تصاعد «الحرب الكلامية» بين طرفي الصراع في ليبيا

تهديدات بعودة القتال... و«الجيش الوطني» يتوعد تركيا

خليفة حفتر خلال احتقال أقيم وسط بنغازي بمناسبة الذكرى الـ69 لعيد الاستقلال (رويترز)
خليفة حفتر خلال احتقال أقيم وسط بنغازي بمناسبة الذكرى الـ69 لعيد الاستقلال (رويترز)
TT

تصاعد «الحرب الكلامية» بين طرفي الصراع في ليبيا

خليفة حفتر خلال احتقال أقيم وسط بنغازي بمناسبة الذكرى الـ69 لعيد الاستقلال (رويترز)
خليفة حفتر خلال احتقال أقيم وسط بنغازي بمناسبة الذكرى الـ69 لعيد الاستقلال (رويترز)

تصاعدت «الحرب الكلامية» بين طرفي الصراع في ليبيا، على خلفية احتفالاتها بعيد استقلالها الـ69، على نحو بات يهدد تفاهمات هدنة وقف إطلاق النار التي رعتها بعثة الأمم المتحدة في البلاد مؤخراً.
وكشفت مصادر ليبية مطلعة النقاب عن اتصالات إقليمية ودولية مكثفة جرت خلال الساعات الماضية مع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني، وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق، لحثهما على «وقف التصعيد الذي يهدد بانهيار الهدنة المبرمة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التي سمحت بعودة طرفي النزاع إلى طاولة المفاوضات».
وأوضحت المصادر التي طلبت عدم تعريفها أن «ضغوطاً أميركية وأممية بالأساس تستهدف نزع فتيل الأزمة، ووقف الحرب الإعلامية المتبادلة، بهدف تأمين الأجواء لعقد اجتماع حاسم للجنة العسكرية المشتركة، المعروفة باسم (5+5)».
وقال مسؤولون عسكريون من الطرفين إن «قواتهما تلقت تعزيزات عسكرية على مدى الساعات الماضية، واتخذت أوضاعاً قتالية على طول خطوط التماس بينهما في محيط مدينة سرت ومنطقة الجفرة، ما يعني اقتراب المواجهة بينهما، رغم تأكيدهما التزامها بوقف إطلاق النار الهش».
وعكست كلمات حفتر، وردود المسؤولين العسكريين بحكومة السراج، بمناسبة عيد الاستقلال، اتجاهاً ينذر بعودة الحرب مجدداً، بعدما حث حفتر قواته على «الاستعداد لقتال تركيا»، وعد أنه «لا قيمة للاستقلال، ولا معنى للحرية، ولا أمن وسلام، وأقدام الجيش التركي تدنس أرض ليبيا الطاهرة»، مؤكداً أنه «لا خيار أمام العدو المحتل إلا أن يغادر، سلماً وطوعاً أو بقوة السلاح».
ورأى حفتر أن المجتمع الدولي «لم يوقف المعتدي الذي طغى واستكبر، وأخذته العزة بالإثم، ولم يتوقف عن إرسال المرتزقة والسلاح بمختلف أنواعه على مدار الساعة، في إعلان للحرب على الليبيين، وتحد للإرادة الدولية، واستهانة بالقيم الإنسانية»، مشدداً على أنه «لا سلام في ظل المستعمر، ومع وجوده على أرض ليبيا، الأمر الذي يحتم حمل السلاح لصنع السلام بأيدي الليبيين وإرادتهم الحرة».
ودعا حفتر قوات الجيش للدفاع عن وطنهم «لأن إصرار تركيا على رفض منطق السلام، واختيارها لغة الحرب، يحتم عليهم جميعاً طرد المستعمر المحتل بالإيمان والإرادة والسلاح»، معتبراً أن «المواجهة الحاسمة قد بدأت ملامحها تلوح في الأفق القريب، نظراً لما ترصده استطلاعات الجيش من مناورات وتحشيدات لمرتزقة تركيا وجنودها بالقرب من خطوط التماس، وتكديسها السلاح والعتاد، وبناء القواعد وغرف العمليات العسكرية، ما يعكس إصرارها على الحرب»، مضيفاً أن تركيا «تظن واهمة أنها ستحقق أحلامها في التوسع والنفوذ، وتصل إلى أطماعها في السيطرة على حقول النفط وموانئ تصديره، لتعالج بثروات ليبيا اقتصادها المتجه نحو الانهيار، ومن ثم تتوغل إلى أعماق أفريقيا».
وخاطب حفتر المرتزقة الموالين لتركيا في صفوف قوات الوفاق، قائلاً إن إطلاقهم الرصاصة الأولى «يعني الاستعداد للموت»، مشدداً على «ضرورة استعداد كل الوطنيين للتصدي لدواعش المال العام، ممن يتلاعبون بمليارات الدولارات من أموال الشعب الليبي». ولفت إلى أن وسائل وأساليب معينة لم يكشف عنها «ستطرح لمواجهة هذا العدو الجديد، وعدم السماح باضطرار أي ليبي للاستجداء».
وفي المقابل، وصلت طائرات شحن عسكرية تركية إلى مواقع لقوات حكومة الوفاق في قاعدتي الوطية ومصراتة (غرب البلاد)، بينما احتفت الأخيرة باستمرار تلقيها التدريبات من عناصر الجيش التركي، وأعادت نشر صور وزعتها وزارة الدفاع التركية لتدريب مقاتلي الوفاق على نظام قاذفات الصواريخ المتعددة والمدفعية وقذائف الهاون والأسلحة الثقيلة.
وأحيت حكومة الوفاق، مساء أول من أمس، بحضور السفير التركي سرحات أكسن، الذكرى الـ69 لاستقلال ليبيا بتنظيم عروض عسكرية وسط العاصمة طرابلس، في ظل انتشار أمني واسع، حيث أعلن السراج عن «تخصيص مبلغ مالي للمفوضية العليا للانتخابات، واستعداد حكومته لتسخير الإمكانيات كافة والترتيبات الضرورية لتمكين المفوضية من إنجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل نهاية العام المقبل».
ودعا السراج البعثة الأممية وجميع المنظمات الدولية المختصة للمساعدة في العملية الانتخابية المقبلة. كما طالب المجتمع الدولي بألا «يتهاون مع من لا يحترم نتائج الانتخابات، وأن يتخذ موقفاً حازماً تجاه من يعرقلها، واعتباره معرقلاً للعملية السياسية التي تستهدف إنهاء الكيانات الانتقالية، وتأسيس الدولة المدنية الحديثة».
وبدوره، قال صلاح النمروش، وزير الدفاع بحكومة الوفاق، إنه أعطى تعليمات لقواته بـ«الاستعداد التام، وانتظار تعليمات القائد الأعلى للتعامل، والرد على مصادر النيران في المكان والزمان المناسبين، دون هوادة»، مشدداً على أن «أي حل سياسي لم ولن يكون مجرمو الحرب طرفاً فيه».
وكرر العقيد محمد قنونو، المتحدث باسم قوات الوفاق، الاتجاه نفسه، بقوله إنه «لن نقبل بأي سلام» مع من وصفهم بـ«المجرمين المعتدين». كما حذر اللواء أسامة جويلي، آمر غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية، أي طرف يفكر في إشعال فتيل الحرب، مضيفاً في تصريحات له مساء أول من أمس: «ستكون العواقب وخيمة على كل طرف يسعى للاقتتال، وليضع في حسابه أننا سنتصدى له وبقوة».
وقالت غرفة عمليات تأمين وحماية سرت والجفرة، التابعة لقوات الوفاق، إن دورياتها «جابت أمس الصحراء الموازية لمناطق أبوقرين، مروراً بالوشكة، وصولاً إلى بويرات الحسون، تنفيذاً للمهام المكلفة بها في إطار حفظ الأمن، ورصد أي تحرك لمن وصفتها بجماعات (فاغنر) التابعة لـ(عصابات الكرامة الإرهابية)».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم