اغتيال جوزف بجاني... ستار الرعب الأسود

اغتيال جوزف بجاني... ستار الرعب الأسود
TT

اغتيال جوزف بجاني... ستار الرعب الأسود

اغتيال جوزف بجاني... ستار الرعب الأسود

لم تثبت بعد علاقة اغتيال المصور جوزف بجّاني بتفجير مرفأ بيروت. لكن الجريمة تندرج في سياق تعميم الرعب في نفوس اللبنانيين وإقناعهم بوجود قوة غاشمة قادرة على القتل والتدمير متى شاءت ومن دون إبداء أسباب ومبررات؛ والأهم أنها ستبقى في منأى عن العقاب وعن يد العدالة.
حتى اليوم تقول المعطيات إن المجرمين اللذين اغتالا بجاني أمام منزله في بلدة الكحالة، يبدوان من أصحاب الخبرة في مجالهما، وإن استخدامهما مسدساً مزوداً بكاتم للصوت وانصرافهما بهدوء بعد الجريمة إلى طريق فرعية، حسبما أظهرت كاميرات المراقبة المنزلية، إضافة إلى أخذهما آلة تصوير الضحية وهاتفه الجوال، يظهر أنهما خططا جيداً لما ارتكبا. بيد أن ذلك كله، ورغم ندرة كواتم الصوت وانحصار وجودها لدى جهات معروفة في لبنان، لا يشكل برهاناً على أن دوافع سياسية وراء الجريمة أو أن جهازاً منظماً هو من أمر بتصفية بجاني، إضافة إلى عدم وضوح الدوافع التي قد تظهر بمرور الأيام التي قد تكشف أيضاً عن المجرمين.
في المقابل، ومن دون ترتيب أو جهد مقصود، وقعت الجريمة موقعاً مشؤوماً في اليوميات اللبنانية. ذاك أنها جاءت بعد أسابيع قليلة على مقتل العقيد المتقاعد في مديرية الجمارك اللبنانية منير أبو رجيلي الذي كان يشغل منصب رئيس مكافحة التهريب في مرفأ بيروت، والذي تشير معلومات نُشرت بعد مقتله إلى أنه أدلى بإفادة أمام المحقق العدلي في تفجير المرفأ في 4 أغسطس (آب) الماضي، الذي يعدّ كارثة غير مسبوقة في سجل الكوارث اللبنانية، والذي تحول التحقيق فيه إلى ساحة للمناكفات والمهاترات الطائفية والسياسية.
وكان ضابط متقاعد آخر في الجمارك هو جوزف سكاف قد قتل في ظروف غامضة سنة 2017؛ أي بعد وصول شحنة نيترات الأمونيوم التي دمرت قسماً من العاصمة اللبنانية، بأربع سنوات، وكان هو من أوائل من نبهوا إلى خطورة وجود هذه المادة في عنبر غير مؤهل وغير مؤمن. والكتب التي وجهها سكاف إلى المسؤولين في المرفأ وفي الإدارة اللبنانية متداولة وموثقة.
لم يسفر التحقيق في مقتل أبو رجيلي وسكاف عن شيء حتى الآن، في حين ذكرت الأجهزة الأمنية أنها عثرت على هاتف بجّاني الجوال في قرية قريبة من مكان اغتياله، فيما يسود اعتقاد بأن النسيان سيطوي الجريمة إذا تأكدت علاقتها بأي قضية سياسية أو تَعني الشأن العام. أما إذا كانت الأسباب جنائية، فالأرجح أنها ستُكشف قريباً، وستعلن أسماء صغار المجرمين؛ على جاري العادة في عمليات القتل بهذا البلد.
وفي حال ثبوت العلاقة بين الجرائم الثلاث أو الاثنتين الأوليين، فستتأكد الرواية القائلة إن «جهة ما» استوردت شحنة نيترات الأمونيوم عالي التركيز (نسبة التركيز في نيترات الأمونيوم الذي كان موجوداً في مرفأ بيروت هي 39 في المائة مما يجعله خارج الاستخدام سماداً زراعياً)، وإن الجهة المذكورة عملت في الأعوام السبعة الماضية على سحب الكمية الكبرى من النيترات من المستودع ونقلها إلى خارج لبنان حيث استخدمت في صناعة البراميل المتفجرة الشهيرة التي خاض بها بشار الأسد حربه على الشعب السوري. تسند هذه الرواية إلى جملة من الوقائع؛ منها أن الشركات المستوردة والناقلة والمالكة، يصح وصفها بـ«الشركات الوهمية» التي اختفت بعد وصول الشحنة إلى بيروت. يضاف إلى ذلك أن أكثر خبراء المتفجرات يجزم بأن ما أصاب بيروت في 4 أغسطس كان انفجار 500 طن من نيترات الأمونيوم لا أكثر، مما يعني أن أكثر من ألفي طن قد أخرجت من عنبر المرفأ بطريقة أو بأخرى؛ وعلى الأرجح بإشراف المسؤولين عن هذه المؤسسة العامة أو موافقتهم أو تجاهلهم لما كان يجري بين ظهرانيهم.
وسواء وقف مستوردو شحنة الموت وراء الاغتيالات والجرائم، أم لم تكن لهم صلة بها، فما يجري في لبنان حالياً هو رفع ستار من الرعب ليغطي البلد بأسره، وليحول دون حصول أي مساءلة أو ملاحقة للمجرمين المنتمين عضوياً إلى الجماعة السياسية - المالية الحاكمة. وتصل هذه الممارسة إلى مستويات خرافية في وقاحتها مع القمع الشديد الذي قوبل به طلاب يحتجون على رفع الأقساط الجامعية أو استدعاء الممثل زياد عيتاني للتحقيق معه في الدعوى التي تقدم بها ضده رئيس الجهاز الذي اعتقله افتراء، بحسب حكم قضائي، والضابط الذي عذبه بتهمة إساءة زياد إلى «هيبة الدولة».
دولة كهذه لم يعد يصح انتظار نجاح حكامها في إنقاذها أو وقف موجة الدمار الاقتصادي والاجتماعي المتجمعة نذرها كغيوم سود فوق رؤوس مواطنين مذهولين وعاجزين.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.