السراج ينزع «الردع» عن باشاغا في طرابلس

رسالة مصرية عاجلة إلى خليفة حفتر وعقيلة صالح

السراج يتحدث إلى باشاغا خلال حفل تخرج ضباط في طرابس مطلع 2019 (غيتي)
السراج يتحدث إلى باشاغا خلال حفل تخرج ضباط في طرابس مطلع 2019 (غيتي)
TT

السراج ينزع «الردع» عن باشاغا في طرابلس

السراج يتحدث إلى باشاغا خلال حفل تخرج ضباط في طرابس مطلع 2019 (غيتي)
السراج يتحدث إلى باشاغا خلال حفل تخرج ضباط في طرابس مطلع 2019 (غيتي)

أخذ الصراع المفتوح على السلطة داخل حكومة الوفاق الليبية في العاصمة طرابلس، مسارا جديدا بعدما نزع رئيسها فائز السراج عن وزير داخليته فتحي باشاغا تبعية جهاز الردع، فيما نقل عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية خلال زيارة مفاجئة مساء أول من أمس إلى مدينة بنغازي شرق ليبيا، إلى رئيس مجلس النواب الليبي، المستشار عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني، رسالة «دعم وتأييد من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للشعب الليبي على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية في إطار الدور المصري الداعم لاستقرار الأوضاع في ليبيا والحفاظ على مقدراتها ومكتسباتها».
وبحسب بيان رسمي التقى كامل بالمشير حفتر خلال الزيارة التي تم خلالها مناقشة عدد من الموضوعات محل الاهتمام والتأكيد «على الجهود والتحركات المصرية الداعمة لمخرجات اجتماعات اللجنة العسكرية «5+5»، والتي أسفرت عن تثبيت وقف إطلاق النار واتخاذ عدد من الإجراءات التي تساهم في استقرار الوضع العسكري والأمني بجميع ربوع ليبيا».
وقال مجلس النواب الليبي إن رئيسه صالح بحث لدى لقائه مع كامل بحضور عدد من أعضاء مجلس النواب، عددا من الملفات والقضايا بين البلدين الشقيقين والجهود التي تبذلها مصر من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا والمنطقة والأمن القومي المشترك للبلدين، وجهود التسوية في ليبيا عبر المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة.
واكتفى حفتر بالإشارة إلى أن محادثاته مع كامل ناقشت كل الملفات الأمنية ذات الاهتمام المشترك بين البلدين إضافةً لمناقشة جل القضايا المتعلقة بالأمن القومي المشترك.
ونقل عن اللواء كامل إشادته بجهود قوات الجيش الوطني في محاربة الإرهاب والقبض على المطلوبين محلياً ودولياً، مثمناً دور حفتر الذي تقدم بدوره بجزيل شكره إلى مصر.
إلى ذلك، وفي تطور مفاجئ، أصدر فائز السراج رئيس حكومة الوفاق قرارا يقضي بإعادة تنظيم جهاز قوة الردع الخاصة، بقيادة عبد الرؤوف كاره، ليصبح تابعاً مباشرة، على أن تكون له ذمة مالية مستقلة، بعيدا عن وزارة الداخلية التي يترأسها فتحي باشاغا.
ورحبت قوة حماية طرابلس بالقرار الذي يحمل تاريخ توقيع السراج عليه شهر سبتمبر (أيلول) الماضي وتم تسريبه مساء أول من أمس لوسائل إعلام محلية، واعتبرت في بيان لها أمس أنه سيكون له أثر واضح في مكافحة الجريمة المنظمة وتتبع مرتكبيها وكشف الأيادي السوداء التي تنسج المؤامرات في سراديب الظلام.
وقالت إن القرار وما يحويه من صلاحيات واسعة سيكون له أثر كبير في استقرار البلاد وحمايتها، وأن الجهاز سيضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه ولو في الخفاء ارتكاب جريمة ما أو كل من يخطط لأعمال إرهابية ينغص بها صفو البلاد وأمنها.
وسيعاد بموجب القرار تنظيم الجهاز، على أن تكون له الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة؛ ويكون مقره الرئيسي بالعاصمة طرابلس، مع إمكانية إنشاء فروع أخرى لاحقا.
ومنح القرار الجهاز 10 اختصاصات من بينها المشاركة في تنفيذ الخطط الأمنية الخاصة بتأمين الانتخابات والاحتفالات العامة والفعاليات الرسمية، وغير الرسمية المرخص لها ومكافحة أعمال الشغب ومظاهر الإخلال بالأمن العام؛ بالإضافة إلى التعاون مع الجهات المختصة في مكافحة عصابات تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية وضبط جرائم غسل الأموال والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، والتنسيق وتبادل المعلومات مع المنظمات والهيئات والأجهزة الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة الإرهاب تحت إشراف الجهات المختصة.
وجاء القرار بعد إعلان وزارة الداخلية عن خطة مشتركة لتأمين طوق العاصمة طرابلس، خلال اجتماع عقده مؤخراً العميد محمد المداغي مساعد أغا للشؤون الأمنية، ناقشت اتخاذ الإجراءات الأمنية والوقائية وتشديد أعمال الحراسة وتأمين المرافق والأهداف الحيوية ومقار مؤسسات الدولة.
وأدرج مراقبون القرار في إطار ما وصفوه بالصراع المفتوح بين السراج وأغا الذي يسعى لخلافته في منصبه، حيث يعد بمثابة انقلاب ناعم سيحرم باشاغا من اعتماده المتصاعد مؤخراً على جهاز الردع بعد تغيير اسمه من قوات الردع وهي في الأصل ميلشيات مسلحة، في السيطرة على طرابلس، علما بأن الجهاز بات يلعب دورا كبيرا في تأمين المدينة لصالح حكومة الوفاق.
وقالت مصادر مطلعة إن قادة لميليشيات مؤثرة في طرابلس ومدينة مصراتة في غرب البلاد، اجتمعوا أمس في مدينة العجيلات مع هيثم التاجورى قائد ما يعرف باسم كتيبة ثوار طرابلس، وسط استمرار لنشاط غير معهود لتحرك أرتال عسكرية حول طرابلس، ما ينذر باحتمال وقوع اشتباكات بين الميلشيات المتصارعة منذ سنوات على مناطق النفوذ والسلطة في المدينة.
من جهة أخرى، وبعد مرور ستة أسابيع على إعلان اتفاق اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» في جولتها السادسة بين ممثلي قوات الوفاق والجيش الوطني بمدينة سرت الشهر الماضي، استغربت «قـوة حـمـايـة طـرابـلـس» الموالية لحكومة الوفاق ما وصفته بالتأخير المتعمد في تطبيق هذا الاتفاق، وطالبت رؤساء وأعضاء اللجنة بتوضيح سبب تأخير وعرقلة تنفيذ بنوده. وتساءلت هل هناك أيادٍ خفية وراء هذا التأخير المتعمد؟ ومن المستفيد منه، مشيرة إلى أن بنود أو نقاط اتفاق اللجنة، كانت تصب في صالح الشعب وترضي جميع الأطراف، عبر تشكيل «قوة عسكرية مشتركة» تقوم بفتح طريق سرت وتأمينه للمواطنين، وتشرف على إبعاد الأسلحة الثقيلة من المدن، وترحيل (المرتزقة) خارج البلاد.
وقالت إن ملتقى الحوار السياسي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة فشل ضمنيا، لافتة إلى احتقان الشارع الليبي ضد السياسات الحكومية، وما أسمته بـ«الأجواء المشحونة والمتوترة»، نتيجة تعنت أغلب الأطراف.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.