واشنطن وطهران تتلاعبان بأعصاب العراقيين في «المنطقة الخضراء»

TT

واشنطن وطهران تتلاعبان بأعصاب العراقيين في «المنطقة الخضراء»

مع تكرار استهداف السفارة الأميركية في «المنطقة الخضراء» ببغداد، فإن سكان هذه المنطقة الأصليين الذين آثروا البقاء فيها رغم صعوبات التنقل؛ بما في ذلك الدخول والخروج، هم الذين ابتُلوا بهذا القصف الذي لم يتبنه أحد، ويدينه الجميع، ويقيد دائماً ضد مجهول حيث لا تعثر الأجهزة الأمنية إلا على منصات الصواريخ، وعادة ما تكون في مكان معلوم يفترض أن تعرف كل سكناته وحركاته الأجهزة الاستخبارية.
وبينما تستمر الهدنة الهشة بين واشنطن والفصائل المسلحة فيما بدأ العد التنازلي لرحيل الرئيس الحالي دونالد ترمب من البيت الأبيض ومجيء الرئيس المنتخب جو بايدن، فإن قصف «الخضراء» بكثافة بدا فعلاً يتراوح بين «التصرف الأحمق» مثلما وصفته بعض الجهات ومن بينها بعض الفصائل المسلحة، و«العمل الإرهابي» مثلما وصفه بيان رئاسة الجمهورية، و«العمل الذي يسبب إحراجاً للدولة العراقية» طبقاً لما تراه أطراف سياسية، و«إهانة للدولة» من وجهة نظر أطراف أخرى.
المحصلة أن السفارة الأميركية لم تتضرر، بينما انهالت الصواريخ، بفعل منظومة الردع داخل السفارة، على مجمع سكني مدني في منطقة القادسية داخل «الخضراء» نتج عنه تدمير عشرات السيارات التي تعود لمواطنين أبرياء كل جريرتهم أن مساكنهم تقع بالقرب من مقرات كبار المسؤولين والسفارة الأميركية.
أما طهران وواشنطن، المعنيتان مباشرة بما يحصل داخل العراق وبالذات البقعة المسماة «المنطقة الخضراء»، فإنهما تكتفيان عند كل قصف بالتلاعب بأعصاب العراقيين. فالصراع بينهما غالبا ما يكون داخل الأراضي العراقية؛ بما في ذلك استعراض القوة.
الإيرانيون والأميركيون وحدهم يعرفون من هم المهاجمون، بينما المواطن العراقي؛ سواء كان من يقطن «الخضراء» ومن يكون ماراً في شوارعها لحظات القصف، هو الذي يدفع ثمن أفعال لا ناقة له فيها ولا جمل. الإدانات للقصف الأخير كانت كالعادة كثيرة، لكن ما ميزها هذه المرة هو مستوى الإدانات الخارجية؛ سواء كانت صادرة عن دول عربية وأجنبية. أما إدانات الداخل، فقد شملت الجميع؛ بمن في ذلك أصدقاء أميركا الذين حملوا الفصائل المسلحة مسؤولية القصف، وأعداء أميركا الذين يشككون في الدوافع التي تؤدي إلى قصف في هذا الوقت. الفصائل نفسها انضمت إلى جوقة الرافضين للقصف في حين تستمر في لغة التهديد والوعيد للوجود الأميركي في العراق.
ويقول أستاذ الأمن الوطني في جامعة «النهرين» الدكتور حسين علاوي، رئيس «مركز أكد للشؤون السياسية والدراسات المستقبلية»، لـ«الشرق الأوسط» إن «الفصائل المسلحة في العراق باتت تعيش في فضاء غير مقبول اجتماعياً وسياسياً، لكنها تتوقع أن أفعالها المسلحة ممكن أن تؤثر في القرار الأميركي لإدارة العلاقات العراقية – الأميركية»، مبيناً أن «هذه قراءة قد تكون مؤثرة في بداية المرحلة الانتقالية أثناء الانتخابات وإعلان نتائج الانتخابات، لكن انتهاء الانتخابات وإعلان المجمع الانتخابي النتائج جعل هذه الهجمات تفقد قدرتها على التأثير المعنوي والسياسي في قرار الولايات المتحدة الأميركية في استدامة العلاقات العراقية - الأميركية».
ويضيف علاوي: «الحكومة العراقية قلصت مساحة الشرعية لأفعال الفصائل المسلحة من خلال الحوار الاستراتيجي العراقي - الأميركي الذي وصل إلى تقليص القوات الاستشارية الأميركية ضمن بعثة التحالف الدولي لهزيمة (داعش) الإرهابي إلى 2500 مستشار عسكري أميركي، ويتم الآن الدفع باتجاه أن تتطور مهمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) لتدريب وبناء القدرات للقوات المسلحة العراقية في فبراير (شباط) المقبل».
وحسب علاوي، فإن «زيادة بعثة (الناتو) التدريبية للقوات العراقية سوف تسحب إحدى الأوراق الأساسية لمبرر بقاء هجمات هذه الفصائل واستمرار شرعيتها وداعميها، خصوصاً بعد بيانات الإدانة من القوى السياسية العراقية للهجمات على (المنطقة الخضراء) نتيجة تأييد القوى السياسية نهج الحكومة العراقية في جدولة انسحاب القوات الاستشارية التدريبية الأميركية في العراق».
وبخصوص الجانب الإيراني، يقول علاوي إن «حكومة الكاظمي استطاعت استثمار ضغطه على القوى المسلحة والجماعات الخاصة لإيقاف حالة التصعيد الإعلامي والعسكري تجاه البعثات الدبلوماسية الغربية لدى العراق نتيجة المرحلة الصعبة في العلاقات الإيرانية - الأميركية وحالة الترقب لاستقرار العلاقة مع العراق في ضوء المعطيات الجديدة التي قد تنتج إعادة العمل بالاتفاق النووي أو بحث اتفاق نووي جديد يشمل الصواريخ الباليستية وفك الارتباط بالجماعات الخاصة في العراق وسوريا واليمن».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.