وفد عراقي في طهران... و«ضبط الميليشيات» يتصدر مهمته

أنباء عن نقل صواريخ لقصف «المنطقة الخضراء» خلال ليلة رأس السنة

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي
TT

وفد عراقي في طهران... و«ضبط الميليشيات» يتصدر مهمته

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي

أعلنت إيران، أمس، عن وصول وفد عراقي رفيع المستوى إلى طهران يحمل رسالة من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للقيادة الإيرانية.
وفيما لم يعلن مكتب الكاظمي رسمياً عن إرساله مبعوثاً خاصاً يحمل صفة مستشار إلى إيران، فقد تردد أن الوفد يرأسه «أبو جهاد الهاشمي» الذي كان شغل منصب مدير مكتب رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، ويعتقد أن مهمته تتلخص في الطلب من طهران ضبط الميليشيات الموالية لها والتي صعدت في الأيام الأخيرة من تهديداتها للحكومة العراقية ورئيسها الكاظمي وكذلك للولايات المتحدة الأميركية.
وتأتي زيارة الوفد العراقي إلى طهران وسط توتر متزايد في العراق مع اقتراب ذكرى اغتيال قائد «فيلق القدس» الإيراني السابق قاسم سليماني ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» العراقي أبو مهدي المهندس، في ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد في 3 يناير (كانون الثاني) الماضي.
وكان الكاظمي خاض قبل يومين مواجهة مع «عصائب أهل الحق» التي يتزعمها قيس الخزعلي؛ وهي من الفصائل المسلحة القريبة من طهران. تلك المواجهة كانت الثانية من نوعها بعد المواجهة الأولى مع «كتائب حزب الله» الموالية لإيران في شهر يونيو (حزيران) الماضي، والتي تراجع خلالها الكاظمي عن قرار مواجهة الجماعات المسلحة، فيما بدا مستعداً لمواجهة «العصائب» بما في ذلك رفض إطلاق سراح المعتقل المشتبه بتورطه في قصف «المنطقة الخضراء».
بدوره، دحض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، خطيب زاده، أمس «تفسيرات» تدوولت بشأن زيارة الوفد العراقي إلى طهران، موضحاً أن «الزيارة كانت بدعوة إيرانية، وتشمل مشاورات بين مسؤولي البلدين حول مختلف الموضوعات في مجال العلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية، وتناقش آخر التطورات».
وبشأن الهجوم الذي طال المنطقة الخضراء الأحد الماضي، واتهامات أميركا لإيران، نقلت وكالة «إيسنا» عن خطيب زاده قوله إن بلاده تعدّ الهجوم على المقار الدبلوماسية والسكنية «أمراً مرفوضاً»، مشيراً إلى تعرض المقار الدبلوماسية الإيرانية لهجمات في العراق؛ في إشارة إلى قنصليتيها في البصرة والنجف اللتين أحرقهما محتجون إبان الحراك الاحتجاجي الذي بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) 2018.
وحول الإدانات الأميركية لسياسات إيران المزعزعة للاستقرار الإقليمي، قال خطيب زاده إن مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو «مرفوضة ومدانة»، محذراً من أن «مسؤولية أي تحرك استفزازي تقع على عاتق الولايات المتحدة».
وتعليقاً على سؤال حول ما إذا كانت إيران تتوقع أن يقدم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته على عمل عسكري ضد طهران في أيامه الأخيرة، رفض خطيب زاده، «التكهن»، مشدداً على أن بلاده «مستعدة للسيناريوهات كافة»، وأضاف: «نفكر في كل السيناريوهات، ولدينا رد لكل سيناريو».
وأعرب محللون إيرانيون عن مخاوفهم من «جر» إيران إلى صراع مع الولايات المتحدة، بسبب «مزايدات» بين الفصائل العراقية الموالية لطهران، فيما يخص الثأر لمقتل قاسم سليماني. لكن اللافت أن طهران هي التي تؤجج هذه «المزايدات» وتفاقم التوتر في العراق عبر تهديداتها بـ«حتمية» الرد على مقتل سليماني، ومواقف كبار مسؤوليها بشأن الوجود العسكري الأميركي في العراق. كما تمارس الحكومة الإيرانية ضغوطاً على العراق لاتخاذ خطوات قانونية على الصعيد الدولي ضد الولايات المتحدة بسبب الضربة الأميركية التي قتلت سليماني على الأراضي العراقية.
إلى ذلك، وبشأن زيارة الوفد العراقي إلى طهران، أكد الدكتور ياسين البكري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، لـ«الشرق الأوسط» أن «الزيارة تتعلق بالمجمل بضبط الميليشيات وإخضاعها نسبياً لسلطة الدولة، ودون ذلك؛ فإن المواجهة آتية، وبقسوة على ما يبدو». وحول توقيت الزيارة، يقول البكري إن «إيران اليوم، ومثلما يعرف الجميع، في أضعف حالاتها، وهي تتوقع ربما عقاباً عسكرياً من الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب، وهو ما لا تريده». وبشأن الرسالة التي يمكن أن يحملها الوفد العراقي، يقول البكري إن «الرسالة هي أن العراق يريد أن يتفاوض من موقع السيادة، مما يسهل له اتخاذ إجراءات ضد بعض الشخصيات الميليشياوية».
إلى ذلك، وفي وقت تسعى فيه طهران إلى التهدئة عبر ضبط إيقاع الفصائل الموالية لها عبر ما عرفت بـ«هدنة الصواريخ»، فإن أحد أرتال الدعم اللوجيستي للتحالف الدولي تعرض أمس الاثنين لانفجار عبوة ناسفة جنوب العراق لكنه لم يسفر عن خسائر.
على صعيد متصل، وطبقاً لمصدر أمني عراقي، فإنه رُصدت عملية نقل صواريخ إلى إحدى مناطق شرق العاصمة، تمهيداً لقصف «المنطقة الخضراء» في احتفالات رأس السنة. وقال المصدر في تصريح صحافي إنه «رُصدت معلومات عن قيام مجموعة مسلحة بعملية نقل صواريخ من نوع (غراد) إلى منطقة حي المعامل شرق العاصمة، بغية استهداف (المنطقة الخضراء) في ليلة رأس السنة». وأضاف المصدر أنه «أُصدرت توجيهات أمنية لمراقبة وتفتيش المناطق التي يحتمل وصول الصواريخ إليها، كما وجهت بمتابعة أي تحركات مريبة والتشديد على مراقبة عجلات الحمل والدراجات».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».