ابن بغداد يوسف عبد الكريم... حارس الساعات في زمن التحوّلات

TT

ابن بغداد يوسف عبد الكريم... حارس الساعات في زمن التحوّلات

يواظب يوسف عبد الكريم على فتح محله لتصليح الساعات يوميا في شارع الرشيد بوسط بغداد، ليواصل ممارسة مهنة ورثها عن والده وجده، صامداً في وجه التغيّرات التي عرفها الشارع العريق.
عند المرور في شارع الرشيد، لا يمكن تجاهل متجر يوسف الصغير وواجهته المكسوّة بالغبار. ومن خلف الزجاج، تتراءى مئات الساعات من أزمنة مختلفة، بألوان وتصاميم متنوعة، وضعت في أرجاء المتجر دون ترتيب واضح.
في الداخل، يجلس يوسف البالغ من العمر 52 عاماً والمعروف بأبو يحيى على كرسيه أمام مكتب خشبي قديم، محاطا بالساعات من الجهات الأربع، موضوعةً داخل صناديق بلاستيكية على الأرض وفي علب كرتونية على الرفوف وداخل حقائب مختلفة، ما يجعل التنقل داخل المتجر الضيّق مهمة صعبة، لكن الرجل يعرف تفاصيله ومكان كل ساعة عن ظهر قلب.
بدأ عبد الكريم تصليح الساعات في سنّ الحادية عشرة بعد وفاة جدّه الذي أسس المتجر قرابة العام 1940. وتعلّم المهنة من والده على مدى أعوام قبل أن يتقاعد الأخير ويأخذ يوسف مكانه.
يقول الرجل الخمسيني إن شارع الرشيد كان يعجّ بعشرات محلات تصليح وبيع الساعات خلال الثمانينات، لكنها باتت تعد على أصابع اليد الواحدة الآن.
قد يكون للتكنولوجيا دور في تراجع الإقبال الساعات اليدوية، لكن يوسف ينسب المسؤولية أيضا إلى التحولات العميقة التي شهدتها المدينة. ومع ذلك، يرفض فكرة أن الساعات صارت شيئا من الماضي، ويستدل على ذلك بتدفق الزبائن على المحل أغلب ساعات النهار، ويعتبر أن «الأناقة تبدأ من الساعة».
يزور المتجر أشخاص من أعمار وانتماءات مختلفة، من الباحثين عن ساعات زهيدة الثمن إلى المولعين بجمع أخرى ثمينة وبينهم وزراء ومسؤولون سابقون، ويؤكد يوسف بفخر أن «الكل يجد ضالته هنا». ويرى أن ديكور محله «الذي لم يتغير منذ نحو 50 عاما» يشكّل عنصر جذب أيضا، وهو لا ينوي تحديثه «للحفاظ على هوية المكان».
يصلح عبد الكريم نحو خمس ساعات يوميا، لكنّه يقول إن نظره في تراجع، ويقدّر أنه سيضطر للتقاعد خلال خمسة أعوام على الأكثر، مع أنه يريد مواصلة العمل أطول وقت ممكن.
وجدير بالذكر أن مستقبل المحل الأقدم في شارع الرشيد ليس مهدداً، إذ يعكف يوسف على تدريب ابنيه يحيى (24 عاما) ومصطفى (16 عاما) على أمل أن يخلفه أحدهما وأن ينقلا هذا الإرث العائلي إلى أبنائهما.
ويتحدث عبد الكريم مطولا عن الشارع الذي يحمل اسم الخليفة العباسي هارون الرشيد، وعن دور السينما والمسارح والمقاهي والمتاجر «التي لا تغلق أبوابها ليلا» والزبون الذي اشترى ساعة في الثالثة فجرا.
يقول إنه كان يبيع ويصلح «ما يصل إلى 500 ساعة كل أسبوع» في الثمانينات، قبل أن تتراجع كثافة العمل في العقد التالي نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضت على البلاد، وبعد ذلك إثر الغزو الأميركي عام 2003.
عاش عبد الكريم على غرار بقية العراقيين معاناة الصراع الطائفي الذي بلغ ذروته بين 2006 و2008. وكان وصوله إلى المحل يتطلب منه «قطع خمسة كيلومترات سيراً على القدمين» نتيجة غلق الطرق واضطراره لتغيير مكان سكنه. وأدى ذلك إلى «تراجع عدد الزبائن بنحو 90 في المائة مع مغادرة كثيرين لبغداد»، لكنه حرص حينها على مواصلة فتح المتجر قدر الإمكان.
يخبر أنه تدريجيا «امّحت معالم الشارع وانتقل أغلب أصدقائي» إلى خارج البلد أو نحو مناطق تجارية جديدة في العاصمة بعد أن باعوا محالهم التي تحول معظمها إلى تجارة زيوت وقطع غيار السيارات والأدوات الكهربائية.
أما الشقق ذات الطراز البغدادي العتيق المصفوفة فوق المتاجر والتي كانت تسكنها غالبية من اليهود مطلع القرن العشرين، فقد صار أغلبها خاويا ومتداعيا لغياب الترميم والعناية.
يقول يوسف عبد الكريم بحسرة: «كنت أتمنى أن يصبح الوضع أفضل بعد سقوط النظام، لكنه تغيّر للأسوأ». رغم ذلك، يؤكد: «سأبقى متمسكا بمهنتي».



الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
TT

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)

وقّع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان، الجمعة، مذكرة تفاهم في المجال الثقافي، عقب مباحثات جمعتهما في العاصمة اليابانية طوكيو، تناولت أهمية تعزيز العلاقات الثقافية المتينة التي تربط بين البلدين.

وتهدف «مذكرة التفاهم» إلى تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الرياض وطوكيو في مختلف القطاعات الثقافية، وذلك من خلال تبادل المعرفة في الأنظمة والتنظيمات المعنية بالشؤون الثقافية، وفي مجال الرسوم المتحركة، والمشروعات المتعلقة بالمحافظة على التراث بجميع أنواعه، بالإضافة إلى تقنيات الحفظ الرقمي للتراث، وتطوير برامج الإقامات الفنية بين البلدين، وتنمية القطاعات الثقافية.

بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية (الشرق الأوسط)

وكان الأمير بدر بن عبد الله، التقى الوزيرة توشيكو في إطار زيارته الرسمية لليابان، لرعاية وحضور حفل «روائع الأوركسترا السعودية»؛ حيث بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية.

وهنّأ وزير الثقافة السعودي، في بداية اللقاء، نظيرته اليابانية بمناسبة توليها منصب وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية، مشيراً إلى أن مشاركة السعودية بجناحٍ وطني في معرض «إكسبو 2025» في أوساكا تأتي في ظل العلاقات الوطيدة التي تربط بين البلدين، متمنياً لليابان حكومة وشعباً التوفيق في استضافة هذا الحدث الدولي الكبير.

وتطرّق اللقاء إلى أهمية تعزيز التعاون القائم بين هيئة الأدب والنشر والترجمة والجانب الياباني، لتدريب الطلبة السعوديين على فن صناعة القصص المصورة «المانغا».

وتأتي مذكرة التفاهم امتداداً لعلاقات الصداقة المتميزة بين السعودية واليابان، خصوصاً في مجالات الثقافة والفنون عبر مجموعة من البرامج والمشروعات والمبادرات المشتركة. كما تأتي المذكرة ضمن جهود وزارة الثقافة في تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية السعودية 2030».

حضر اللقاءَ حامد فايز نائب وزير الثقافة، وراكان الطوق مساعد وزير الثقافة، وسفير السعودية لدى اليابان الدكتور غازي بن زقر.