عون يطرح مقايضة «الثلث الضامن» بإعطائه وزارتي الداخلية والعدل

TT

عون يطرح مقايضة «الثلث الضامن» بإعطائه وزارتي الداخلية والعدل

قالت مصادر نيابية مطلعة، إن رئيس الجمهورية ميشال عون، وبدعم من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، أوحى بأنه على استعداد للتخلي عن مطالبته بالحصول على «الثلث الضامن» في الحكومة، في مقابل أن يسمي من سيشغل وزارتي الداخلية والعدل، وهذا ما استدعى من «حزب الله» التحرك في محاولة منه لجس نبض الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، الذي لم يتردد - حسب أوساط مقربة منه - في رفض اقتراحه لقطع الطريق على استدراجه للدخول في مقايضة من شأنها أن تؤدي إلى تجويف المبادرة الفرنسية من مضامينها.
وكشفت المصادر النيابية لـ«الشرق الأوسط»، أن المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل، كان التقى بعيداً عن الأضواء عون وباسيل اللذين أبلغاه بطريقة غير مباشرة عدم تمسكهما بـ«الثلث الضامن»، شرط أن يوافق الحريري على أن يعيد النظر في توزيع الحقائب على الطوائف، بما يدفع باتجاه إسنادها إلى أشخاص لديهم انتماءات سياسية.
وأكدت أن اقتراح عون - باسيل في هذا الخصوص جاء استباقاً للزيارة الثالثة التي كان يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، القيام بها للبنان قبل أن يصرف النظر عنها لدواعٍ صحية، وقالت إن تلويحهما بتخليهما عن «الثلث الضامن» يمكن أن يخفف الضغط عليهما، وإظهارهما بأنهما يرغبان بتسهيل مهمة ماكرون، وإبعاد الشبهة عنهما بوقوفهما وراء تأخير ولادة الحكومة.
ومع أن المصادر النيابية ترفض الدخول في التفاصيل لجهة رصد ردود الفعل على اقتراح عون - باسيل، قالت في المقابل إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري آثر عدم التعليق على اقتراحهما، بذريعة أنه ليس مضطراً لإبداء رأيه في اقتراح لم يتسلمه، وبقي في حدود التداول به بعيداً عن الأضواء، فيما تردد أن الحريري ليس في وارد الموافقة عليه.
كما أن المصادر نفسها لم تجزم ما إذا كان خليل التقى الرئيس المكلف، أو تولى إيصال الاقتراح بالمراسلة. وتوقفت أمام قول البطريرك الماروني بشارة الراعي، بعد زيارته أمس لرئيس الجمهورية بأنه لم يلمس منه تمسكه بـ«الثلث الضامن»، وقالت إن قوله هذا يؤكد أن لديه استعداداً للدخول في مقايضة يريد من خلالها الحصول على ثمن سياسي يقضي بالتسليم له بتسمية وزيري الداخلية والعدل، مع أنه يدرك سلفاً أن هناك استحالة في حصوله على «الثلث الضامن».
واعتبرت هذه المصادر بأن عون بتنازله عن المطالبة بـ«الثلث الضامن» يبيع الحريري بموقف «من كيسه» لوجود معارضة تتجاوز الأخير إلى القوى السياسية باستثناء «حزب الله»، الذي يراعي حليفه إلى أقصى الحدود، وليس في وارد الضغط عليه، وقالت إن هناك صعوبة تعترض تسويق اقتراحه، وتعزو السبب إلى أن عون، وإن كان على استعداد للتخلي عن هذا الثلث، فإنه يضمن الحصول عليه من خلال حليفه الذي يقف إلى جانبه، ولا يود التفريط بتحالفه معه.
وقالت إن عون - باسيل سيحصلان من خلال «حزب الله» على «الثلث الضامن»، وهذا ما يفسر إصرار الحريري على أن تتشكل الحكومة من اختصاصيين ومستقلين من غير الحزبيين لمنع أي طرف من الإمساك بـ«الثلث الضامن»، خصوصاً من قبل التيار السياسي المدعوم من عون بعد أن استخدمه في الحكومات السابقة لشل قدرة الحكومة على الإنتاجية، وصولاً إلى تعطيل جلسات مجلس الوزراء.
وكشفت أن اقتراح عون - باسيل ليس بريئاً، وقالت إن الأخير يتحسب من خلال تشكيل الحكومة إلى أي حدث طارئ يمكن أن يعطل إجراء الانتخابات النيابية للمجيء بمجلس نيابي جديد من أولى مهامه انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً لعون بعد انتهاء ولايته الرئاسية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022. وبالتالي قد ينسحب هذا التعطيل ما يؤدي إلى تعذر انتخاب الرئيس في حال أن هناك استحالة تقف عائقاً أمام التمديد للبرلمان الحالي.
وقالت إن باسيل يريد الاحتفاظ مباشرة أو بواسطة حلفائه بـ«الثلث الضامن» وبالحقائب التي تتيح له الإمساك بالقرار الأمني ليكون في وسعه التهديد باستخدام حق النقض الذي يؤدي إلى تعطيل جلسات مجلس الوزراء ما لم يؤخذ بشروطه، خصوصاً أن السلطة تنتقل فوراً إلى مجلس الوزراء مجتمعاً لملء الفراغ المترتب على خلو سدة الرئاسة الأولى.
واعتبرت أن باسيل يتعامل مع تشكيل الحكومة في حال أُزيلت العقبات التي تعترض ولادتها على أنها قد تعمر طويلاً، ولا تُعتبر مستقيلة إذا تعذر انتخاب رئيس جديد، واستحال أيضاً إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده، وقالت إن هذه المخاوف حيال إقحام البلد في فراغ مديد تبقى مشروعة، وهي تلتقي مع مخاوف مماثلة لدى عدد من الدول الأوروبية.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الشرق الأوسط»، أن الدول الأوروبية تتوجس منذ الآن من تعذر انتخاب برلمان جديد ورئيس يخلف عون، وبدأت تتحضر لمواجهة كل الاحتمالات في حال تعطيل المؤسسات الدستورية، وبالتالي ما زالت تراهن على المبادرة الفرنسية، وتتعامل معها على أنها الوحيدة القادرة على إعادة إنتاج السلطة لمنع لبنان من الانزلاق نحو المجهول.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.