شاشة الناقد

كواك دو - وون في «الرجل التالي»
كواك دو - وون في «الرجل التالي»
TT

شاشة الناقد

كواك دو - وون في «الرجل التالي»
كواك دو - وون في «الرجل التالي»

The Man Standing Next

من ملفات الرئاسة الكورية

هذه حكاية الأيام الأربعين السابقة لاغتيال رئيس الجمهورية الكورية بارك تشونغ - هي في السادس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1979. ليست حكاية الضحية بل حكاية الجلاد وهذه المرة هناك تعاطف مع الجلاد نفسه.
ينطلق الفيلم من قيام رئيس «وكالة الاستخبارات الكورية» (KCIA) كيم كيو - بايونغ (لي باينغ - هون) باغتيال الرئيس (لا نرى الاغتيال هنا بل نسمع صوت رصاصة واحدة) وينتهي بتصوير حادث الاغتيال ذاته (هذه المرة بالتفصيل). بينهما نتابع عمليات الاستخبارات الكورية التي تريد الحصول على وثائق من أحد المنشقين المهددين بالاغتيال (يتم تنفيذ حكم الإعدام في فصل شيق من الأحداث منفذ بإجادة مبهرة).
الفيلم لا يحتمل التأويل ولا حاجة لمراجعة الويكيبيديا لمزيد من المعلومات إلا إذا أردت المزيد من المعرفة التاريخية حول وقائع الانقلاب الذي قادته الزمرة العسكرية في السادس عشر من مايو (أيار) 1961 حيث تم تعيين الرئيس بارك (لي سونغ في الفيلم) الذي انفرد بالسلطة وزمرته وأسس المخابرات الكورية وعززها منقلباً إلى ديكتاتور كامل طوال ثماني عشرة سنة.
رئيس المخابرات كيم يريد إقناع المنشق (والمتهم بالخيانة) بارك يونغ - غاك (كواك دو - وون) بتسليم الوثائق التي هرب بها من البلاد إلى الولايات المتحدة. ورغم أن بارك يونغ يعيد الوثائق إلا أن الرئيس يطلب من كيم اغتياله. بذلك يجد كيم نفسه في محنة إذ عليه أيضاً الإشراف على اغتيال زميل قديم. ويتم الاغتيال فعلياً خلال رحلة قام بها المنشق إلى فرنسا في سلسلة من المشاهد الأخاذة. بذلك صار لدى كيم أكثر من سبب لاغتيال رئيسه بما فيها عدم رضى الحكومة الأميركية على أداء الرئيس والثورة الشبابية التي وعد الرئيس بسحقها ولو أدى ذلك لقتل الملايين، كما يذكر الفيلم.
الفيلم مستند لوثائق ومعالج، فيلمياً، كوثيقة أيضاً إنما بأسلوب روائي كامل. يحاذي سينما الجواسيس وسينما المؤامرات السياسية ويعمل بناءً على سيناريو يمضي كالسهم بلا تعرجات. كذلك يتمحور حول كيم قاتل الرئيس (والذي قضت عليه المحكمة بالإعدام حسب عناوين النهاية) ولو أنه ليس سيرة له.
سبق للسينما الكورية أن قدمت سنة 2008 فيلماً جيداً آخر عن الموضوع ذاته أخرجه إم تشونغ - هي يختلف عن الفيلم الجديد في أنه أكثر ترفيهاً وتصويراً.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.