الحاكمية بين الآيديولوجية ونظام القيم الإسلامية

جامعة محمد الخامس - الرباط
جامعة محمد الخامس - الرباط
TT

الحاكمية بين الآيديولوجية ونظام القيم الإسلامية

جامعة محمد الخامس - الرباط
جامعة محمد الخامس - الرباط

يثير مفهوم الحاكمية، رغم ما راكمه الفكر السياسي من معالم معرفية، وتنظيمية دقيقة، نقاشا حادا في الأطروحات السياسية الإسلامية المعاصرة. ذلك أن تبني مقولة هيمنة حاكمية الله على حاكمية الأمة، وكون خضوع الأمة لقانون غير الشريعة داخلا في إطار الشرك، ووجها من وجوه الجاهلية، أدى إلى تجميد فعالية العقل الجمعي وطبيعة بناء الرؤى التعقلية للوحي، وعلاقتها بتكون الجماعات المسلمة عبر زمن ممتد، وترسيخها لنموذجها القيمي الخاص. كما أن زعم الهيمنة تجاهل كون البناءات المعرفية ترتبط باللحظات التاريخية، وإفرازاتها الاجتماعية، وبالتالي تخضع المفاهيم طبقا لعلم تاريخ الأفكار، والتاريخ المقارن، إلى التغير في الدلالة بتغير أحوال الاجتماع السياسي المنبثق منه العقل المعياري الجمعي. كيف يمكننا إذن إعادة النظر في طرح موضوع الحاكمية، بعيدا عن الرؤية الآيديولوجية، بشكل ينسجم وحق العقل الإسلامي العام في مراجعة بعض أسس الفكر الديني التقليدي والمقلد؟
نود أن نشير بداية إلى أننا ننطلق من مسلمة معرفية تقول إن مفهوم الحاكمية ليس مفهوما متمركزا حول نفسه، بمعنى أنه غير قادر علي تفسير ماهيته دون إسناده لمرجعية أشمل ينتمي إليها؛ يضاف إلى ذلك أن هذا المفهوم متغير الدلالة بتغير الحقول المعرفية التي يستعمل فيها. وهذا كاف لتجاوز ما تطرحه المدرسة التقليدية الإسلامية التي تزعم واحدية الحاكمية وعقديتها هكذا جملة وتفصيلا.
هناك بالطبع تداخل بين العقيدة الإسلامية والسياسة، غير أن ذلك لا يعني حاكمية الأولى على الثانية، ويمكن أن يفهم هذا بالرجوع لنظام القيم باعتباره وحدة للتحليل. فهذا النظام لا يربط نمط العلاقة الأخلاقية بالحكم كنصوص دينية أو سياسية، بل بالقيمة بوصفها تمثلا معنويا ساميا غير قابل للإشباع، مما يفرض السعي الجماعي الدائم إلى تحقيق مقصد القيمة عوضا عن تحقيقها باعتبارها كلمة معنوية مثالية.
ولو رجعنا لفلسفة النص القرآني لوجدنا أن الحاكمية مرتبطة بالسلطة القضائية، لا بالحكم بمعناه السياسي؛ ورغم أن هذا الأخير يدور حول الأفعال بحيث يكون الناس به أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، فإن الحكم، أي السلطة السياسية، يهدف إلى تحقيق مضمون العدالة بوصفها قيمة عليا، بما يجسد حضور عقيدة الإسلام وشريعته وأخلاقه في واقع الحياة غير معزولة عن الدنيا.
ويتبين هنا أن العدالة قيمة حاكمة، ترخي بظلالها على الحكم السياسي وهو يدبر المجال العام المشترك للدولة، بينما العدالة ترتبط أساسا بالجماعة وبالفرد الذي لا يتحقق وجوده إلا في ظل الجماعة التي تمده بالمرجعية المشتركة. وبما أن الوضع في حقيقته على هذا الحال، فإن قيمة العدالة أصل لوجود فرع هو الحكم السياسي؛ ومن الناحية المنهجية والعقلية فإن الفرع لا ينفصل عن أصله، علة ومقصدا، وجودا وعدما.
صحيح كذلك أن التضخم السياسي والتسييس المفرط للإسلام أدى لقلب الحقيقة أعلاه رأسا على عقب؛ مما أنتج تناقضا بين القيم السياسية الإسلامية والفلسفة القرآنية من جهة، وبين حكم الله وسلطة الأمة في المجال السياسي. وظهر ذلك جليا عند المدرسة التقليدية الإسلامية التي تزعم واحدية الحاكمية وعقديتها؛ حيث اتخذ مفهوم الحاكمية بعدا إطلاقيا غير مميز بين الأحكام العبادية المحضة، وغيرها؛ وبذلك تكون هذه المدرسة قد وسعت من مفهوم الحاكمية ليمس كل مجالات حياة البشر، ويدعي أن كل التشريع لله، وأن عقيدة الإسلام وشريعته كل متناسق في شؤون الدين والدنيا. والملاحظ أن التوسع المفهومي هنا خلط بين عدة مستويات ومجالات، منها مجالات العقيدة ومستويات نظام القيم السياسية؛ ووقوع هذا المحظور المنهجي والمعرفي أدى في نهاية المطاف لرفع شعار الحاكمية لله وحده، بشكله الآيديولوجي المتداول، وسهل بالتبع تكفير المسلمين على أساس نظام المفاصلة بين من يقول بالحكم لله، وبين سائر البشر.
والواقع أن هذا الطرح السياسي المهووس بالدين لا ينسجم والرؤية الصحيحة، ذلك أنه عاجز تماما عن الانطلاق من علو ومركزية القيم الإسلامية النهائية، باعتبارها قيما غير قابلة للتجاوز. لذلك نرى الهوس السياسي بالدين يقدم ما يعتبره فرض «أحكام الشريعة»، على نظام القيم، خاصة العدالة (التي أخذناها هنا كوحدة للتحليل)، مما يحول رؤيته الدينية والسياسية إلى تصور ينشر العنف والظلم والاستبداد السياسي.
ولا ينتبه هذا الطرح كذلك إلى أن خبرة الدولة والجماعة عبر تاريخها الإسلامي وهي تشتغل في المجال السياسي، أظهرت أن التشريع يرتبط أولا بإرادة الأمة، وثانيا بالدولة. فالممارسة السياسية للدولة تحولت إلى مشرع ورافد مهم من روافد الشريعة نفسها، وقد صيغ ذلك بطرق متدرجة ومتعددة، تطورت إلى أن وصلت إلى مرتبة النظام القانوني، مما دفع علماء الأمة لاعتبار «الممارسة السياسية لدولة الخلافة الراشدة بمثابة سوابق، فقهية قانونية».
ثم إن المدرسة التقليدية الإسلامية التي تزعم واحدية الحاكمية وعقديتها تطرح الإجماع باعتباره مصدرا من مصادر التشريع، وهذا ما يجعلها في «حرج شرعي»، حيث إن إجماع العلماء في الشأن الديني متعذر، والحصول على اتفاق أغلب العلماء في مسائل مخصوصة هو القابل للتحقيق. أما في المجال السياسي فليس هناك ما يمكن تسميته «إجماع القلة».
لأن رأي جمهور المسلمين من حيث ارتباطه بمنظومة القيم الإسلامية أعلى مكانة من أي إجماع (نقصد هنا الأغلبية) آخر في المجال السياسي عن غيره، لأنه يمثل الرأي العام وإرادته ومنظوره الطوعي تجاه القضايا المطروحة للتداول العام دينية كانت أم سياسية. وبالتالي تصبح إرادة الأمة الطوعية مقدسة وسامية، لأنها سلطة الأمة الحامية للترابط الاجتماعي للجماعة ونظام قيمها السياسية والحضارية.
عموما، يمكن القول إنه إذا كانت القاعدة المعروفة تقليديا تفيد بأن التشريع خاص بإرادة الله؛ فإن للأمة خبرة تاريخية مشاركة بفعالية في ذلك. وهكذا يمكننا أن نتجاوز المفهوم الجامد للحاكمية والشريعة، وأن نفسح المجال أكثر لتدخل العقل البشري الجمعي لتدبير أمور الحياة السياسية.. التي تركتها الشريعة منطقة عفو وفراغ في كثير من أحكامها وأمورها، لما تتسم به من دينامية، لم يكن من شأن الشريعة متابعتها نظرا لطبيعتها التغَيُّرية. ويمكن التأكيد كذلك أن ما يشرعه المجتمع عبر مؤسساته كالبرلمان، في موضوع معين، هو بمثابة شريعة جماعية لا تنتهك حرمتها ولا يمكن تجاوزها إلا بإعادة تكون إرادة طوعية جماعية جديدة، تعدل أو تلغي ما توصلت إليه الأولى.
وعليه يمكن القول كذلك إن حاكمية الله في شؤون الدين التعبدية مصدرية ومرجعية في الوقت نفسه، وليست مهيمنة على الحاكمية السياسية للأمة؛ ذلك أن الحاكمية ليست صفة ينفرد بها الله تعالى، بل هي حق وجودي للأمة الإسلامية لا ينفك عنها من حيث طبيعة رسالتها التبليغية للدين؛ ومن حيث كيفية تنظيمها لاجتماعها السياسي القائم على العدل والشورى والحرية. وبالتالي فإن حاكمية الأمة في الشأن السياسي هي أعلى مصدر للتشريع ما دامت هذه سلطة وحكم الأمة، وتعبيرا طوعيا عن إرادتها؛ وهذا يضمن لها صياغة منظور حضاري يعيش ويتطور بمنظومة قيم نهائية غير قابلة للتجاوز مهما اشتدت الظروف وتوالت النكسات.

* جامعة محمد الخامس - الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».