادهما لحقوق المسيحيين، فيما يتلطى بهما «حزب الله» لترحيل عملية التأليف إلى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب. وقال إن هذا القرار بترحيل تشكيل الحكومة اللبنانية إلى فترة لاحقة يعكس ضمنياً رغبة طهران التي تحرص على تقطيع الوقت إلى حين تسلم بايدن صلاحياته، وهي تحاول الآن استيعاب الضغوط الأميركية، وهذا ما ظهر جلياً من خلال تأكيدها عدم علاقتها بالعمليات التي تستهدف المقرات الدبلوماسية في بغداد، تحديداً الأميركية منها، وذلك بهدف إسقاط ذرائع ترمب وتفويت الفرصة عليه للقيام بعمل عسكري ضدها.
وقال المصدر ذاته إن طهران تراهن على أن وصول بايدن إلى البيت الأبيض يمكن أن يؤدي إلى معاودة المفاوضات رغبة منها بفتح صفحة جديدة مع الإدارة الأميركية العتيدة بخلاف الحروب العسكرية والاقتصادية القائمة مع سلفه ترمب الذي فرض عليها سلسلة عقوبات أميركية، وعلى أذرعها في المنطقة. وأكد أن القيادة الإيرانية تأمل في التعاون مع الرئيس الأميركي المنتخب كما تعاونت مع الرئيس السابق باراك أوباما (كان بايدن نائبه آنذاك).
وقال المصدر السياسي ذاته إن خصوم الحريري يرون أن جر البلد إلى مزيد من التدهور سيدفع بايدن للالتفات إلى طهران طلباً لمساعدتها في مقابل إعادته النظر في رزمة العقوبات الأميركية المفروضة عليها انطلاقاً من تقديرهم بأن لا مانع من تعويم المفاوضات الأميركية - الإيرانية بذريعة أنه ليس في مقدور الحزب الجمهوري استغلالها وتوظيفها ضد بايدن، طالما أن ترمب يتفاوض مع حركة «طالبان». وفي هذا السياق، سأل المصدر عن الجدوى من الرهان على استئناف المفاوضات بين إدارة بايدن وإيران، وهل يمكن للبنان الصمود إلى حين انطلاقتها، هذا في حال وافق بايدن على استئنافها بسرعة؟ وتابع متسائلاً عن الضمانة للتسليم بشروط خصوم الحريري للاستغناء عنه في تشكيل الحكومة. وأشار إلى أن «حزب الله» يتناغم مع عون وباسيل في ترحيل تشكيل الحكومة، إلا أنه قد لا يكمل المشوار السياسي معهما في حال استحصلت طهران على بعض ما تريده من المفاوضات مع بايدن.
معيداً بالذاكرة إلى قرار الحزب بالإفراج عن تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، بعد تعطيل استمر عشرة أشهر وعشرة أيام، الذي جاء فور التوقيع على الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن إبان تولي أوباما الرئاسة الأميركية.
لذلك، فإن المصدر يعتبر أن ما يخطط له عون - باسيل سيرتب على الأول إقحام «عهده القوي» في أزمة حكم من شأنها أن تدفع بالمجتمع الدولي إلى التدخل، وربما بموازاة التدخل الفرنسي في حال أصر الرئيس إيمانويل ماكرون على تعويم مبادرته وعدم تجميدها.
أما بالنسبة إلى وصف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في مقابلته الأخيرة، لعلاقته بالحريري، بأنها إيجابية، وأن تعاونهما مستمر، وأن انعدام الثقة بين عون والحريري يعيق تشكيل الحكومة، فإن خصومه يسألونه كيف يوفق بين موقفه من الحريري وبين حملته المستمرة على عدد من دول الخليج العربي؟ وهل يمكن لحكومة الحريري في حال تشكلت، وإن كانت مستحيلة حتى الساعة، أن تتوجه طلباً للمساعدات، فيما يرفع نصر الله عنها الغطاء العربي؟



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.