كتلة الأصوات اللاتينية باتت حاسمة في الحسابات الانتخابية الأميركية

وسط انقسام غير مسبوق في المشهد السياسي

كتلة الأصوات اللاتينية باتت حاسمة في الحسابات الانتخابية الأميركية
TT

كتلة الأصوات اللاتينية باتت حاسمة في الحسابات الانتخابية الأميركية

كتلة الأصوات اللاتينية باتت حاسمة في الحسابات الانتخابية الأميركية

منذ مطالع هذا القرن لم يعد التمدّد الكثيف للحالة «اللاتينية» (أو الهسبانيكية) في الولايات المتحدة الأميركية مقصوراً على المدن الكبرى، مثل نيويورك ولوس أنجليس وميامي حيث تتعايش اللغتان الإنجليزية والإسبانية تقريباً على قدم المساواة، بل أصبحت هذه الحالة متغلغلة في العمق الأميركي أيضاً. إذ بات مألوفاً أن نرى جاليات المهاجرين من بلدان أميركا اللاتينية تتردّد على المدارس والكنائس الخاصة بها، وتُصدر صحافتها وتدير إذاعاتها وقنواتها التلفزيونية باللغة الإسبانية.
وكانت التقديرات الديمغرافية تشير منذ سنوات إلى أن المتحدرين من أصول لاتينية لن يلبثوا أن يصبحوا الأقليّة الأكثر عدداً، كما حصل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي شارك فيها أكثر من 32 مليون لاتيني، يشكّلون 13.3 في المائة من مجموع الناخبين، علماً بأن العدد الإجمالي للجالية اللاتينية يزيد على 60 مليوناً.
في انتخابات العام 2016 الرئاسية، استطاع المرشح (ثم الرئيس) الجمهوري دونالد ترمب، بفضل اقتراحه الشهير بناء جدار فاصل على الحدود مع المكسيك، استنهاض مشاعر الناخبين البيض الذين منحوه فوزاً ثميناً، ولو بفارق ضئيل في عدد من الولايات الحاسمة. وكان من الطبيعي، بعد الهجوم الذي شنّه ترمب على الجاليات اللاتينية في تلك الحملة الانتخابية، والأهمية المتزايدة لهذه الجاليات في المشهد الانتخابي، أن يركّز المعسكران الجمهوري والديمقراطي في حملتيهما على استقطاب هذه المجموعة السكانية التي صوّتت لصالح هيلاري كلينتون بنسبة 66 في المائة في انتخابات العام 2016.
وحقاً، كان الديمقراطيون قد بنوا استراتيجيتهم الانتخابية في المعركة الانتخابية مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت على تحقيق 4 أهداف رئيسة، هي دفع الناخبين إلى المشاركة بنسبة عالية، وتقليص الفارق الحالي لصالح الجمهوريين بين البيض، والحصول على أعلى نسبة ممكنة من أصوات السود، والحؤول دون حصول ترمب على نسبة أكبر من الأصوات اللاتينية من تلك التي نالها في الانتخابات السابقة.
جرت العادة في الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال العقود القليلة الماضية أن تنحصر المعركة حول «الصوت اللاتيني» في ولايتي فلوريدا وتكساس، إلا أنه مع ازدياد عدد الناخبين المتحدرين من أصول لاتينية في عموم الولايات، ولا سيما مدنها الكبرى، اتسعت حلبة المعركة لتشمل ولايات أخرى، مثل ويسكونسن وأريزونا ونورث كارولينا وبنسلفانيا.
وما حصل أنه بعكس معظم التوقعات تمكن ترمب من تجديد فوزه في فلوريدا، ليس فقط بفضل احتفاظ الجمهوريين كالعادة بأصوات المقاطعات الشمالية الريفية ذات الأغلبية البيضاء، بل لنجاح ترمب في اللعب على حبال الخوف والتطلعات في صفوف المتحدرين من أصول كوبية وفنزويلية وكولومبية في جنوب الولاية ووسطها. كذلك استطاع ترمب أن يكرّر الفوز في تكساس، وإن كان بفارق أقل من الانتخابات السابقة. وفي المقابل، خسر في الولايات الأخرى التي كان الصوت اللاتيني فيها حاسماً، إذ لم يحصل سوى على 32 في المائة من مجموع الناخبين المتحدرين من أصول لاتينية، مقابل 65 في المائة لمنافسه الديمقراطي جو بايدن.

اللاتينيون تجاوزوا السود
بعدما تجاوز عدد الناخبين اللاتينيين عدد الناخبين السود (الأفروأميركيين) لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، بات من المؤكد أن تشتدّ المنافسة أكثر في المستقبل على استقطاب هذه الكتلة الناخبة التي بات يطلَق عليها مُسمّى «العملاق النائم». والحال أن التقديرات الديمغرافية الأميركية تشير راهناً إلى أن نسبة النمو السكاني بين اللاتينيين تكاد تضاعف نسبة النمو عند السود مرتين. ومن ثم، يُتوقع أن تغدو الكتلة العرقية الأولى في الولايات المتحدة بحلول العام 2050 إذا استمر نموها بالوتيرة الحالية، إذ يزيد عدد الناخبين في صفوفها بمقدار مليون ناخب كل سنة.
من ناحية أخرى، في حين يشكّل الناخبون السود، أو الأفروأميركيون، كتلة واحدة متجانسة يسهل تحديد نزعاتها السياسية، تتوزّع الأصوات اللاتينية على مشارب وهواجس مختلفة بين ساحة رحبة، انتماءاتها تتوزّع كالآتي؛ 59 في المائة من المكسيكيين، و14 في المائة من البورتوريكيين، و5 في المائة من الكوبيين، و22 في المائة من بلدان أميركا اللاتينية الأخرى. يضاف إلى ذلك أن 75 في المائة من اللاتينيين ليسوا من المهاجرين الجدد، بل هم ولدوا في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن اهتماماتهم وشواغلهم لا تختلف كثيراً عن تلك التي تساور أي مواطن أميركي آخر. ولقد دلّت الاستطلاعات في أوساط الجاليات اللاتينية على أن اهتماماتها تتدرّج في الأولويات من أزمة «كوفيد 19» إلى التأمين الصحي وفرص العمل والرواتب، قبل مشكلات الهجرة وقضايا العدالة الاجتماعية.

ضآلة مشاركتهم السياسية
كذلك، تفيد الدراسات الإحصائية التي أجريت في الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي أن نسبة مشاركة اللاتينيين في الانتخابات كانت دائماً دون مشاركة المجموعات العرقية الأخرى. فبينما يشارك البيض والسود بنسبة تتجاوز عادة 60 في المائة، لا تزيد مشاركة اللاتينيين على 48 في المائة.
وكانت حملة بايدن الانتخابية قد أعربت عن قلقها من تدنّي نسبة إقبال اللاتينيين على المشاركة في الانتخابات المسبقة عبر البريد قبل 4 أيام من موعد الانتخابات مقارنة بالناخبين البيض والسود. وعليه، صعّدت أنشطتها لتعبئتهم، خاصة في الولايات، التي يمكن لأصواتهم أن ترجّح كفّة الفوز فيها، مثل فلوريدا وأريزونا وبنسلفانيا. وفعلاً، أثمرت جهود المعسكر الديمقراطي في الشوط الأخير من الحملة الانتخابية لتعبئة الناخبين اللاتينيين بما يكفي للفوز في عدد من الولايات التي تسمّى «متأرجحة»، لكن الديمقراطيين عجزوا عن قلب المعادلة التقليدية في تكساس، كما عادوا، واصطدموا بحاجز الكتلة الكوبية والفنزويلية اليمينية في ولاية فلوريدا... حيث تصوّت عادة لصالح المعسكر الجمهوري، وضد كل الذين تصفهم بـ«التقدميين».
الجدير بالذكر أن المعسكرين الجمهوري والديمقراطي كانا يسعيان منذ سنوات إلى إرساء استراتيجيات بعيدة الأمد لاستقطاب الصوت اللاتيني الذي سيصبح عاملاً أساسياً في ترجيح كفة الانتخابات، والذي تتشعّب ميوله وفقاً للمنشأ الذي يتحدّر منه وظروفه التاريخية والاجتماعية. وإذا كان التاريخ المشترك من حيث العبودية والعنصرية والتمييز هو الذي يجمع بين الناخبين السود، فإن دوافع الهجرة اللاتينية تختلف باختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية في بلدان المنشأ، وأيضاً بتنوّع الثقافات والتجارب السياسية، الأمر الذي يقتضي تنويع الخطاب السياسي الذي يستهدف استقطاب الصوت اللاتيني لترجيح الكفة في الانتخابات.
وفق الدراسات، فإن 60 في المائة من اللاتينيين هم دون سن الـ33 من العمر، و40 في المائة من الناخبين دون الـ30، وغالبية هؤلاء لا تتابع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التقليدية باللغة الإسبانية. ولذا لجأ الديمقراطيون والجمهوريون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه رسائلهم الانتخابية باللغة الإسبانية، مستخدمين لهجات ولكنات مختلفة حسب المناطق الجغرافية، مثل اللكنة الكوبية في الرسائل الموجهة إلى فلوريدا، أو اللكنة المكسيكية في تلك الموجهة إلى أريزونا.

خطاب لكل معسكر
حملة بايدن الموجّهة إلى الناخب اللاتيني ركّزت على تشبيه منافسه دونالد ترمب بـ«الحكام المستبدّين» الذين تعاقبوا على السلطة في بلدان أميركا اللاتينية، ونجحت في استقطاب عدد من مشاهير الأغنية والسينما المتحدرين من أصول لاتينية. وفي المقابل، ركّز الجمهوريون في حملتهم على وصف ترمب للديمقراطيين بـ«الاشتراكيين»... وعلى إحدى مقولات بايدن بأنه في حال انتخابه سيكون «أحد أكثر الرؤساء تقدميّة في تاريخ الولايات المتحدة»، مرفقين بصوره في رسائلهم الدعائية صوراً للزعيم الكوبي الراحل فيديل كاسترو والزعيمين الفنزويليين اليساريين السابق والحالي أوغو تشافيز ونيكولاس مادورو. بل إن ترمب جال في ولاية فلوريدا إبّان حملته الانتخابية تحت شعار «مناضلون ضد الاشتراكية»، مؤكداً أنه طالما هو في البيت الأبيض لن يسمح بأن تصبح الولايات المتحدة «دولة اشتراكية».
هذا، ومن أصل 60 مليون أميركي لاتيني يعيش في الولايات المتحدة، يقيم 8 ملايين في ولاية كاليفورنيا التي تجمع أكبر عدد من «الأصوات الناخبة» بين الولايات الأميركية. ويصوّت اللاتينيون عادة في هذه الولاية لصالح الديمقراطيين، فمثلاً، حصل بيل كلينتون على 73 في المائة من أصواتهم في انتخابات العام 1996. غير أن نسبة إقبال هؤلاء على الاقتراع تبقى متدنية، ولم تتجاوز أبداً 47 في المائة. ويقول باحثون إن فوز دونالد ترمب في انتخابات العام 2016 وحصوله على 33 في المائة من أصوات الناخبين اللاتينيين رغم ما صدر عنه من انتقادات وشتائم في حقهم - حيث وصفهم مراراً بأنهم «مجموعات من القتلة والمغتصبين» - دفع بالديمقراطيين إلى إعادة نظر جذرية في استراتيجيتهم لاستقطاب الصوت اللاتيني.
وبعدما كان الديمقراطيون يراهنون طوال سنوات على النمو الديمغرافي، ويعتبرون أن الصوت اللاتيني المتنامي بمعدل مليون ناخب إضافي كل سنة سيصبّ في غالبيته الساحقة لصالحهم على غرار الصوت الأسود، استفاقوا على واقع مختلف. إذ اكتشفوا أن الصوت اللاتيني يخضع، هو أيضاً، لمعادلات التشرذم والتأرجح التي يخضع لها الصوت الأبيض.
وفعلاً، تفيد بعض الاستطلاعات أنهم ليسوا بقلّة بين الناخبين اللاتينيين أولئك الذين يؤيدون خطاب ترمب المتطرف في موضوع الهجرة، وهذا من باب الحرص على مصالحهم والخشية من تدهور أوضاعهم بسبب المنافسة. يضاف إلى ذلك أن المتحدرين من أصول لاتينية هم في الغالب من المتديّنين الذين تجذبهم السياسات الاجتماعية المحافظة، وبخاصة، تلك التي تسير اليوم في ركب الكنيسة «الإنجيلية الجديدة» (الإيفانجيليكالز) واسعة النفوذ في صفوفهم. وكانت النجمة اللاتينية الصاعدة في صفوف الحزب الديمقراطي آلكسندريا أوكاسيو - كورتيز، وهي نائبة يسارية متحمّسة عن ولاية نيويورك في مجلس النواب الأميركي، قد انتقدت سياسة الحزب تجاه الناخبين اللاتينيين، وقالت: «لا أعتقد أن حزبنا قام يوماً بعمل جدّي في هذا المجال. ولا أدري كيف تقبل مجموعات الأقليات السكانية بهذا الاهتمام الموسمي العابر الذي ينتهي بمجرد إقفال صناديق الاقتراع». أيضاً، انتقدت شخصيات ديمقراطية أخرى حملة بايدن «البطيئة والمتأخرة» لاستقطاب الصوت اللاتيني، مع أنها في نهاية المطاف أنفقت مبلغاً قياسياً على الإعلانات المرئية والمسموعة باللغة الإسبانية، بلغت 20 مليون دولار أميركي، مقابل 9 ملايين دولار أنفقتها حملة ترمب.

لا ضمانات لأحد
في هذا الاتجاه، اعترف بعض الذين أشرفوا على حملة بايدن الانتخابية بالتقصير في التواصل والتفاعل مع الجاليات المتحدّرة من أصول لاتينية في تكساس وفلوريدا. ودعا هؤلاء إلى الإسراع في معالجة هذا التقصير وإرساء استراتيجية بعيدة الأمد في ضوء الفارق الضئيل الذي أعطى الفوز للحزب الجمهوري في هاتين الولايتين المهمتين، مقابل فوز الحزب الديمقراطي في ولايات أخرى بفضل الصوت اللاتيني.
مثلاً، تقول ماريسا فرنكو، الناشطة اللاتينية البارزة في الحزب الديمقراطي التي كانت المديرة التنفيذية لحملة بيرني ساندرز في الانتخابات الأولية: «إن تأييدنا لبايدن هو تأييد لخصمنا وليس لانتخاب مخلّص لنا. نريد للحزب الديمقراطي أن يقترب أكثر من الطبقة العاملة والمهاجرين والأقليات العرقية حيث يوجد مفتاح النصر في المستقبل، وحيث يجب أن تبدأ الحلول للمشكلات الأساسية التي يعاني منها مجتمعنا». ودعت فرنكو للتنبه إلى التباين العميق في المنازع السياسية للمتحدّرين من أصول لاتينية، التي تتراوح من الناخبين المحافظين المتديّنين في فلوريدا الذين يؤيدون ترمب... إلى الشباب «التقدميين» المتحدرين من أصول مكسيكية في أريزونا الذين كانوا يترددون حتى في تأييد بايدن. إلا أن فرنكو شدّدت، في الوقت ذاته، على ضرورة «ترسيخ هوية سياسية لاتينية» ترى فيها السبيل الوحيد لكي يحصل اللاتينيون على الاهتمام المطّرد بأوضاعهم.
وهنا يوضح مايك لوبيز، الخبير في معهد البحوث اللاتينية التابع لجامعة واشنطن، أن «الجاليات المتحدرة من أصول لاتينية كانت تعيش تقليدياً في مناطق لا تشكّل ميداناً للصراع السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين في الانتخابات. بمعنى أنها مناطق تكاد النتائج محسومة سلفاً فيها لأحد الحزبين... لكن بعدما تضاعف عدد الناخبين اللاتينيين منذ مطلع هذا القرن، وازديادهم بمعدل مليون ناخب جديد كل عام، أدركت الأحزاب مدى أهمية هذه الكتلة الانتخابية في مستقبل المشهد السياسي الأميركي، وأخذت تضع استراتيجيات للتعامل معها واستقطابها».

الصوت اللاتيني: تنوّع متعدّد الخلفيات... واتجاهه غير مضمون مستقبلاً
> مع تزايد اهتمام الأحزاب السياسية الأميركية بالصوت اللاتيني (الهسبانيكي) الذي بات يلعب دوراً وازناً في الانتخابات الرئاسية كما في انتخابات حكّام الولايات وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، اندفعت الجاليات اللاتينية إلى تأسيس جمعيات وتنظيمات لتعزيز حضورها وزيادة نفوذها في المشهد السياسي الأميركي. ويأتي هذا التطور مع بلوغ الانقسام السياسي في الولايات المتحدة مستوى غير مسبوق في أعقاب الحملتين الأخيرتين من الانتخابات الرئاسية عام 2016 و2020.
وإذ يتوقع المراقبون مزيداً من الانقسام السياسي والاجتماعي في البلاد، أو أن يستمر الوضع على ما هو عليه من توتر في أحسن الأحوال، بات تشكيل معالم المشهد السياسي الأميركي في المستقبل محكوماً بدور الأقليات العرقية التي يشكّل اللاتينيون بينها القوة الصاعدة الأولى. ويجمع المحلِّلون على أن توجّهات الصوت اللاتيني، على أهميته في حسم المعارك الانتخابية في المستقبل، ستبقى خاضعة لمعادلة المنشأ الجغرافي التي يحكمها الموروث السياسي ودوافع الهجرة الأولى، كما دلّت على ذلك الانتخابات الرئاسية الثلاث الأخيرة.
عام 2016 فاز دونالد ترمب بفارق بسيط (أكثر بقليل من 100 ألف صوت من أصل 9 ملايين صوت تقريباً) في ولاية فلوريدا التي كان يتوقع فوزاً ساحقاً فيها بعدما مال الصوت اللاتيني في مدينة ميامي وضواحيها لصالح منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. لكنه بعد 4 سنوات تمكّن من الفوز بفارق مريح (نحو 375 ألف صوت) في هذه الولاية التي تعتبر الأكثر تقلّباً بين الولايات الأميركية، ولقد عزز فوزه بفضل أصوات الناخبين المتحدرين من أصول كوبية وفنزويلية وكولومبية.
لكن في المقلب الآخر، كانت ولاية أريزونا، التي تصوّت عادة لصالح المرشح الجمهوري، تنضمّ إلى قافلة الولايات «الديمقراطية» بفضل التحالف الذي يتشكّل منذ سنوات بين المناطق الحضرية والريفية التي يتكاثر فيها عدد المتحدرين من أصول لاتينية. أما في الولايات المصنّفة «تقدمية»، مثل كاليفورنيا وكولورادو ونيو مكسيكو، فقد ثبّت الديمقراطيون مواقعهم بفضل ازدياد الدعم اللاتيني، يقابل ذلك استمرار تكساس على «جمهوريتها» لكن مع تضاؤل الفارق بين الحزبين.
هنا، يتضح من تحليل نتائج الانتخابات الأخيرة أن اتجاه الصوت اللاتيني يتأثر بنوع الجنس والفئة العمرية وبلد المنشأ... من تشيلي إلى المكسيك، مروراً بنيكاراغوا. وهو يتأثر كذلك بالديانة وفترة الإقامة في الولايات المتحدة. أما السمة الوحيدة المشتركة في هذه المجموعة المتنوعة فهي كونها تشكّل أكبر مجموعات الشباب دون الثلاثين من العمر في الولايات المتحدة. مع الإشارة إلى أن محللين يرون أن على الديمقراطيين ألا «يناموا على حرير» تأييد غالبية الناخبين اللاتينيين لهم في هذه الانتخابات وتلك التي سبقتها. إذ يعتقد هؤلاء أن نسبة عالية من الأصوات اللاتينية كانت ضد شخص دونالد ترمب وتصريحاته الاستفزازية أكثر منها تأييداً لخط الحزب الديمقراطي.

شخصيات «لاتينية» بارزة حالياً
> مجلس الشيوخ:
السيناتور الجمهوري تيد كروز (تكساس - من أصل كوبي)، والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو (فلوريدا - من أصل كوبي)، والسيناتور الديمقراطي بوب مينينديز (نيو جيرسي - من أصل كوبي)، والسيناتورة الديمقراطية كاترين كورتيز ماستو (نيفادا - من أصل مكسيكي)، يضاف إليهم السيناتور المنتخب حديثاً بن راي لوهان، وهو ديمقراطي من أصل مكسيكي فاز في انتخابات ولاية نيو مكسيكو.

> حكام الولايات:
الحاكمة ميشيل لوهان غريشام، وهي ديمقراطية من أصل مكسيكي، تتولى منصب حاكم ولاية نيومكسيكو منذ مطلع 2019. خلفاً لحاكمة لاتينية أخرى، هي سوزانا مارتينيز.
> المحكمة العليا للولايات المتحدة:
القاضية سونيا سوتومايور (من أصل بورتوريكي)، وهي أول قاضية من أصل لاتيني تعيّن في هذه المحكمة.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.