مساعي الراعي مستمرّة لإخراج الحكومة من عراقيلها

TT

مساعي الراعي مستمرّة لإخراج الحكومة من عراقيلها

في ظل جمود المشاورات الحكومية التي يبدو واضحاً أنها لن تشهد أي جديد قبل بداية العام المقبل، تتجّه الأنظار إلى الخطوة المقبلة التي سيقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي سبق أن عبّر عن استيائه لعدم تجاوب المعنيين بعد دخوله على خط تقريب وجهات النظر ودعوته للإسراع بتأليف الحكومة، متحدثاً عن شروط وشروط مضادة وربط التأليف بصراعات المنطقة.
وفيما يؤكد المسؤول الإعلامي في البطريركية المارونية، وليد غياض أن جهود الراعي لم تتوقف واتصالاته عبر ممثليه متواصلة مع المعنيين لتأليف الحكومة، تعتبر مصادر في «التيار الوطني الحر» أن مبادرة الراعي انتهت عند لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
يقول غياض لـ«الشرق الأوسط»: «مساعي البطريرك لا تزال متواصلة وهو يتواصل عبر ممثلين له مع الأطراف المعنية، لا سيما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، لقناعته أن تأليف الحكومة أمر ملحّ وضروري، ولا يجوز ترك البلد في هذه الأوضاع وهي تذهب شيئاً فشيئاً نحو الانهيار». ومع تأكيده أهمية عقد لقاءات بين الراعي وهذه الأطراف، لفت إلى أنه حتى الساعة لا مواعيد محددة في الأيام المقبلة.
من جهة أخرى، نفى غياض المعلومات التي أشارت إلى أن غياب الرئيس عون عن قداس عيد الميلاد كان رسالة سياسية من الرئاسة، إثر تحميل الراعي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة، رغم أن اعتذار عون جاء لأسباب صحية مرتبطة بانتشار فيروس كورونا. وقال: «هذا التحليل غير صحيح والرئيس عون اتصل بالبطريرك وأوضح له الأسباب التي تفهّمها الأخير الحريص أيضاً على صحة الرئيس»، مشدداً على ضرورة عدم تحميل الأمر أكثر مما يحتمل.
في المقابل، أشارت مصادر «التيار» لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن لا شيء جديداً ينتظر، لا سيما مع دخول لبنان في فترة عطلة الأعياد». وقالت إن مبادرة الراعي كان هدفها عقد اللقاء بين الحريري وعون، «وهو ما تحقّق وانتهت هنا... وبالتالي الأمور لا تزال عالقة بين الأخيرين، ولا بدّ أن تعود حركة الاتصالات مجدداً بينهما مع بداية العام الجديد».
يذكر أن فشل اللقاءين الأخيرين بين عون والحريري بداية الأسبوع وسقوط أي آمال بتأليف حكومة قبل رأس السنة، كان قد أعاد السجال والاتهامات المضادة بين كل من «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، حيث بدا واضحاً أن الأمور وصلت إلى مرحلة كبيرة من الخلاف مع تمسّك كل منهما بموقفه، علماً بأنه وفق المعلومات فإن العقدة الأخيرة كانت متوقفة عند مطالبة عون بوزارتي الداخلية والعدل، إضافة إلى وزارة الدفاع، وهو ما لم يقبل به الحريري، بينما رسا الاتفاق على تشكيل حكومة مصغرة من 18 وزيراً.
ورغم أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لم يتحدث بشكل مباشر عن الحكومة، فقد لمح إلى التعطيل بحديثه أمس عن «الإنكار المتعمد للمتغيرات الداهمة». وكتب في تغريدة له في ذكرى اغتيال الوزير السابق محمد شطح قائلاً: «سبع سنوات على رحيلك يا أعز الرفاق وأوفى الأوفياء وأصدق الأصدقاء محمد شطح، نشهد لك كل يوم والوطن في قلب المعاناة الاقتصادية والمعيشية والهبوط السياسي والإنكار المتعمد للمتغيرات الداهمة».
وكانت مواقف عدة أجمعت أيضاً على ضرورة إخراج لبنان من أزمته والإسراع بتشكيل الحكومة، حيث دعا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى إسقاط كل المعايير، مؤكداً أن البلد بحاجة إلى مَن يتنازل، وذلك في اتصالات معايدة للبطريرك المراوني بشارة الراعي ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة والمرجعيات الروحية المسيحية، مهنئاً بعيد الميلاد المجيد. وأكد أن «البلد لم يعد يحتمل كل هذه الصراعات والتحديات، وبات في حاجة إلى من يضحي ويتنازل من أجل هذا الشعب الذي تحمل الكثير ودفع من الأثمان غالياً». وأضاف: «من الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني أن تسقط كل المعايير وتزول كل الشروط والشروط المضادة أمام هول الكارثة التي حلت بلبنان وأصابت جميع اللبنانيين، ونذهب إلى حكومة قادرة على وقف الانهيار».
وعن جهود الراعي أيضاً، قال أمين سر تكتل «القوات اللبنانية» النائب السابق فادي كرم، إن «البطريرك الماروني لن يستسلم للواقع السلبي الذي تفرضه السلطة بأدائها الحالي، وهو مستمر في محاولة خرق الجدار القائم أمام الحلول»، مؤكداً أن «الدعوة إلى الحياد مستمرة لفك أسر الشعب اللبناني وعدم السماح بأخذه رهينة لتأمين مقومات استمرارية قوى معينة». ورداً على سؤال، اعتبر كرم أن «الفخ الذي أدى إلى تأخير ولادة الحكومة كان بمطالبة فريق معيّن بحقيبة المالية»، في إشارة إلى حزب الله وحركة أمل. مشيراً إلى أن «ضمانة استمرارية المسيحيين والمسلمين تتأمّن بحكومة وحدة معايير اختصاصية مستقلة بعيداً عن التوزيع الطائفي والمذهبي الذي لا خلاف عليه».
الموقف نفسه عبّر عنه النائب زياد الحواط معتبراً أن ما يحصل على صعيد التأخير بتشكيل الحكومة «فضح المستور»، مؤكداً أن من حق اللبناني أن يعرف من يعرقل التشكيل ويمنع البدء بالإصلاحات، ومن هم «خفافيش» الليل كما سموهم، الذي يسعون إلى إجهاض وإسقاط كل المبادرات الإنقاذية والإصلاحية من المبادرة الفرنسية، وصولاً إلى مساعي سيد بكركي البطريرك بشارة الراعي.
وطالب الحواط في بيان له الحريري بوضع المسودة الحكومية أمام الرأي العام، وأن يصارح اللبنانيين بكل الحقيقة التي رافقت عملية محاولة تشكيل الحكومة، كما على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يشرح للبنانيين أسباب العقد وأن يحدد المسؤول عنها، مشدداً على أن من حق كل لبناني أن يعلم من هو المعرقل الحقيقي لعملية التأليف؛ أكان حزب الله أو رئيس الجمهورية وحزبه أو الرئيس المكلف أو غيرهم أو أي جهة خارجية، لأن الفاتورة الباهظة الناتجة عن كل يوم تأخير في إتمام التشكيل يدفعها الشعب اللبناني فقط ولا أحد سواه. ودعا الحواط رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية، معتبراً «أننا متجهون نحو كارثة كبرى ومجهول حتمي في حال عدم الإفراج سريعاً عن حكومة الاختصاصيين الإنقاذية».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.