تتفق أكثر الشخصيات انتقاداً للرئيس دونالد ترمب على أنه ترك بصمة عميقة على المحاكم الفيدرالية الأميركية، سيتجاوز تأثيرها فترة ولايته الرئاسية لسنوات، وفق تقرير لوكالة «أسوشيتد برس».
استخدم ترمب، خلال حملته الانتخابية للفوز بسباق الرئاسة في عام 2016، وعد تعيين قضاة محافظين لكسب ثقة المتشككين الجمهوريين إلى صفه. وعندما أصبح رئيساً للبلاد، تعاون مع المؤسسات الفيدرالية والمنظمات المحافظة الخارجية وميتش ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ بالكونغرس لتنصيب أكثر من 230 قاضياً في المحاكم الفيدرالية، بما في ذلك أحدث ثلاثة قضاة جرى تعيينهم في المحكمة العليا. ولم يسأم ترمب أبداً من التفاخر بذلك.
وفي واقع الأمر، واصل مجلس الشيوخ في الكونغرس المصادقة على القضاة، غير عابئ بانتقادات الحزب الديمقراطي، بعد أكثر من شهر على خسارة الرئيس ترمب في محاولة إعادة الانتخاب أمام جوزيف بايدن.
يقول جوناثان أدلر، وهو بروفسور القانون في كلية الحقوق بجامعة «كيس ويسترن ريزيرف» في ولاية أوهايو: «لقد فعل دونالد ترمب بالأساس أكثر مما فعله أي رئيس آخر خلال فترة الولاية الواحدة منذ عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر، من حيث تأثيره المباشر على القضاء في البلاد»، مضيفاً أن الكونغرس قد أنشأ نحو 150 منصباً قضائياً جديداً خلال رئاسة جيمي كارتر في السابق.
من شأن هذا التأثير أن يكون مستديماً. فمن بين القضاة الذين عينهم ترمب، الذين يشغلون مناصبهم مدى الحياة، لا يزال العديد منهم في الثلاثينات من عمرهم. ومن شأن قضاة المحكمة العليا الثلاثة الجدد أن يظلوا في مناصبهم حتى منتصف القرن الحادي والعشرين، أي بعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود من الآن.
وفيما وراء المحكمة العليا، فإن 30 في المائة من القضاة الذين يعملون في محاكم الاستئناف في البلاد، حيث تنتهي إليهم غالبية القضايا، كانوا معينين من قبل الرئيس ترمب.
غير أن الأرقام لا تروي القصة برمتها. فإن المقياس الحقيقي لما تمكن الرئيس ترمب من تحقيقه هو نتيجة قرارات المحاكم خلال السنوات المقبلة بشأن قضايا الإجهاض، وحق حمل الأسلحة، والحقوق الدينية، ومجموعة واسعة من القضايا الأخرى.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالطعون القانونية المرفوعة من قبل الرئيس ترمب نفسه بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فقد رفض القضاة تأييد مزاعمه. ولكن في العديد من النواحي المهمة الأخرى، فإن نجاحاته في التعيينات القضائية المحافظة باتت تؤتي ثمارها بالفعل لدى تيار المحافظين.
عندما منعت المحكمة العليا ولاية نيويورك من فرض قيود على حضور الكنائس والمعابد في المناطق المصنفة بأنها الأكثر تضرراً جراء وباء كورونا المستجد، أدلت القاضية إيمي كوني باريت، وهي أحدث أعضاء المحكمة، بصوتها الخامس الحاسم في القضية. وفي السابق، سمحت المحكمة العليا بفرض القيود على الخدمات الدينية رغم معارضة أربعة قضاة، بما في ذلك المرشحان الآخران من قبل الرئيس ترمب، وهما نيل غورسيتش، وبريت كافانو.
إلى ذلك، كان خمسة من القضاة المعينين من قبل الرئيس ترمب ضمن أغلبية القرار الصادر بواقع (6 - 4) عن الدائرة الحادية عشرة لمحكمة استئناف في سبتمبر (أيلول) الماضي، زاد من صعوبة استعادة المجرمين في ولاية فلوريدا حقهم في التصويت.
وفي قراءة مبكرة لقرارات التعيين القضائية الصادرة من قبل الرئيس ترمب في المحاكم الفيدرالية، قارن أساتذة العلوم السياسية كينيث مانينغ وروبرت كارب وليزا هولمز قرارات هؤلاء القضاة بأكثر من 117 ألف رأي قانوني منشور، يرجع بعضها إلى عام 1932.
وخلص علماء السياسة المذكورون في دراسة مشتركة نُشرت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الجاري إلى أن «الرئيس ترمب عيّن القضاة الذين يعكسون نمطاً مميزاً في صنع القرار، وهو بشكل عام نمط يتسم بالكثير من التحفظ عما أبداه الرؤساء السابقون للبلاد».
وكان الثابت الوحيد خلال السنوات الأربع الماضية، التي شهدت أحداثاً سياسية واجتماعية نادرة مثل محاولة عزل الرئيس وانتشار جائحة وفشل رئيس حالي في إعادة انتخابه، هو ترشيحه لقضاة محافظين وتأكيد التعيين من قبل مجلس الشيوخ في الكونغرس.
كان لدى الرئيس ترمب العديد من الشركاء في هذه الجهود القضائية، ولكن لم يكن أحد منهم أكثر أهمية من السيناتور ميتش ماكونيل، الذي يفخر بصورة خاصة بإسهامه في إعادة تشكيل المحكمة العليا في الولايات المتحدة.
يقول ماكونيل، البالغ من العمر 78 عاماً، في مقابلة أجريت مؤخراً: «أعتقد أنه من أبعد الأمور ذات التبعات اللاحقة الذي شاركت فيه بنفسي على الإطلاق. وهو بكل تأكيد من أطول الإنجازات أمداً بالنسبة للإدارة الأميركية الراهنة، وإلى حد بعيد».
ربما لم يعبأ أحد بإطلاق مسمى الشراكة على تلك الجهود في حينها، ولكن العمل على تعيين قضاة محافظين قد بدأ حتى قبل انتخاب دونالد ترمب رئيسا للبلاد في عام 2016.
فقد استعان ترمب بهذه القضية لكسب ثقة الناخبين الذين كانت تساورهم الشكوك بشأن مقدار المصداقية المحافظة لدى هذ المرشح غير التقليدي الذي كان قد أيد حقوق الإجهاض في الماضي، ولم يكن لديه سجل حافل بالإنجازات السياسية من قبل.
ولقد صاغ الرئيس ترمب قائمة بالمرشحين المحتملين، تلك التي قدمتها الجمعية الفيدرالية المحافظة ومؤسسة التراث، وكان عليه أن يختار منها المرشحين المحتملين لشغل المناصب الشاغرة في المحكمة العليا الأميركية.
تقول كيليان كونواي، التي شغلت منصب مديرة حملة ترمب الانتخابية: «لم تكن لدى الأشخاص الطامحين في شغل منصب رئيس الولايات المتحدة الشجاعة الكافية للإقدام على هذه الخطوة، ألا وهي تسمية المرشحين للمحكمة العليا».
واستفاد ترمب المرشّح من شغور منصب في المحكمة العليا، سيما بعد وفاة القاضي أنتوني سكاليا في فبراير (شباط) من عام 2016، وبفضل السيناتور ميتش ماكونيل، رُفض ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند لشغل المنصب الشاغر، كما رفض عقد جلسة الاستماع لتأكيد تعيين قاضي محكمة الاستئناف الذي رشحه الأعضاء الجمهوريون من قبل كمرشح يحظى بدعمهم في المحكمة العليا.
كانت مقامرة واضحة في وقت بدت فيه الآفاق الانتخابية لدونالد ترمب قاتمة للغاية، ولكنها آتت ثمارها إثر فوزه المذهل على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ولم يكن مقعد المحكمة العليا الأميركية هو المقعد الوحيد الذي ينتظر من يشغله عندما تولى ترمب مهامه الرئاسية في يناير (كانون الثاني) من عام 2017، فلقد كان هناك 104 مناصب قضائية شاغرة بعدما استخدم الأعضاء الجمهوريون الأغلبية في مجلس الشيوخ لإيقاف عملية الترشيح القضائية خلال العامين الأخيرين من ولاية باراك أوباما في البيت الأبيض. وجرت المصادقة على ترشيح 28.6 في المائة فقط من مرشحي الرئيس الأسبق أوباما في ذلك السياق.
ولقد شهدت وتيرة الترشيح تسارعاً كبيراً بعد ذلك. فلقد تحرك الأعضاء الجمهوريون بإلحاح واضح على تأكيد الترشيحات التي لم تهدأ أو تتوانى. وخلال العامين الأولين من ولاية الرئيس ترمب، دفع الحزب الجمهوري بـ30 قاضياً إلى محكمة الاستئناف، و53 مرشحاً آخر إلى المحاكم المحلية. وكان هذا هو أكبر عدد من تأكيدات الترشيح لمحكمة الاستئناف خلال عامين اثنين فقط منذ عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان، وضعف الرقم تقريباً الذي حصل عليه الرئيس أوباما في العامين الأولين من ولايته الرئاسية.
ولقد ألغى السيناتور ميتش ماكونيل رفقة كبار الأعضاء الجمهوريين في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ في الكونغرس القواعد التي أتاحت لحزب المعارضة تأخير تأكيد التعيينات القضائية، ومن أبرزها المطالبة بالحصول على الأغلبية البسيطة بدلاً من 60 صوتاً من أجل نقل القضاة المرشحين لمناصب المحكمة العليا. ولولا ذلك، لكان الأعضاء الديمقراطيون الغاضبون من رفض ترشيح القاضي ميريك غارلاند قد رفضوا من جانبهم تأكيد ترشيح القاضي نيل غورسيتش في أبريل (نيسان) من عام 2017.
تأثير ترمب على المحاكم الفيدرالية سيستمر لسنوات
عيّن عشرات القضاة المحافظين بالتعاون مع حلفائه في مجلس الشيوخ
تأثير ترمب على المحاكم الفيدرالية سيستمر لسنوات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة