حادثة طرابلس.. أسئلة الداخل القلقة

نجاحات «الاستخبارات» اللبنانية تبقى غير كافية في غياب سياسة فعالة تمنع تفشي الآيديولوجيات الراديكالية

حادثة طرابلس.. أسئلة الداخل القلقة
TT

حادثة طرابلس.. أسئلة الداخل القلقة

حادثة طرابلس.. أسئلة الداخل القلقة

سيطرت أجواء من القلق والخوف بعد التفجير الانتحاري المزدوج الذي هز منطقة جبل محسن في طرابلس، أولا بسبب نوعية العملية التي شارك فيها انتحاريان يتحدران من المدينة نفسها، وثانيا بسبب اختفاء عشرات الشباب من المدينة يشتبه في إمكانية ارتكابهم هجمات إرهابية. فمنذ بدء تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس التي تلت الاشتباكات بين الجيش اللبناني ورجال شادي المولوي وأسامة منصور، اللذين يرتبطان بعلاقة مباشرة مع جبهة النصرة و«داعش»، سُجِّل فرار نحو 200 شاب من لبنان.

أكد مصدر سلفي، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، هذه المعلومات، مرجحا «هروب ما يقارب المائة شاب إلى سوريا والعراق، مع ثمانين شخصا تقريبا متوارين عن الأنظار داخل لبنان». إلا أن مصدرا عسكريا لبنانيا، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، اعتبر أن العدد الفعلي للذين يشتبه في إمكانية ارتكابهم هجمات إرهابية لا يتجاوز أربعة أو خمسة أشخاص حتى الآن.
إلى ذلك، انضم بعض النشطاء اللبنانيين في العراق وسوريا إلى «جبهة النصرة» في حلب أو «داعش» في الرقة، كما انخرط عمر ميقاتي، أحد رفاق المولوي ومنصور، المعروف باسم «أبو هريرة»، في صفوف جبهة النصرة في القلمون.. «فـ(داعش) لديها جيوب عميقة وتدفع المال الوفير لأسر المجندين الشباب»، وفق المصدر السلفي. وعلى الرغم من الانعكاسات العديدة التي قد يخلفها فرار هؤلاء على الساحة اللبنانية، يبقى الخطر الأكبر متأتيا من أولئك الذين ما زالوا في لبنان والذين قد يُستغلون لتنفيذ تفجيرات انتحارية جديدة.
ويعتبر الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقهى في جبل محسن، وأسفر عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 37 آخرين، هو الأول من نوعه في طرابلس، وقد نفذه شابان من محلة «المنكوبين» في طرابلس، التي يسيطر عليها الفقر والبطالة وتعتبر واحدة من أكثر المناطق المحرومة في المدينة الشمالية. «أما اختيار طرابلس، المدينة التي نشأ فيها الانتحاريان لتنفيذ العملية، فيشكل سابقة لم نشهدها من قبل على الرغم من مقتل ما يزيد على عشرة شبان من طرابلس في عمليات انتحارية في العراق وسوريا»، وفق المصدر السلفي.
وكان منفذا الهجوم الانتحاري، بلال محمد مرعيان وسمير الخيال، قد تواريا عن الأنظار بعد أن شاركا في الاشتباكات الأخيرة التي وقعت بين الجيش اللبناني وجماعة شادي المولوي وأسامة منصور، بحسب مصادر طرابلسية تحدثت إلى «الشرق الأوسط». وقد رجح وزير الداخلية اللبنانية نهاد المشنوق انتماء الانتحاريين إلى تنظيم داعش، بناء على تقارير أمنية ربطتهما بالمتشدد منذر الحسن، المشتبه فيه بتأمين الأحزمة الناسفة والمتفجرات لأعضاء خلية إرهابية في فندق «دي روي»، والذي قتل لاحقا خلال مداهمة منزل أحد أقربائه في طرابلس حيث كان يختبئ، علما بأن منذر الحسن هو أيضا من منطقة «المنكوبين».
غير أن هذه النظرية لم تلق إجماعا في الأوساط الرسمية، حيث أشار مسؤول عسكري في طرابلس إلى أن العملية الإرهابية الأخيرة هي من تنفيذ جبهة النصرة، التي تشكل في الوقت الراهن الفصيل المهيمن على الساحة الطرابلسية. كما أنه وفقا لمواقع إخبارية، أعلنت جبهة النصرة في تغريدة على حسابها على «تويتر» مسؤوليتها عن الهجوم ضد المقهى في جبل محسن، المنطقة العلوية في طرابلس «للانتقام من الهجوم على مسجد السلام والتقوى». وجاء في بيان جبهة النصرة أن «بلال محمد مرعيان قد نفذ التفجير الأول مستهدفا الحشود النصيرية الحاضرة (العلويين)». وقام الخيال بالانفجار الثاني بعد انتشار قوات الأمن التي احتشدت في موقع الانفجار الأول.
وفي سياق متصل، أشارت صحف لبنانية إلى علاقة بين الانتحاريَين والموقوفين المتشددين في سجن رومية الموجودين خاصة في المبنى B، الذي بات منذ بداية الحرب في سوريا والعمليات الانتحارية التي لحقت بها مقرا لعمليات المتطرفين الذين قاموا بالتنسيق مع خلايا إرهابية وتواصلوا مع مجموعات متطرفة وتولوا إدارة تحركات إرهابية من داخل السجن.
وفي الأشهر الأخيرة، نجحت الأجهزة الأمنية في اعتقال العديد من الأشخاص الذين كانت قد جندتهم منظمات متطرفة لتنفيذ أعمال إرهابية، بمن فيهم «أسامة عنتر» الذي كان يعمل بالنيابة عن «داعش»، وفق المصدر السلفي. وقد ورد اسم الشيخ طارق الخياط في نفس الاشتباه، فضلا عن الشيخ أبو آدم الذي ينتمي بحسب المسؤول العسكري إلى عائلة إبراهيم، والذي عمد إلى تلقين الفكر المتشدد للخيال ومرعيان، وهي معلومة نفتها مصادر عائلة إبراهيم.
من ناحية ثانية، أكدت العديد من المراجع الأمنية أن الخيال ومرعيان لم يكونا متعمقين في الدين الإسلامي.. «فخيال يتحدر من أسرة طيبة كما كان والده مخبرا لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية»، وفق المسؤول العسكري. وقد أعربت والدة الانتحاري الشاب غادة في حديث إلى «الشرق الأوسط» عن صدمتها بعد اكتشاف تورط ابنها في تفجير جبل محسن، قائلة «كان ابني لطيفا، وكان سلوكه طبيعيا تماما قبل وفاته، إلا أنه بدأ بالصلاة ولكن لم يعتنق أيا من الأفكار المتطرفة». وفي السياق نفسه، أوردت مصادر في منطقة المنكوبين أن مرعيان لم يكن متشددا، وكان يشرب الكحول، وهي عادة مستهجنة ومحرمة في مجتمع مسلم محافظ.
وبعد تفجير جبل محسن ضربت القوى الأمنية طوقا مشددا على منطقة المنكوبين، وقامت بعدد من المداهمات والاعتقالات، مما قد يهدد باندلاع موجة جديدة من العنف في مدينة طرابلس. كما طالت حملات الاعتقال في الآونة الأخيرة عشرات من الشبان السوريين الذين يشتبه في تورطهم بهجمات إرهابية في لبنان، بحسب المسؤول العسكري. إضافة إلى ذلك، تمكنت قوى الجيش من توقيف المواطن بسام حسام نابوش في محلة «المنكوبين» للاشتباه به في محاولة تفجير نفسه، فضلا عن شخصين آخرين أوقفا على حاجز وادي حميد في عرسال. غير أن مصادر من منطقة المنكوبين نفت الاتهامات بحق نابوش، وأكدت أنه عمره لا يتعدى 17 عاما ولم يكن يحمل أي نوع من الأسلحة.
وعمد الجيش اللبناني أيضا إلى تفكيك عبوة ناسفة زنة 30 كغم على طريق قبة مجدليا في طرابلس. وتأتي هذه العبوة في إطار «التهديدات اليومية» التي تتلقاها القوى الأمنية والتي لا يمكن تجنبها بالكامل، وفق المصدر العسكري. والجدير ذكره أن هيكلية الجماعات المتطرفة الموجودة في لبنان تختلف عن غيرها من الجماعات، فهي تعتمد خلايا متعددة وتعمل في بعض الأحيان بشكل مستقل أو تتقاسم أحيانا أعضاء مشتركين «على غرار خلايا الشيخ خالد حبلص وعمر ميقاتي»، وفق المسؤول العسكري. كما لا يتم تدريب الانتحاريين بالضرورة في سوريا وفق المصدر العسكري الذي يستبعد أن يكون خيال ومرعيان خضعا للتدريب مع الحركات الراديكالية في القلمون.. «فبضعة أسابيع تكفي أحيانا للتدريب تحت إشراف خبراء في المتفجرات»، على حد قوله.
إن الامتعاض الذي يبديه سكان طرابلس تجاه مراكز القرار السني، وهروب الشخصيات السلفية التقليدية كالشيخ داعي الإسلام الشهال والشيخ بلال دقماق الملاحقين لحيازتهما أسلحة، أضف إلى ذلك قضية الشيخ نبيل رحيم، الشخصية السلفية المعتدلة التي تحظى بتقدير كبير في الأوساط الطرابلسية والذي أمضى ثلاث سنوات في السجن، تؤدي كلها إلى تفاقم الفراغ في الساحة الإسلامية المتشنجة أصلا.. وهو فراغ تحاول الحركات الراديكالية السورية أن تستغله، ومن هنا جاء تبني جبهة النصرة للعملية الانتحارية في جبل محسن، التي «هدفت إلى الانتقام» من الهجمات على جامع التقوى والسلام عام 2013. ومن الواضح أن مصالح جبهة النصرة وتنظيم داعش تتلاقى في طرابلس، مما قد يؤدي إلى محاولات جديدة لزعزعة الوضع الأمني.
وعليه، لا بد من رد أمني حازم لدرء هذا الخطر. فالنجاحات المتلاحقة التي تحققها أجهزة الاستخبارات، وعلى الرغم من أنها تستحق الإشادة والثناء، فإنها تبقى وحدها غير كافية في غياب سياسة فعالة لإنماء الأحياء الفقيرة وتسريع محاكمات العديد من الموقوفين، منعا لزيادة تفشي الآيديولوجيات الراديكالية.

* في سطور
* يعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقهى في جبل محسن، وأسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 37 آخرين، هو الأول من نوعه في طرابلس، وقد نفذه شابان من محلة «المنكوبين» في طرابلس، التي يسيطر عليها الفقر والبطالة، وتعد واحدة من أكثر المناطق المحرومة في المدينة الشمالية.
* اختيار طرابلس، المدينة التي نشأ فيها الانتحاريان لتنفيذ العملية، يشكل سابقة لم نشهدها من قبل رغم مقتل ما يزيد على 10 شبان من طرابلس في عمليات انتحارية في العراق وسوريا، وفق المصدر السلفي.
* مصادر لبنانية أشارت إلى علاقة بين الانتحاريين والموقوفين المتشددين في سجن رومية الموجودين خاصة في المبنى B، الذي بات منذ بداية الحرب في سوريا والعمليات الانتحارية التي لحقت بها مقرا لعمليات المتطرفين الذين قاموا بالتنسيق مع خلايا إرهابية وتواصلوا مع مجموعات متطرفة وتولوا إدارة تحركات إرهابية من داخل السجن.
* بين مايو (أيار) 2007 ومارس (آذار) 2014 وقعت 20 جولة قتال بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن في طرابلس، أوقعت مئات القتلى والجرحى.
* شهد الصراع بين المنطقتين تصعيدا على خلفية النزاع السوري وتأييد الغالبية السنية في لبنان للمعارضة السورية مقابل انحياز الأقلية العلوية التي توجد خصوصا في جبل محسن إلى النظام السوري.
* منذ أكتوبر (تشرين الأول) ينتشر الجيش بكثافة في المدينة وقام بمئات التوقيفات ومنع كل ظهور مسلح، ما أثار ارتياحا في المدينة.

* باحثة زائرة في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».