السعودية ورئاسة «العشرين»... من منظور التعافي إلى مستقبل مزدهر

قادة {مجموعة العشرين» في صورة افتراضية في 20 نوفمبر
قادة {مجموعة العشرين» في صورة افتراضية في 20 نوفمبر
TT

السعودية ورئاسة «العشرين»... من منظور التعافي إلى مستقبل مزدهر

قادة {مجموعة العشرين» في صورة افتراضية في 20 نوفمبر
قادة {مجموعة العشرين» في صورة افتراضية في 20 نوفمبر

استثنائية كانت رئاسة السعودية لمجموعة العشرين منذ انطلاقها، إذ لم تكن قمة مجموعة العشرين التي عُقدت افتراضياً في الرياض بتاريخ 21 - 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حدثاً عابراً، بل كانت تحدياً كبيراً ومسؤولية عظيمة تولت فيها المملكة العربية السعودية مهام أصعب رئاسة للمجموعة، والتي شهدت خلالها انتشار جائحة كورونا وآثارها الكبيرة على العالم في مختلف مناحي الحياة، الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
ليس من المبالغة القول إنه كان عاماً حاسماً قادت فيه السعودية مجموعة العشرين لحماية البشرية وكوكب الأرض عبر التصدي لتداعيات فيروس كورونا المستجد، لتخوض فيه المجموعة اجتماعات ولقاءات استثنائية لإيجاد حلول فعالة على كافة المستويات الصحية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.
ورغم الظروف الصعبة، لم تتأثر ولم تتخلَ الرئاسة السعودية لـمجموعة العشرين عن أجندتها الأساسية. حيث وضعت رئاسة المملكة تمكين الإنسان والحفاظ على كوكب الأرض وتشكيل آفاق جديدة كثلاثة محاور رئيسية توجه عمل مجموعة العشرين خلال العام قبل تفشي جائحة «كوفيد - 19»، وظلت هذه المحاور ركائز مهمة للوصول إلى حلول للحد من آثار الجائحة على العالم. ففي تمكين الإنسان، التزمت الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين بضمان تعافٍ شاملٍ من آثار وتبعات الجائحة ومعالجة اللامساواة في تلقي أدوات التشخيص واللقاحات والعلاجات، كما هدفت إلى تهيئة الظروف الملائمة التي تمكن الإنسان من العيش والعمل والازدهار، فيما شملت الإجراءات الفورية للمجموعة حماية الأرواح والوظائف من تبعات الجائحة. وفيما يتعلق بالحفاظ على كوكب الأرض، عملت الرئاسة على التقريب بين مواقف أعضاء مجموعة العشرين للعمل على سياسات وحلول من أجل مستقبل أفضل وأكثر استدامة، ويشمل ذلك أهمية الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية والتصدي لتغيرات المناخ. أما فيما يتعلق بتشكيل آفاق جديدة، عملت الرئاسة على تسريع التعافي من خلال تسخير إمكانيات التقنيات الرقمية ووضع الأطر الضرورية لتعزيز تكافؤ الفرص وضمان الاتصال الإلكتروني للجميع، وبالذات في الخدمات الصحية والتعليم والتجارة.
وجاءت استجابة الرئاسة لتفشي جائحة (كورونا) سريعة وفاعلة، حيث دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - لعقد قمة استثنائية لقادة دول مجموعة العشرين في شهر مارس (آذار) الماضي، ولأول مرة في تاريخ مجموعة العشرين، بهدف التباحث حول الظروف المتعلقة بالجائحة وسبل التصدي لها. وضربت المملكة مثالاً مميزاً للعالم أجمع لكيفية إدارة الحدث واستمرار الاجتماعات والمناقشات الدولية في ظل هذه الأزمة العالمية. واستجاب كافة القادة لهذه الدعوة المهمة وشاركوا بفعالية وحزم وأقروا عدداً من السياسات والمبادرات التي حدت من الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية للجائحة في كافة الدول.
وفي الشهر الماضي، اختتمت مجموعة العشرين أعمالها لعام 2020 بقمة الرياض وسط نجاح ملموس رغم الظروف الاستثنائية، واختتمت القمة بالتوافق على بيان ختامي شمل إطلاق مبادرات عالمية كبرى وتبني سياسات هامّة هدفت إلى التصدي للجائحة وحماية الأرواح وسبل العيش وبناء مستقبل أكثر متانة واستدامة وشمولية. وقد تلقت المملكة ردود فعل إيجابية من قبل قادة العالم والمنظمات الدولية، وترحيباً بمضامين البيان الختامي، وسط جهود ضخمة بذلتها رئاسة السعودية بالتعاون مع الدول الأعضاء.
وبالنظر إلى إنجازات المجموعة هذا العام، فقد عملت رئاسة المملكة على إعادة موائمة برنامج عمل مجموعة العشرين لمواجهة الجائحة، والتزم قادة المجموعة في القمّة الاستثنائية باتخاذ كل ما يلزم لتجاوز الجائحة وحماية الأرواح والوظائف والفئات الأشد عرضة للخطر، حيث ضخت دول المجموعة مجتمعة ما يزيد عن 11 تريليون دولار أميركي في الاقتصاد العالمي، وتعهدت في بداية الأزمة بأكثر من 21 مليار دولار لدعم الجهود الدولية لتطوير الأدوات التشخيصية واللقاحات والعلاجات الفعالة، وقد ساهمت المملكة فيها بمبلغ 500 مليون دولار أميركي إيماناً منها بأهمية دعم الجهود الدولية للتصدي الفوري للجائحة.
وركزت رئاسة المملكة لمجموعة العشرين على استعادة النمو، حيث قادت الجهود المشتركة لوضع السياسات والمبادرات لتحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل، ولا يمكن الوصول لذلك إلا من خلال معالجة أوجه عدم المساواة ودعم الفئات الأكثر ضعفاً وعرضة للخطر، وتطوير الفرص للجميع وتمكين الوصول إلى الخدمات الأساسية من أجل التنمية. كما تعهد قادة مجموعة العشرين ببذل كل الجهود لضمان وصول لقاحات فيروس كورونا المستجد إلى الجميع بطريقة عادلة، وتلبية الاحتياجات التمويلية المتبقية بشأن هذه اللقاحات. فلن يسلم أحد، إلا إذا سلم الجميع.
وفي جهود إنسانية واقتصادية دولية، تم إطلاق مبادرة تأجيل الديون التي من شأنها أن تسمح لـ73 دولة مؤهلة بإعادة تخصيص 14 مليار دولار لتخفيف أعباء الديون على البلدان الأقل دخلاً والأكثر عرضة للخطر، بجانب الالتزام بضمان تدفق الإمدادات الطبية الأساسية والمنتجات الزراعية الهامة عبر الحدود، رغم إجراءات الإقفال الاحترازية.
ومع تواصل آثار جائحة كورونا، أثبتت رئاسة المملكة لمجموعة العشرين قدرتها على إنجاح أعمال المجموعة خلال هذه الأزمة وذلك بعقد أكثر من 224 اجتماعاً ومؤتمراً دولياً كان بينها 89 اجتماعاً لمجموعات العمل وكبار المسؤولين و15 اجتماعاً وزارياً بما يتضمن 7 اجتماعات شرباً و13 اجتماعاً وزارياً استثنائياً، و16 اجتماعاً رئيسياً لمجموعات التواصل بما يتضمن عقد 8 قمم لمجموعات التواصل و43 فعالية مصاحبة على هامش اجتماعات المجموعة و31 مؤتمراً وفعالية دولية على هامش سنة الرئاسة بما في ذلك قمتي القادة.
لن ينسى العالم رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين والتي حملت هدفاً طموحاً وهو «اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع» من خلال تمكين الإنسان، وحماية كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة. إذ تمخض عن قمة الرياض 2020 أكثر من 50 مُخرجاً كما تم تبني أكثر من 20 بياناً وزارياً ختامياً خلال سنة الرئاسة، في بادرة تدل على جدية البحث وعمق المعالجة والتعاون الدولي للتصدي للتحديات التي تواجه العالم.
هذا الأرقام تمثل قفزة في تاريخ رئاسات مجموعة العشرين السابقة، حيث زاد عدد الاجتماعات الرسمية مقارنة بمتوسط انعقاد الاجتماعات البالغة 85 لقاء بنحو 90 في المائة، تتضمن المشاركة الحضورية والافتراضية، كما تضاعفت مخرجات سنة الرئاسة من النتائج والتوصيات والمبادرات مقارنة بالسنوات الماضية.
وفي نظرة للمستقبل، أود الإشارة إلى ما اتفق عليه القادة بعد انتهاء القمة حيث أوردوا ما نصه «نجتمع للمرة الثانية برئاسة المملكة العربية السعودية، متحدين في إيماننا بضرورة تنسيق الإجراءات العالمية والتضامن والتعاون متعدد الأطراف في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التحديات الراهنة»، وهكذا لخص القادة نجاح الرئاسة بتوجه الدول الأعضاء نحو الخطوات العملية اللازمة لحماية الأرواح وتشكيل مستقبل أفضل لإعادة النمو وإيجاد الوظائف.
لقد دعا بيان قمة القادة الختامي إلى أكثر من مجرد العمل للتعافي من الأزمة الحالية فحسب، حيث وضع رؤية نحو «مستقبل أفضل» لما بعد هذه الجائحة من خلال وضع السياسات لضمان تعميق التواصل التقني من خلال الوصول المتكافئ إلى التقنية وتوفير فرص التواصل للجميع، والتركيز على المرأة والشباب والفئات الأكثر حاجة بهدف تأمين مستقبل مزدهر لكل فئات المجتمع.
وهدفت مجموعة العشرين خلال رئاسة المملكة إلى أهمية تحقيق حماية أفضل من الجوائح والأوبئة في المستقبل من خلال استقاء الدروس من هذه الأزمة. لذا حرصت رئاسة المملكة على مناقشة سبل إيجاد حلول طويلة الأجل لمعالجة ثغرات إجراءات التأهب للجوائح العالمية والاستجابة لها، بما في ذلك اقتراحها إطلاق مبادرة تسهم في الوصول إلى أدوات التصدي للجوائح المستقبلية - لا قدر الله -، مؤكدين التطلع إلى استكمال وتعزيز هذه المناقشات خلال رئاسة إيطاليا لمجموعة العشرين.
ومن أجل مستقبل مستدام وآمن، شددت قمة الرياض على ضرورة الحد من التدهور البيئي، والحفاظ على التنوع الحيوي، والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية وإصلاحها، والمحافظة على المحيطات، وتعزيز نظافة وتوفر الهواء والماء، والتعامل مع التغيرات المناخية الشديدة.
كما أكدت مجموعة العشرين في منظورها المستقبلي على ضرورة إصلاح النظام التجاري العالمي وإجراء تغييرات جوهرية من خلال (مبادرة الرياض بشأن مستقبل منظمة التجارة العالمية)، من أجل تفعيل النظام التجاري متعدد الأطراف والقائم على اللوائح والأنظمة لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
وسعياً منا خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين على إضفاء جزء من روح وتطلعات المملكة العربية السعودية، فقد انطلق برنامج المؤتمرات الدولية لتعزيز أولويات المجموعة الرامية لتمكين الإنسان والحفاظ على كوكب الأرض وبناء آفاق جديدة بمشاركة شريحة مجتمعية أكبر، والتركيز على محاور تحديات القرن الحادي والعشرين التي شارك فيها المجتمع المدني، والحكومات والقطاع الخاص، وقادة الفكر، والمجتمع العلمي والأكاديمي، ووسائل الإعلام، والجمهور العام.
ولتعزيز رؤية «المستقبل الأفضل»، نجحت المملكة في إبراز دورها القيادي عبر دعوة ممثلي دول مجموعة العشرين للحضور والمشاركة في مؤتمرات دولية خلال عام رئاستها، حيث نالت استحسان المشاركين وتأييدهم لاستمرار عقد هذه المؤتمرات دورياً على هامش القمم القادمة، وإمكانية تطويرها لفعاليات جانبية رسمية في الرئاسات القادمة للمجموعة، وبهذا تركت المملكة من خلال إطلاق هذه المبادرات بصمة راسخة يقتدى بها في الرئاسات القادمة لمجموعة العشرين.
لقد بلغنا في هذه المبادرات قضايا الفضاء من خلال عقد الملتقى العالمي لاقتصاد الفضاء لدول مجموعة العشرين، وعززنا دور الفكر باجتماع وزاري لوزراء الثقافة، كما دعمنا الحقوق الفكرية بالمنتدى العالمي لتحديات الملكية الفكرية، وأقمنا اجتماع اللجان الأولمبية الوطنية لدول المجموعة، وعقدنا قمة الرياض العالمية للمواصفات والمقاييس، كما دعمنا الموهبة من خلال إطلاق المؤتمر العالمي الأول للموهبة والإبداع، وهذه نماذج المبادرات الجادة التي سعت إليها المملكة في عام رئاستها، رغم الظروف الصعبة.
نحن في المملكة نفخر بكوننا الدولة العربية الوحيدة التي تستضيف مجموعة العشرين وأكثر من ذلك كوننا الرئاسة التي ستدوم ذكراها في تاريخ قمم العشرين باتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من تأثير جائحة كورونا وحماية الإنسان والمساهمة في تسخير إمكانيات الابتكار لتشكيل آفاق جديدة لكافة شعوب العالم.
ها هي «قمة الرياض 2020» لقادة العشرين تسطر للمملكة سجلاً تاريخياً فريداً بصفتها دولة الرئاسة، عبر أربعة مسارات من النجاح حيث كان أولها أن أثبتت المملكة «الدور الريادي» لها على مستوى العالم بقيادتها للجهود الدولية من خلال إدارة ملف أجندة حساسة لتمكين الإنسان ووضع صحته كأولوية خلال تداعيات الجائحة الخطيرة.
وثانياً، سجلت رئاسة المملكة حضوراً بارزاً في توحيد صفوف الجهود الدولية رغم تباين المواقف بين بعض الدول، كما أكده البيان الختامي القوي المتفق عليه من جميع القادة، مما يعزز الالتزام الحازم لكافة المبادرات والتعهدات المختلفة والعزم على تجاوز الأزمة الصحية والاقتصادية وأن تعيد الأمل والطمأنينة لشعوب العالم.
أما ثالث المسارات المحققة في ظل رئاسة السعودية هو «رسالة اليقين» من الدول الأعضاء بأهمية التكاتف والتعاون الدولي والعمل بروح الفريق الواحد لتنسيق الاستجابة الموحدة ليس على مستوى الجائحة الذي تحقق بالفعل فحسب، وإنما كسياسة ينتظر أن تستمر خلال القمم المقبلة، لا سيما أن العالم بات أكثر ترابطاً دون الإخلال بمبدأ احترام وجهات النظر والظروف والتقاليد المختلفة لدول مجموعة العشرين.وفي رابع المسارات، ترجمت رئاسة المملكة الأقوال إلى أفعال على أرض الواقع، والمبادرات إلى برامج، واستطاعت تحويل التزامات وتعهدات قادة دول مجموعة العشرين إلى أعمال ملموسة وفعاله لمواجهة ما تعرض له الاقتصاد العالمي من ظرف صعب فرضته الجائحة.
نعم، بعد مرور عام كامل استثنائي وصعب، قادت المملكة مجموعة العشرين نحو وضع الأطر الرئيسية وتحديد منهجية التعافي من الجائحة، بل وأشعلت أنواراً لمستقبل أفضل في شتى المجالات الصحية والاقتصادية والاجتماعية. حيث وضعت صحة الإنسان وحمايته فوق كل اعتبار وصولاً إلى استدامة النمو ورخاء الشعوب. شكراً لقادتنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وكافة الوزراء والمسؤولين وشباب وشابات الوطن والعاملين في الأمانة السعودية لمجموعة العشرين ومكتب الشربا السعودي لمجموعة العشرين والشعب السعودي الذي تفاعل بإيجابية كبيرة ووطنية مشهودة على ما قدموه من دعم وتشجيع للوصول إلى هذا النتائج المبهرة وسط عامٍ مليءٍ بالتحديات الكبيرة.
- «الشربا» السعودي لمجموعة العشرين



«كفاءات الحكومات» تعبر باقتصادات الخليج لمرفأ الأمان

دول الخليج تنجح في المحافظة على اقتصاداتها بكفاءات في إدارة أزمة {كورونا} (أ.ب)
دول الخليج تنجح في المحافظة على اقتصاداتها بكفاءات في إدارة أزمة {كورونا} (أ.ب)
TT

«كفاءات الحكومات» تعبر باقتصادات الخليج لمرفأ الأمان

دول الخليج تنجح في المحافظة على اقتصاداتها بكفاءات في إدارة أزمة {كورونا} (أ.ب)
دول الخليج تنجح في المحافظة على اقتصاداتها بكفاءات في إدارة أزمة {كورونا} (أ.ب)

في وقت يتنفس فيه العالم الصعداء بسبب التحديات التي أفرزتها جائحة كورونا في العام الماضي، بفرض إغلاق لفترات ليست قصيرة على كثير من دول العالم ألقت بآثارها على حركة التجارة العالمية وفي مقدمتها أسعار الطاقة، أسهمت كفاءة الحكومات الخليجية أمام الجائحة في تمكين اقتصاداتها من العبور السلس إلى مرفأ الأمان والدخول إلى العام الجديد 2021 بشكل سلس، وسط تفاؤل بمستقبل أفضل مع ملامح انفراجة بزوال جائحة كورونا المستجد واستعادة النمو الاقتصادي.
وقال رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبد العزيز بن صقر لـ«الشرق الأوسط»، فيما يخص مدى صمود دول مجلس التعاون الخليجي اقتصادياً أمام هذه الجائحة: «من المؤكد أن دول الخليج من أفضل دول العالم من حيث التأثر بتداعيات الجائحة، حيث تحملت الحكومات مسؤولية تعويض القطاع الخاص عما تعرض له من خسائر، وقدمت الخدمات العلاجية لجميع مواطنيها والمقيمين على أراضيها حتى ممن ليست لديهم أوراق ثبوتية وإقامات نظامية للمقيمين غير النظاميين، كما أنها وفرت اللقاحات وتنوي تطعيم من على أراضيها وبالمجان».
وبرغم ذلك، يضيف بن صقر أن «دول الخليج كغيرها من دول العالم تأثرت سلباً بهذه الجائحة، التي فرضت إغلاقاً لفترات ليست قصيرة على كثير من دول العالم، وأثرت بشكل كبير جداً على حركة التجارة العالمية، وفي مقدمتها أسعار الطاقة». واستطرد: «هذا ما انعكس سلباً على اقتصادات دول مجلس التعاون التي تعتمد اعتماداً كبيراً على مداخيل النفط، وما زالت الأسواق والأوضاع الاقتصادية العالمية تئن تحت وطأة تبعات جائحة كورونا، كما أن المخاوف من السلالة الجديدة في الفيروس التي ظهرت مؤخراً في المملكة المتحدة زادت من وطأة التداعيات الاقتصادية السلبية»، مشيراً إلى أن تأثير هذه التداعيات سيظل مستمراً إلى أن يتم اختبار اللقاحات الجديدة وتثبت كفاءتها بشكل قاطع.
وعن رؤيته لآفاق الطاقة بعد تحسن أسعارها، قال بن صقر: «من المعروف أن أسواق الطاقة تواجه معوقات كثيرة خصوصاً في السنوات الأخيرة... هذه المعوقات لها أسباب كثيرة منها جائحة كورونا»، مضيفاً: «لكن قبل الجائحة كانت توجد عدة معضلات منها تباطؤ النمو العالمي وتراجع استهلاك النفط في الدول الصناعية المستهلكة وكذلك وفرة المعروض على الطلب، وزيادة إنتاج الدول من خارج (أوبك) مع ازدياد وجود بدائل أخرى للنفط الأحفوري، ومنها النفط الصخري والطاقة الجديدة والمتجددة».
وتابع رئيس مركز الخليج للبحوث: «اتفاق الدول المنتجة للنفط من داخل منظمة (أوبك) ومن خارجها (أوبك بلس) أدى إلى استقرار سوق النفط بعض الشيء».
وشدد على أن ذلك ما يأمله أن يستمر في الفترة المقبلة لتدعيم الأسعار، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن انتهاء أزمة جائحة كورونا سيكون له تأثير إيجابي جداً على ارتفاع أسعار النفط، خصوصاً في حالة عودة حركة التجارة والصناعة العالمية إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، ما ينتظر منه أن يدعم ارتفاع نسبة النمو العالمي وزيادة الاستهلاك.
وفيما يتعلق بفرص استعادة الاقتصادات الخليجية قوتها، يعتقد بن صقر أن هذا واقع ومنطقي مع بوادر زوال جائحة كورونا ونجاح اللقاحات وانفراج أزمات الإغلاق للمطارات والموانئ وعودة حركة التجارة العالمية إلى طبيعتها، ومن ثم تعافي أسعار النفط.
ونجحت دول مجلس التعاون مطلع العام الجاري 2021 بقيادة السعودية في عمل مصالحة خليجية خلال قمة العلا التي استضافتها المملكة قبل أيام، ووافق قبلها خادم الحرمين الشريفين على فتح الأجواء والمنافذ البرية والبحرية قبل انعقاد القمة الخليجية.
كما جرى خلال القمة توقيع «اتفاق العلا» الذي يطوي صفحة الخلاف بين الدول.
ويؤكد الدكتور سعود المشاري الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي لـ«الشرق الأوسط» مؤخراً، أن المزاج السياسي في المنطقة الذي نجم عن بيان قمة «العلا» الأخيرة، سيسرع وتيرة العمل في الفترة المقبلة لاستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، وتحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة، بما في ذلك منح مواطني دول المجلس الحرية في العمل والتنقل والاستثمار والمساواة في تلقي التعليم والرعاية الصحية، وبناء شبكة السكة الحديد الخليجية، ومنظومة الأمن الغذائي والمائي، وتشجيع المشاريع المشتركة، وتوطين الاستثمار الخليجي.