بغداد: التحقيق بمقتل سليماني والمهندس بلغ مراحل متقدمة

صورتا قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على واجهة بناية في البصرة أمس (أ.ف.ب)
صورتا قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على واجهة بناية في البصرة أمس (أ.ف.ب)
TT

بغداد: التحقيق بمقتل سليماني والمهندس بلغ مراحل متقدمة

صورتا قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على واجهة بناية في البصرة أمس (أ.ف.ب)
صورتا قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على واجهة بناية في البصرة أمس (أ.ف.ب)

أعلن مجلس القضاء الأعلى العراقي، أمس، أن التحقيقات الجارية في مقتل قائد «فيلق القدس» الإيراني السابق قاسم سليماني ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس ورفاقهما مطلع العام الحالي قرب مطار بغداد، بلغت مراحل متقدمة.
وقال المشرف على «المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى»، القاضي حيدر علي نوري: «محكمة التحقيق المختصة قطعت مراحل متقدمة في التحقيق، واستكملت جوانبه كافة؛ إذ تم جمع الأدلة من خلال تدوين أقوال المدعين بالحق الشخصي والاستماع إلى شهادات شهود الحادث من موظفي مطار بغداد الدولي ومنتسبي الأجهزة الأمنية فيه». وأشار إلى أنه «جرى تدوين أقوال المسؤولين في مطار بغداد الدولي وبعض منتسبي شركة (G4S) الموجودين في موقع الحادث بتاريخ حدوثه، وكذلك أقوال الممثل القانوني لوزارة الخارجية العراقية، والممثل القانوني لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بغداد الذي طلب الشكوى بحق كل من يثبت ارتكابه للجريمة أو تورطه فيها} نيابة عن ذوي القتلى.
وذكر المتحدث أنه جرى الاطلاع على مقاطع الفيديو «التي تتضمن بيانات رسمية لرئيس الولايات المتحدة الأميركية المنتهية ولايته دونالد ترمب، التي تبين أنه أصدر الأمر} بتنفيذ عملية قتل سليماني. وأشار إلى أن «الأيام المقبلة ستشهد صدور قرارات قضائية مناسبة بحق المتهمين والمتورطين بحادثة الاغتيال حالما يتم اكتمال إجراءات التحقيق استناداً لما أوضحه قاضي التحقيق المختص في محكمة التحقيق المركزية التي تتولى التحقيق في هذه القضية».
ولا تُعرف طبيعة الأحكام أو قوتها في التنفيذ التي سيصدرها القضاء العراقي ضد الجهة المتورطة في حادث القتل، وهي هنا الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها دونالد ترمب الذي أعلن مسؤوليته عن حادث القتل؛ بل وعدّه أحد أهم إنجازاته الخارجية على المستوى الأمني خلال حملته الانتخابية الأخيرة التي خسرها أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن.
ويستبعد مصدر قضائي قدرة القضاء العراقي على ملاحقة الرئيس ترمب، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بما أن حادث القتل وقع داخل الأراضي العراقية ومع وجود جثث للقتلى؛ فإن القضاء العراقي ملزم بفتح تحقيق في الحادث، لكني أستبعد قدرته على ملاحقة دونالد ترمب. أظن أن المحاكمة شكلية وهدفها ترضية سياسية لا أكثر، وستكون متناغمة مع رغبة الأطراف المتضررة، وهي (هيئة الحشد) وطهران». ويضيف: «الحقيقة أن الأحكام التي قد تصدر عن القضاء العراقي وربما أي قضاء في العالم ضد الرئيس الأميركي لا معنى لها، وكذلك الأحكام التي تصدر ضد الجيش الأميركي المحمي من المساءلة بحصانة قانونية... نعم في حال أثبت القضاء وجود متورطين من العراقيين في حادث القتل، فيمكنه في هذه الحالة إصدار أحكام ضدهم، وأستبعد ثبوت ذلك».
من جهة أخرى، انتشرت يوم أمس، وثيقة إلقاء قبض وفق «المادة 4 إرهاب» بحق القيادي في «كتائب حزب الله» حسين مؤنس الملقب «أبو علي العسكري» الذي هاجم وهدد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على خلفية اعتقال عناصر متورطة بقصف المنطقة الخضراء والسفارة الأميركية الأسبوع الماضي.
وفي حين لم يصدر عن مجلس القضاء الأعلى نفي أو إثبات لصدور الوثيقة عنه، نفت المنصات الإعلامية القريبة والتابعة للفصائل الحليفة لإيران صدور الوثيقة ضد العسكري، وهو شخصية غامضة ويتبنى مواقف متطرفة ضد الولايات المتحدة والحكومة العراقية ويدين بالولاء لـ«ولاية الفقيه» الإيرانية.
وكان خبير الجماعات المسلحة هشام الهاشمي قال قبل اغتياله على يد جماعات مسلحة ببغداد في يوليو (تموز) الماضي، إن «(العسكري) واسمه الحقيقي (حسين مؤنس) عضو في مجلس شورى (كتائب حزب الله) ويعمل مستشاراً أمنياً».
إلى ذلك؛ انتقد المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة «عصائب أهل الحق»، محمود الربيعي، تهديدات «العسكري» لرئيس الوزراء، وقال في تصريحات لقناة «العراقية» الرسمية: «أبو علي العسكري لا يعرفه أحد منّا، وهو تأثر بمواقع التواصل الاجتماعي، وردود الفعل التي حصلت». وأضاف أن «(العصائب) ترى أن تغريدة (العسكري) تزيد الأوضاع توتراً».
من جهة أخرى؛ وفي إطار عملياتها المتواصلة ضد أرتال الإمدادات اللوجيستية لقوات التحالف الدولي، استهدفت الجماعات المسلحة الموالية لإيران، أمس، رتلاً في محافظة الديوانية جنوب البلاد، في حادث هو الثاني من نوعه في غضون 24 ساعة، مما يعزز قناعة المراقبين المحليين بعدم توقف أعمال هذه الجماعات مهما أصدرت من بيانات تهدئة وشجب ضد الهجمات.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.