انتخابات رئاسية في أفريقيا الوسطى الأحد

على وقع حرب أهلية وسيطرة المعارضة على جزء كبير من أراضي البلاد

رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أركانج تواديرا خلال مهرجان انتخابي في العاصمة بانغي السبت الماضي (رويترز)
رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أركانج تواديرا خلال مهرجان انتخابي في العاصمة بانغي السبت الماضي (رويترز)
TT

انتخابات رئاسية في أفريقيا الوسطى الأحد

رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أركانج تواديرا خلال مهرجان انتخابي في العاصمة بانغي السبت الماضي (رويترز)
رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أركانج تواديرا خلال مهرجان انتخابي في العاصمة بانغي السبت الماضي (رويترز)

يصر رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أركانج تواديرا، وأوفر المرشحين حظاً، على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية الأحد، مدعوماً من المجتمع الدولي، رغم أن البلاد بثلثيها باتت خاضعة لمجموعات مسلحة أطلقت هجوماً يهدف إلى زعزعة الاستحقاق الانتخابي، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من العاصمة بانغي.
ودعي نحو 1.8 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع في البلد الذي لا يزال يعيش حرباً أهلية؛ لكن التهديد الذي تفرضه مجموعات مسلحة على جزء كبير من أراضي البلاد يضاف إليه التقدم الأخير لمتمردين على محاور مهمة قرب العاصمة، يقوض إمكانية أن تكون المشاركة في الانتخابات متسقة وعادلة وهادئة.
ومن شأن ذلك أن يزيد من قناعة المعارضة وخبراء بأن شرعية الرئيس والنواب المستقبليين ستكون محط تساؤلات بدرجة كبيرة، حسب تقرير الوكالة الفرنسية. والأربعاء، وقبل أربعة أيام من الانتخابات، كانت الحكومة تحث الناخبين المسجلين عبر رسائل نصية، على التوجه لتسلم بطاقاتهم الانتخابية. ويشير محللون سياسيون إلى أن تواديرا الذي انتخب عام 2016 يبدو الأوفر حظاً في هذه الانتخابات. واستهل الرجل ولايته الأولى بإعادة هيكلة للجيش وفرض لسيطرة الدولة على مقاطعات عدة؛ لكنها شهدت أيضاً فضائح فساد. وعلى الرغم من تراجع ملموس للمعارك منذ 2018 وإبرام اتفاق للسلام في 2019، فلا تزال المجموعات المسلحة تشن هجمات متقطعة ضد قوات الأمن والمدنيين.
يعد أنيسيت جوروج دولوغيليه، وهو اقتصادي ورئيس وزراء سابق، المنافس الرئيسي لتواديرا منذ أن رفض مطلع ديسمبر (كانون الأول) ترشيح الرئيس السابق فرنسوا بوزيزيه الذي أطيح به بانقلاب عام 2013 كان مصدر انطلاقة الحرب الأهلية.
كان بوزيزيه الذي يملك قاعدة انتخابية كبرى، يبدو المرشح الوحيد الذي يمكنه فعلياً تهديد بقاء تواديرا في السلطة، وقد أعرب عن دعمه لدولوغيليه؛ لكن انقسام المعارضة الشديد التي يترشح عنها 15 شخصاً، من شأنه تسهيل الطريق أمام الرئيس المنتهية ولايته. ورفضت المحكمة الدستورية ترشيح بوزيزيه بسبب خضوعه لعقوبات من الأمم المتحدة، لدعمه المفترض لميليشيات تتهمها المنظمة الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتمزق أفريقيا الوسطى التي تعد من بين أفقر دول العالم، حرب أهلية، منذ أن أطاح تحالف مجموعات مسلحة ذو غالبية مسلمة تعرف باسم «سيليكا»، ببوزيزيه في 2013. وأسفرت المواجهات بين هذا التحالف والميليشيات المسيحية عن آلاف القتلى بين عامي 2013 و2014، بينما نزح أكثر من ربع سكان البلاد البالغ عددهم 4.9 مليون نسمة، بينهم 675 ألفاً لاجئون في دول مجاورة، ولا يستطيعون التصويت.
وقبل أسبوع، تحالفت المجموعات المسلحة الرئيسية، وشنت هجوماً على المحاور الرئيسية المؤدية إلى العاصمة، واتهمها معسكر تواديرا بأنها تقوم بـ«محاولة انقلاب» بأوامر من بوزيزيه، وهو ما ينفيه الأخير.
وأوقف تقدم تلك المجموعات منذ الأربعاء، وفق بعثة الأمم المتحدة في أفريقيا الوسطى، من جانب قوات حفظ السلام التابعة لها والجيش، وتعزيزات من رواندا وروسيا من خارج قوة الأمم المتحدة. وأعلنت مهمة الأمم المتحدة الأربعاء انتزاع سيطرة المتمردين على مدينة بامباري رابع أكبر مدن البلاد، والواقعة على بعد 380 كيلومتراً إلى شمال شرقي بانغي، بعدما نجحوا في وضع اليد عليها قبل يوم.
ويخيم التشاؤم على الأجواء في شوارع بانغي. وهيمنت حالة من الهلع على المدينة الأربعاء، بعد خروج شائعات عن سيطرة المتمردين على المدينة. وقال تييري وهو تاجر: «انظروا كيف خاف الناس! لن تجري الانتخابات».
وفي المناطق الأخرى، تبدو إمكانية التصويت، أو على الأقل التصويت بحرية، أمراً بعيد المنال. ويرى رولان مارشال المتخصص في شؤون أفريقيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية في باريس، أن ما يجري عبارة عن «سرقة انتخابية. الانتخابات لا يمكن أن تجري على غالبية الأراضي التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، والتي تريد زعزعة الانتخابات». وأكد الأحد أعضاء مجموعة «جي 5+» التي تضم خصوصاً فرنسا وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، أن الانتخابات ينبغي أن تجري «في موعدها الدستوري».
واستثمر المجتمع الدولي نحو 30 مليون يورو في تنظيم الاقتراع. وأعلنت الأمم المتحدة الأربعاء أنها «قلقة بشدة» من أعمال العنف التي «تنطوي على مخاطر حقيقية على أمن المدنيين وممارسة حق الانتخاب». وتطالب المعارضة منذ مدة بإرجاء الانتخابات، وهو ما يرفضه تواديرا. وسيكون نحو 50 مراقباً؛ لا سيما من الاتحاد الأوروبي والأفريقي، حاضرين في الانتخابات.
ومن المقرر تنظيم دورة ثانية في 14 فبراير (شباط).



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.