غورباتشوف حبيس «كورونا» يواجه المرض وحيداً... والانتقادات

في الذكرى الـ29 لاستقالة الرجل الذي غيَّر العالم

صورة أرشيفية لميخائيل غورباتشوف في فبراير 2016 بموسكو (غيتي)
صورة أرشيفية لميخائيل غورباتشوف في فبراير 2016 بموسكو (غيتي)
TT

غورباتشوف حبيس «كورونا» يواجه المرض وحيداً... والانتقادات

صورة أرشيفية لميخائيل غورباتشوف في فبراير 2016 بموسكو (غيتي)
صورة أرشيفية لميخائيل غورباتشوف في فبراير 2016 بموسكو (غيتي)

مرت أمس بهدوء الذكرى الـ29 لتفكك الاتحاد السوفياتي، ونهاية النظام الدولي القائم على القطبين. وفي ظل انشغال روسيا والعالم بمواجهة الموجة الثانية من وباء «كورونا» والتداعيات الاقتصادية والمعيشية الثقيلة التي سببها الوباء، اتجهت الأنظار إلى واحد من أبرز صانعي السياسة العالمية في ذلك الوقت، الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، الذي وقَّع في مثل هذا اليوم قبل 29 سنة شهادة وفاة «الاتحاد السوفياتي» عندما أعلن التخلي عن منصبه وصلاحياته.
ففي مساء 25 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1991، ألقى غورباتشوف خطاباً متلفزاً أعلن فيه التوقف عن أداء مهامه رئيساً للبلاد. جاء الإعلان بعد تطورات متسارعة شهدها ذلك الشهر، وفي مطلعه كانت لجنة الرقابة الدستورية للاتحاد السوفياتي قد دانت توقيع «اتفاقية إنشاء رابطة الدول المستقلة» المسماة اختصاراً اتفاقية «بيلوفيجسك» بين روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، وذكر ممثلو اللجنة أن بعض الجمهوريات ليس لها الحق في تقرير القضايا المتعلقة بحقوق ومصالح الجمهوريات الأخرى.
ومع احتدام السجالات داخل مؤسسات الدولة، مالت الكفة سريعاً نحو تثبيت قرار حل الاتحاد. وفي 24 ديسمبر، أعلن رئيس مجلس الجمهوريات، الكاتب أنوربيك أليمجانوف، عن ضرورة اتخاذ قرار بشأن الإجراء القانوني لإنهاء دولة الاتحاد التي سوف تحل محلها الرابطة.
ولم يجد غورباتشوف غير الإقرار بالأمر الواقع، بعدما غدا رئيساً لبلد مفكك ومن دون صلاحيات، فأعلن في خطاب متلفز توقفه عن أداء مهامه، ووقَّع مرسوماً يستقيل بموجبه من منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة للاتحاد السوفياتي. ليتم إنزال علم دولة الاتحاد السوفياتي من الكرملين في موسكو، ورُفع بدلاً منه علم روسيا.
وفي اليوم التالي، 26 ديسمبر عام 1991، اعتمد مجلس الجمهوريات التابع لمجلس السوفيات الأعلى الإعلان بشأن إنهاء وجود اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، نظراً لإنشاء رابطة الدول المستقلة.
وغورباتشوف الذي غاب منذ ذلك العهد عن صدارة المشهد السياسي، ظل الغائب الأكثر حضوراً في كل التطورات التي شهدتها روسيا، وبقي اسمه يتردد عند كل منعطف، حتى ظهر أخيراً في لقاء تلفزيوني نادر وقد أثقلت عليه أعراض المرض. وبدا الرجل الذي أطلق ذات يوم مسار التغيير في العالم، وهدم الجدران والستار الفولاذي بين طرفي القارة الأوروبية، يعيش وحيداً في منزل ضخم على أطراف موسكو، تخفيه عن الأنظار مساحة من الأشجار، وأسوار عالية تحيط به.
من غرفة المعيشة الواسعة في مسكنه الممنوح من الدولة للاستخدام مدى الحياة، يراقب «غوربي» بحسب الوصف الذي أطلق عليه في تسعينات القرن الماضي، تساقط الثلوج في الساحة الأنيقة أمام مدخل بيته. ويتابع مع اهتماماته اليومية البسيطة أخبار العالم الذي عادت أطرافه إلى الانغلاق والعزلة، بسبب تفشي الوباء هذه المرة.
والزعيم الذي كان أول من حاز لقب «رئيس اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية» ليغدو بعد مرور شهور معدودة، الرئيس «الأول والأخير» للدولة المنحلة، لا يواجه فقط أعراض المرض وظروف العزلة الإجبارية بسبب تفشي الوباء، فهو في وحدته هذه يتابع أيضاً «المراجعات» التاريخية لأدائه السياسي، والانتقادات المريرة الموجهة ضده، على خلفية عودة سُحب «حرب باردة» جديدة، وسباق تسلح وتحالفات تعيد تقسيم أوروبا والعالم.
على المستوى الشخصي، لم يكن ليخطر في بال غورباتشوف أنه سيكون محروماً في يوم من الأيام من زيارات أحفاده الذين يقيمون خارج روسيا. وأسفرت قرارات الإغلاق والعزل عن عدم تمكنهم من زيارته طوال العام الماضي. ضاعف هذا من أجواء العزلة التي يعيشها السياسي، بعدما بقي على اتصال مباشر معه واحد فقط من أعوانه في السابق، قال إنه يأمل في أن يتم إحياء عيد ميلاد غورباتشوف الـ90 الذي يصادف مارس (آذار) المقبل بحضور أقربائه؛ لكنه لم يستبعد أن تنظم هذه المناسبة بشكل افتراضي.
عموما، بدا غورباتشوف في المقابلة التي تحولت إلى فيلم تسجيلي صنعه المخرج الروسي المعروف فيتالي مانسكي «شخصاً مسناً، يتكلم ببطء، وأحياناً بعبارات غير واضحة، يتجنب الأسئلة، يضحك، يتعب من الحوار، يغير الموضوع» وفقاً لتعليق المخرج.
كانت الخطة أن يقدم المخرج سيرة ذاتية يرويها بطل الرواية؛ لكنه فشل في ذلك. بدا غورباتشوف متعباً، وبالكاد يتنقل في منزله بمساعدة جهاز خاص للحركة، ويحتاج لاستخدام المصعد من أجل الانتقال إلى الطابق الثاني.
رغم ذلك، عكس الفيلم عناصر مهمة، فقد حافظ غورباتشوف على موقف غامض بين الشعور بالفخر لأنه ساهم في «تحرير شعوب جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق»، وفي الوقت نفسه يأسف لانهيار الاتحاد.
ويرفض بعناد فكرة أن عليه أن يختار واحداً من العنصرين، ويقول المخرج إن هذه «هي حال السياسة الروسية والتاريخ الروسي الذي لم يجد حلاً بعد للمعضلة».
وغورباتشوف يروي بصعوبة ومع بعض الارتباك كيف قام في أقصر وقت ممكن، بتسليم السلطة إلى (الرئيس الروسي بوريس) يلتسين؛ لكن الذكريات حول الخطوات الأولى في السلطة، وحتى في ظل سلفه الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف، تبدو له حكايات مضحكة، وكأنها «من حياة لم تعد موجودة منذ فترة طويلة».
يصر على أن يطلق على نفسه بثقة صفة «الرجل الحر»، ولا يخفي أنه «بعد أن منح الحرية للآخرين، فإنه يرغب في ذلك لنفسه. ترك الكرسي مظهر من مظاهر الحرية».
الموضوع الثاني الذي يشغله هو العمر والشيخوخة وتباطؤ وتيرة الحياة، أحياناً تبدو عليه - كما يقول مانسكي – لا مبالاة بالطقس والمناخ السياسي خارج النافذة؛ لكن هذه الحال لا تدوم طويلاً، وهو يواجه انتقادات مريرة بسبب سياساته قبل ثلاثة عقود.
كانت موسكو قد شهدت سجالات واسعة أخيراً، حول تداعيات خطوات غورباتشوف التي أسفرت عن انهيار جدار برلين، وفتح الطريق أمام وضع حد للحرب الباردة، وصولاً إلى تقويض النظام ثنائي القطبية في العالم، وتفكيك الدولة السوفياتية بعد أقل من عامين على انهيار الجدار الفاصل بين الشرق والغرب.
وخلال التحضيرات للاحتفال بمرور ثلاثة عقود على هدم جدار برلين، وبعدما كانت الشعارات التي رفعها في ذلك الوقت مدعاة للفخر والاحتفال، وعززت الآمال بإحلال السلام والانفتاح والتعاون بين الشرق والغرب، مكان خطاب «الحرب الباردة» وسباق التسلح وأفكار التمترس خلف جدران عازلة، فتحت الأوساط السياسية الروسية الدفاتر القديمة، ورأت تصريحات أن القيادة السوفياتية ارتكبت أخطاء فادحة في تعاملها مع الغرب في ذلك الوقت. واعتبرت أنها أظهرت «سذاجة» في التعامل مع الوعود الغربية، وفقاً لكلمات الرئيس فلاديمير بوتين الذي لم يسبق له أن وجَّه انتقادات مماثلة إلى أداء غورباتشوف.
رأى الرئيس الروسي أن الزعيم السوفياتي السابق «أخطأ في عدم مطالبته بضمانات مكتوبة بعدم توسيع حلف الأطلسي شرقاً، عبر ضم بلدان دخلت تحت نفوذ الدولة السوفياتية». وقال إن السذاجة التي تعامل بها الاتحاد السوفياتي مع الوعود البراقة من جانب الغرب، فتحت الطريق لتوسيع «الأطلسي» والسعي إلى تطويق روسيا عسكرياً.
ويشارك كثيرون في روسيا هذا الرأي. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف في مقابلة صحافية قبل أسابيع، إن «روسيا (السوفياتية) لعبت دوراً أساسياً في إعادة توحيد أوروبا وهدم الجدران، وهم (الغرب) يبنون الآن جدراناً جديدة».
كان رد غورباتشوف أنه ما زال «يفخر بالتغيير الديمقراطي في ألمانيا الشرقية ودول أخرى في الكتلة السوفياتية؛ لكنه لم يفترض أن الجدار سوف يسقط بهذه السرعة». وقلل الزعيم السوفياتي من أهمية الاتهام بأنه تجاهل طلب «اتفاق مكتوب» يضمن عدم توسيع «الأطلسي» لاحقاً، مشيراً إلى أن هذا المطلب «كان ليبدو عبثياً في ذلك الوقت»؛ لأن «هذا كان بمثابة إعلان مبكر عن وفاة التحالف العسكري بقيادة الاتحاد السوفياتي (حلف وارسو) قبل حله رسمياً في يوليو (تموز) 1991».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».