«إيلين داروز» تنضم إلى قافلة التوصيل للمنازل في ظل الجائحة

طهاة نجوم ميشلان يتحولون إلى عالم الـ«ديليفيري»

تشكيلة من أشهر الأطباق لدى «إيلين داروز»
تشكيلة من أشهر الأطباق لدى «إيلين داروز»
TT

«إيلين داروز» تنضم إلى قافلة التوصيل للمنازل في ظل الجائحة

تشكيلة من أشهر الأطباق لدى «إيلين داروز»
تشكيلة من أشهر الأطباق لدى «إيلين داروز»

في ظل الإقفال والحَجْر المنزلي الذي طال لندن مرتين ولا يزال يطال عدداً كبيراً من المدن والقطاعات الأخرى في المملكة، وبسبب الخسائر التي تكبّدتها المطاعم والفنادق وقطاع السياحة والضيافة بشكل عام، كان لا بد من ابتكار أفكار غير مسبوقة لكي يستطيع الطهاة المحافظة على مواقعهم في عالم الطهي، والحفاظ على وظائف الآلاف في هذا القطاع في ظل جائحة {كورونا}.
فتوجهت المطاعم الراقية في لندن وتحديداً تلك الحاصلة على نجوم ميشلان لتأمين تجربة الطعام في المنازل، فقام الطهاة بتوصيل الأطباق المنمقة إلى البيوت في الوقت الذي كانت فيه المطاعم مقفلة، واليوم في ظل الظروف الراهنة التي تسمح للمطاعم في لندن بفتح أبوابها لغاية العاشرة مساءً ومع الكثير من التعقيدات، يفضّل الكثير من الذواقة تفادي التعقيدات الناتجة عن القوانين الخاصة بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة وتسجيل الدخول الإلكتروني مع الجهات الطبية في لندن... يفضّلون طلب المأكولات المفضلة لديهم وأكلها في منازلهم، وبدأت عدة مطاعم بهذه الفكرة مثل «بيناريس» في باركلي سكوير، ومطعمي «نوفيكوف» الآسيوي والإيطالي في باركلي ستريت، واليوم انضمت الطاهية الفرنسية الحاصلة على نجمتي ميشلان إيلين داروز، إلى قافلة الطهاة الذين يعتمدون على التوصيل إلى المنازل.
فمنذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي بدأت داروز التي تملك مطعماً يحمل اسمها في منطقة مايفير، بتحضير الأطباق بنفس المواصفات وطريقة التقديم في المطعم لكي تصل إلى زبائنها وتناولها في راحة وسلامة تامة في بيوتهم، وأطلقت على هذه الخدمة اسم «إيلين داروز ألاميزون - A la maison» وتعني «في المنزل». وتتألف طلبية المأكولات التي تكفي لشخصين من 5 أطباق تحمل توقيع الطاهية، وتعد من أهم وأشهر الأطباق على لائحة الطعام في المطعم، وتتضمن الأطباق «الفوا غرا» Foie Gras وVol au Vent وA la Francaise، بالإضافة إلى طبق سرطان البحر والمحار الصدفي والكافيار وحلوى الشوكولاته الذائبة. وتقدَّم هذه الأطباق بطريقة جميلة تماماً كأنك تتناولها في المطعم وتوضع في علبة أنيقة على شكل زهرة اللوتس تساعد على المحافظة على شكل وحرارة الطعام لحين توصيله إلى المنزل.
وتقول الطاهية إيلين داروز لـ«الشرق الأوسط» إنها تحاول من خلال هذه الفكرة أن تنشر القليل من الإيجابية والفرح من مطبخها في مايفير إلى طاولات الزبائن في بيوتهم. وأضافت أنها لطالما دعمت المورّدين للمنتجات الذين تعمل إلى جانبهم من سنوات، ودائماً تقف إلى جانب فريق العمل معها الذي تعدّه العمود الفقري لعملها ونجاحها، وترى أن هذه الفكرة وفي ظل الإقفال والظروف الاستثنائية الناتجة عن فيروس «كورونا»، من الممكن إكمال المسيرة ولو بصعوبة غير مسبوقة.
من الممكن طلب المأكولات ما بين الأربعاء والسبت ما بين الساعة الثالثة والسادسة مساءً، أما بالنسبة إلى السعر فهو 180 جنيهاً إسترلينياً لشخصين، شاملاً ثمن التوصيل.



«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.