يتحدى الفنان التشكيلي المصري أيمن سعداوي جميع المخاوف والهموم التي تعيق الإنسان المعاصر عن الاستمتاع بحياته سواء كانت ذات صبغة جماعية مثل جائحة «كورونا» الذي فرض نظاماً كئيباً من العزلة أو كانت مجرد هموم فردية تحاصر الشخص فتكبله وتجعله سجين قوقعة من الضغوط اليومية التي لا تنتهي.
من هنا يبدو «فرحة» الاسم الأنسب الذي اختاره السعداوي لمعرضه الحالي بغاليري «آرت» بالزمالك (وسط القاهرة)، والذي يضم 15 قطعة نحتية من خامة البرونز تستعيد طقوس البهجة لدى المصريين وتطلق العنان للخيال في تصوير أفراح الناس في القرى والأحياء الشعبية عبر لغة جسد تشع سعادة ووجوه ضاحكة يملؤها الحبور.
يبدع الفنان المولود 1967 في الاشتغال على تيمة «الرقص» بمختلف مناسباته، فنجد من تتمايل في حفل زفاف متمتعة بقوام رشيق وتبدو في حالة من الانسجام والسعادة الذاتية فكأنها تهدى الفرحة لنفسها أولاً قبل أن تهديها للآخرين. وعلى الجانب الآخر، هناك هذا الشاب صاحب الجسد الممشوق والملامح الوسيمة الذي يبدع في أداء رقصة «التحطيب» التي تعد مكوناً أصيلاً من مكونات الفولكلور بجنوب مصر، حيث يتبارز اثنان بالعصا الغليظة في مباراة استعراضية أثناء الأفراح أو المناسبات العامة السعيدة وقد يقوم بأدائها لاعب بمفرده وهو ما يجسده هذا التمثال الذي جذب الأنظار في حفل الافتتاح.
ويؤكد أيمن سعداوي أن الجو العام في مصر والعالم بحاجة ماسة إلى فعل البهجة ومقاومة التجهم الذي بات يطارد الوجوه بسبب «كورونا»، مما جعله يتخذ قراره بأن تكون جميع القطع النحتية عبارة عن تحريض على الأمل والتفاؤل، مشيراً في تصريحات خاصة إلى «الشرق الأوسط» بأن الرقصات الشعبية والغناء في الأفراح تعد من أكثر الأشياء التي تدعو إلى البهجة فقط لو تم تجسيدها بحساسية وصدق.
سعداوي الحاصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة ببينالي القاهرة الدولي للخزف في دورته السادسة 2002 لا يشتغل هنا على الأجساد الجميلة الممشوقة من الجنسين فقط، بل يستطيع رؤية الجمال في الجسد حتى لو كان مصاباً بالبدانة أو انتفاخ البطن، فيبرز جماليات أخرى تتجاوز فكرة الشكل الخارجي لتلمس الروح. مؤكداً «أن كل جسد له حظه من البهجة والانفعال الذي يعبر عنه بلغته الخاصة، وهو ما جعله يطلق هذا الاسم «لغة الجسد» على أحد معارضه السابقة.
المعرض الذي لا يقتصر على الرقصات المختلفة فقط، يمتد ليشمل مفردات أخرى من خريطة الفرحة في مصر مثل الطفل العازف الذي يدق بمهارة على آلة «الرق» بمصاحبة مطرب متجول في طقس مدهش اعتادته القرى المصرية القديمة، ويعد النسخة المحلية القديمة من ظاهرة عازف الغيتار الذي يفترش الأرض في ميادين ومحطات المترو في المدن الأوروبية بحثاً عن مساعدة مالية بسيطة نظير ما يقدمه من فن.
تتنوع أشكال التماثيل في طموح مشروع لتغطي مفردات شعبية وريفية من زمن مضى مثل فرحة الأطفال بالأرجوحة والقفز بالحبل ورمي الصياد للشبكة في مياه النهر والتجديف بعصا رفيعة ليمرق القارب بنعومة في المياه، وتتجلى البراعة هنا في حجم الصدق الفني الذي يحوّل الخامة الصماء إلى كتلة حية تهتف بكل ذرة من كيانها «ما أحلى الحياة»!
ورغم أن سعداوي لم يدرس الفن بطريقة أكاديمية، فإنه يرفض تصنيفه «فناناً فطرياً»، مؤكداً أنه درس الفن والتشريح بطرق مختلفة بعيداً عن أسوار المعاهد والجامعات في حين أن الفنان الفطري لا يلتزم بأي قواعد علمية من أي نوع.
«فرحة» تستعيد طقوس البهجة في مصر رغم الجائحة
معرض أيمن سعداوي يضم 15 منحوتة برونزية
«فرحة» تستعيد طقوس البهجة في مصر رغم الجائحة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة