العراق: استبشار بوزير ثقافة خارج المحاصصة... ومثقفون مختطفون

جانب من معرض العراق الدولي للكتاب الذي نظمته مؤسسة المدى
جانب من معرض العراق الدولي للكتاب الذي نظمته مؤسسة المدى
TT

العراق: استبشار بوزير ثقافة خارج المحاصصة... ومثقفون مختطفون

جانب من معرض العراق الدولي للكتاب الذي نظمته مؤسسة المدى
جانب من معرض العراق الدولي للكتاب الذي نظمته مؤسسة المدى

لم يكن المشهد الثقافي في العراق خلال عام 2020 مختلفاً عن باقي الدول العربية والعالمية أيضاً. فمنذ نهاية شهر فبراير (شباط) من العام نفسه، دخل البلد حالة الإنذار القصوى من تفشي جائحة كورونا، مما حجب كثيراً من الفعاليات الثقافية الأدبية والفنية، خاصة تلك التي تقتضي الاختلاط والتجمهر فيها.
إلا أن ذلك لم يمنع المؤسسات الثقافية من أن تقيم نشاطات لا تتعارض مع إجراءات الدولة في الحد من الوباء، أو أن يقام بعض آخر من هذه النشاطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد استمر اتحاد الأدباء وبعض المؤسسات الثقافية الأخرى في إقامة الأماسي الثقافية، عبر دائرة «الفيديو كونفرانس» أسبوعياً، التي كانت تلاقي الإقبال والمتابعة من قبل الجمهور.
ولعل أبرز حدث ثقافي شهدة العراق خلال عام 2020، بعد إعلان تشكيل الحكومة البديلة للحكومة السابقة التي أسقطها الحراك الجماهيري في العراق الذي بدأ في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وكان إسقاط الحكومة أبرز مطالبه، هو اختيار وزير ثقافة جديد استبشر العراقيون فيه الخير للحركة الثقافية في العراق، إنه د. حسن ناظم الذي عمل في السلك الأكاديمي منذ عام 1996، وعمل قبل استيزاره باحثاً زائراً في جامعة جورج تاون، ومديراً لكرسي اليونيسكو في جامعة الكوفة. وكان قد أصدر عدداً من المؤلفات في اللغة والأدب، إضافة إلى ترجمته لكثير من الكتب. وهو أول وزير للثقافة من الوسط الثقافي، ومن خارج المحاصصة الطائفية والحزبية. وقد قال الوزير الجديد في أول لقاء له أجرته معه جريدة «الشرق الأوسط» إن من أولى المهمات التي تواجهه إصلاح الجهاز الإداري المهترئ، حسب وصفه، ومعالجة الفساد المستشري في كل مفاصل الوزارة، وأشار إلى أن هناك رغبة في دول الجوار، وبالأخص دول الخليج العربي، في دعم وتمويل بناء أو ترميم بعض المعالم التاريخية العراقية.

جوائز للإبداع
وكانت جائزة الإبداع العراقي التي انطلقت قبل سنوات قليلة قد أعلنت عن فوز مصطفى ناصر في مجال الترجمة، وصالح هادي علي في مجال النحت، ود. عقيل مهدي في مجال النص المسرحي، وأجود مجبل في مجال الشعر، وحميد الربيعي في مجال القصة، وصادق الصكر في مجال النقد...كما فاز بجائزة راشد بن حمد الأديبان ميثم هاشم بالمركز الأول عن روايته «صانع الأكواز»، ومحمد حسن بالمركز الثالث عن قصيدته «جمرة في فم حواء».
وحقق عدد من الأدباء العراقيين فوزاً في المسابقات الأدبية العربية، فقد وصلت الروائية العراقية عالية ممدوح إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عن روايتها «التانكي» التي تتناول علاقة الإنسان بالمكان المسلوب، كما فاز ناظم مزهر من العراق عن روايته «أجنحة النار» بجائزة كتارا عن فئة رواية الفتيان.
وفي جائزة الشيخ زايد للكتاب، فاز صموئيل شمعون بالجائزة في فرع النشر والتقنيات الثقافية عن مجلة «بانيبال» الأدبية المستقلة التي تحمل هذا الاسم تيمناً باسم آخر ملوك الإمبراطورية الآشورية، آشور بانيبال. كما فاز الباحث العراقي حيدر قاسم مطر في فرع المؤلِف الشاب عن كتاب «علم الكلام الإسلامي في دراسات المستشرقين الألمان - يوسف فان إس أنموذجاً» الذي هو عبارة عن دراسة موسعة عميقة دقيقة عن علم الكلام، وتعريفه ونشأته وأعلامه وقضاياه الأساسية، كما أنه دراسة عن الاستشراق الغربي، وتتبع لجهود المستشرقين، مع التركيز على الألمان منهم.
وكان آخر حدث ثقافي عراقي خلال عام 2020 هو إقامة معرض العراق الدولي للكتاب الذي أقامته مؤسسة المدى للأعلام والثقافة والفنون، بعد تأجيله العام الماضي بسبب المظاهرات الاحتجاجية التي عمت بغداد والمحافظات العراقية، ثم بروز وباء «كورونا». وحملت الدورة الجديدة اسم الشاعر مظفر النواب، واستمر المعرض عشرة أيام، ولاقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً عده بعضهم الأكبر في تاريخ معارض الكتب في العراق، نظراً لحجم المشاركة المحلية والعربية فيه، إذ شاركت أكثر من 300 دار نشر محلية وعربية، بأكثر من مليون عنوان.
وصاحبت أيام المعرض نشاطات متميزة بشكل يومي، تضمنت جلسات وندوات بعناوين تستلهم تفاصيل الحراك الفكري والثقافي، ساهمت فيها أسماء بارزة في المشهد الثقافي في العراق والعالم العربي عبر منصة «سكايب»، إضافة إلى حوارات مع أبرز المسؤولين في الدولة العراقية عن أبرز المستجدات في الساحة العربية والعراقية.
وشهد هذا العام ظاهرة اختطاف عدد من المثقفين العراقيين الذين كان لهم دور في الحراك الشعبي، ومن هؤلاء الصحافي الكاتب توفيق التميمي، والناشر الكاتب مازن لطيف، من مكان عملهما... مما دفع كثيراً من المثقفين للخروج احتجاجاً على اختطافهم، والمطالبة بإطلاق سراحهم، وكشف هوية المختطفِين. ودعوا الحكومة العراقية لبذل جهود مضاعفة في العمل على إطلاق سراحهم، والحفاظ على بقية الأدباء والمثقفين في البلد، ووقف عبث الميليشيات بأرواح المواطنين ورغبتهم في العيش بسلام وأمان.
وشهد هذا العام رحيل عدد من المبدعين العراقيين، منهم الفنان التشكيلي المقيم في باريس صلاح جياد الذي ولد في البصرة عام 1947، ودرس في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، وتخرج عام 1971. وهو الذي أسهم في تأسيس جماعة الأكاديميين التي تكونت من الفنانين كاظم حيدر وفيصل لعيبي ونعمان هادي ووليد شيت، والتحق في باريس بمدرسة الفنون الجميلة (بوزار)، وأنهى دراسة الدكتوراه في تاريخ الفن، وأقام معارض كثيرة في فرنسا وخارجها، وحاز على عدة جوائز ذهبية. وكان آخر معرض له قد أقيم في بغداد برعاية مؤسسة المدى قبل أشهر من وفاته.
وشهد هذا العام كذلك رحيل الفنان الرائد سامي عبد الحميد عن 92 عاماً، وهو أحد أعلام المسرح في العراق والوطن العربي، وهو كاتب ممثل مخرج من مواليد عام 1928، حاصل على ليسانس الحقوق، ودبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن، وماجستير في العلوم المسرحية من جامعة أورغون الولايات المتحدة، كما رأس اتحاد المسرحيين العرب، وعمل أستاذاً للعلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد.
ومن الشخصيات الثقافية الراحلة هذا العام الكاتب عادل كاظم عن عمر ناهز 81. ومن أشهر أعماله المسرحية: «الطوفان» و«المتنبي» و«تموز يقرع الناقوس» و«نديمكم هذا المساء» و«المومياء» و«مقامات أبي الورد» و«دائرة الفحم البغدادية». كما قدم للتلفزيون مسلسلات: «النسر» و«الذئب» و«عيون المدينة» و«بنت المعيدي». وكرم من مهرجانات مسرحية كثيرة، آخرها مهرجان المسرح العربي في دورته السادسة بالشارقة عام 2014.
وشهد عام 2020 أيضاً رحيل عدد آخر من المبدعين العراقيين، منهم: الناقد الموسيقي يحيى إدريس، والروائيان محمد علوان جبر وحميد الربيعي، والرائد المسرحي قاسم صبحي.



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».