إيلي معلوف: شريحة كبرى لا تستغني عن مسلسلات الشاشة الصغيرة

المخرج اللبناني قال إنه لا يسير عكس التيار بإنتاج أعمال درامية طويلة

مسلسل «رصيف الغرباء» يُعرض حالياً على شاشة «إل بي سي آي»
مسلسل «رصيف الغرباء» يُعرض حالياً على شاشة «إل بي سي آي»
TT

إيلي معلوف: شريحة كبرى لا تستغني عن مسلسلات الشاشة الصغيرة

مسلسل «رصيف الغرباء» يُعرض حالياً على شاشة «إل بي سي آي»
مسلسل «رصيف الغرباء» يُعرض حالياً على شاشة «إل بي سي آي»

قال المخرج اللبناني إيلي معلوف إن الشاشة الصغيرة لا يزال لها موقعها المهم، وإنها تملك قاعدة شعبية لا يُستهان بها. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لسنا على مسافة من انتهاء عصر التلفزيون. هناك شريحة لا يُستهان بها من الناس تجد صعوبة في الانفصال عنه والتوجه إلى المنصات الإلكترونية، خصوصاً أن لبنان لا يقدم خدمة جيدة في عالم الإنترنت؛ فهذه الأخيرة تلعب دورها الكبير في الانتشار، ولكن استخدامها يبقى محدوداً بالنسبة لجيل مخضرم». ولكن هل يكتفي إيلي معلوف بالانتشار المحلي؟ يرد: «بالطبع لا، فمَن منا لا يحب الانتشار الأكبر لأعماله؟! ولكني من المخرجين القلائل المتمسكين بإنتاج أعمال لبنانية من دون تلوينها بأي عنصر خارجي. إننا ننتج المسلسل المحلي، ونراهن على نجاحه، لأننا متمسكون بجودة النص وبفريق فني نثق بقدراته. ونحرص على عدم تلوينه بعناصر فنية غير محلية». وعن الكتّاب الذين يتعاون معهم ويجيدون تأليف الدراما الزمنية يقول: «كان الراحل مروان العبد واحداً من الكتاب الذين يبرعون في تأليف المسلسلات الزمنية. اليوم أتعامل مع طوني شمعون وزينة عبد الرزاق».
وعما إذا كان يسير عكس التيار من خلال إنتاجه أعمالاً درامية يتجاوز عدد حلقاتها 100 في حين أن النزعة الرائجة اليوم تتمثل في إنتاجات قصيرة، يردّ: «لا أعتبر نفسي أمشي عكس التيار، وبرأيي أن شريحة كبيرة من المشاهدين تحبّ هذا النوع من الأعمال. وهو ما لمسناه عن قرب في أعمال سابقة كـ(كل الحب كل الغرام) و(ياسمينا). وفي إنتاجات سابقة كنا بدأنا نتجه فيها إلى عدد حلقات طويلة كـ(الأرملة والشيطان) و(عندما يبكي التراب) وغيرهما لاحظنا الأمر نفسه. ولعل أرقام نسب المشاهدة العالية التي تحصدها هذه الأعمال، هو ما يدفعنا إلى التمسك بها. وعندما حققنا 30 نقطة في (كل الحب كل الغرام)، وهي أعلى نسبة مشاهدة لمسلسل درامي، لم نتأثر بأعمال عربية وتركية كانت تُعرَض بالمقابل وفي التوقيت ذاته».
ويعرض حالياً على شاشة «إل بي سي آي» مسلسل «رصيف الغرباء». وهو من كتابة طوني شمعون وإنتاج وإخراج إيلي معلوف، ويتألّف من نحو 140 حلقة ويحكي عن حقبة زمنية تمتد من منتصف الأربعينات لغاية أوائل السبعينات. واستطاع هذا العمل جذب انتباه المشاهد اللبناني وتحقيقه النجاح منذ حلقاته الأولى.
العمل درامي تاريخي يروي حقبتين من الزمن، ويلقي الضوء على الفقر والإقطاع والصراع على النفوذ، ويعيد إلى الذاكرة بساطة حياة القرية.
ويعلّق معلوف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يُعد هذا العمل من بين الأطول في عالمنا العربي، ويختزن الكثير من المجريات والأحداث الشيقة. وسيتابع المشاهد من خلاله عملاً متكاملاً ذا نص محبوك بشكل جيّد، لا سيما أنه استطاع شدّ المشاهد منذ بداياته».
رسائل اجتماعية عديدة والعودة إلى بيروت أيام العزّ، إضافة إلى محتوى غني بمحطات تؤّرخ للمجتمع اللبناني، يتضمنها مسلسل «رصيف الغرباء». وهو من بطولة فادي إبراهيم ورهف عبد الله وكارمن لبس وعمار شلق ونخبة من الممثلين اللبنانيين.
ويعدّ إيلي معلوف من المخرجين اللبنانيين القلائل الذين لا يزالون يخصصون للأعمال الدرامية الزمنية إنتاجات ضخمة، في ظل انتشار الدراما الحديثة التي تنقل وقائع نعيشها اليوم. ويقول في هذا الإطار: «لستُ أنا من فرض هذا النوع من الأعمال على الناس، بل هم من يطالبون به. فهناك حنين دفين في قلوب اللبنانيين إلى حقبة لبنان الأصالة وأيام الزمن الجميل، عندما كان منارة الشرق والغرب. كما أن هناك جيلاً من الشباب يجهل أي شيء عن تلك الحقبة، ولديه الحشرية ليتعرّف إليها ويكتشف خصوصيتها. ففي تلك الفترات لم يكن (موبايل) ولا (إنترنت) ولا أي من مظاهر العصر الحديث موجوداً. وهو ما يحمس هؤلاء الشباب إلى معرفة أسلوب عيش يسمعون عنه فقط. فنحن في الدراما الزمنية نرضي جيلاً مخضرماً من ناحية، وندعو، من ناحية أخرى جيلاً آخر، إلى متابعة تجربة درامية لا تشبه غيرها».
وعن التحسينات التي أحرزها في إنتاجاته وإخراجه للدراما الزمنية يقول: «الجميع يتطور ويتقدم بفعل تراكم التجارب التي يخوضها وأنا منهم. والإخراج برأيي هو كتلة أحاسيس يترجمها المخرج في عمل درامي يصنعه. فلقد جاهدت وعملت بكدّ كي أتطور ولا زلت أتعلّم الجديد كي أقدم المنتج الأفضل. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النص الدرامي يلعب دوراً أساسياً في عمل المخرج ويحفّزه على توسيع أفكاره وتطويرها. أنا شخصياً أحضر للعمل لفترة طويلة تسرق مني نحو السنتين من التجهيز للنص. وهو ما يمتعني بأساس صلب أنطلق منه إلى العمل الإخراجي. فأرسم من خلاله تغليفة العمل وتفاصيله وعملية تصويره. وهو أسلوب أميركي معروف أحب تطبيقه في أعمالي».
يتعاون إيلي معلوف في مسلسله الجديد مع الممثل فادي إبراهيم الذي سبق وشارك معه في أكثر من عمل. ويوضح: «برأيي لا بديل عن فادي إبراهيم في العمل الدرامي اللبناني، وهو نجم لن يتكرر. باستطاعته تقمص الشخصية التي يلعبها ويحوطها بكل ما يلزمها من عناصر لإبرازها وإقناع المشاهد بأدائه فيها».
ويرى معلوف أن إدارة المخرج للممثلين تمثّل لبّ العمل الناجح. «مهما علا شأنهم واختبروا من التجارب تبقى لعين المخرج وقعها عليهم، لا سيما أنه بمثابة المشاهد الأول للعمل».
صوّر «رصيف الغرباء» في عدد من المناطق اللبنانية بينها الشوف وبرمانا والبترون وغيرها. ويعلّق معلوف: «اختيار مواقع التصوير لمسلسل زمني مشكلة نواجهها باستمرار مع عدم إيجاد الأمكنة المناسبة لحقبة تاريخية. ونضطر أحياناً إلى بناء ديكورات تناسب مجريات القصة. ولذلك نضطر إلى التوجه لأطراف المناطق البعيدة، التي لا تزال تحتفظ بمشهدية أصيلة. هذا العامل ينتج عنه تأخير في التصوير كي نبلغ في كل مرة الموقع المقصود. كما أن المسلسلات الزمنية تتطلّب إضافة إلى مواقع التصوير خطوط أزياء وتصاميم وديكورات وإكسسوارات تخدمها».
يتحدث إيلي معلوف عن سبب تأخير تصوير وعرض هذا المسلسل، «رصيف الغرباء»، الذي بدأ فيه منذ نحو السنتين. «هناك ظروف كثيرة لعبت ضدنا، بدءاً من قيام الثورة مروراً بحالات الإقفال التام وانتشار جائحة (كورونا). كان يجب أن يعرض العمل قبل ستة أشهر ولكن في ظل هذه الظروف التي ذكرتها تأخرنا».
ومن الأعمال الجديدة التي يحضّر لإنتاجها «الزيتونة»، وهو أيضاً يحكي عن حقبة تاريخية لبيروت. «هو مسلسل يحكي عن هذه المنطقة التي لاقت شهرة واسعة في الماضي فكانت تشكل معلماً سياحياً معروفاً في لبنان. وهو من كتابة طوني شمعون ويعالج بطريقة ذكية محطات جميلة من تلك الحقبة. فيحرّك عندنا الشعور بالحنين ويزودنا بأجواء تلك الفترة الزمنية بقلم سليم. ومن أبطال العمل فادي إبراهيم وأحمد الزين وجو صادر. وبعد نحو 20 يوماً نبدأ في تصوير (الزمن الضائع) من إخراج ماريان صفير. ونحضّر لمسلسلين آخرين بعنوان (أسماء من الماضي) و(الاتجاه الخاطئ)».



إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
TT

إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})

لا يمكنك أن تتفرّج على كليب أغنية «حبّك متل بيروت» للفنانة إليسا من دون أن تؤثر بك تفاصيله. فمخرج العمل إيلي فهد وضع روحه فيه كما يذكر لـ«الشرق الأوسط»، ترجم كل عشقه للعاصمة بمشهديات تلامس القلوب. أشعل نار الحنين عند المغتربين عن وطنهم. كما عرّف من يجهلها على القيمة الإنسانية التي تحملها بيروت، فصنع عملاً يتألّف من خلطة حب جياشة لمدينة صغيرة بمساحتها وكبيرة بخصوصيتها.

ويقول في سياق حديثه: «أعتقد أن المدن هي من تصنع أهلها، فتعكس جماليتهم أو العكس. الأمر لا يتعلّق بمشهدية جغرافية أو بحفنة من العمارات والأبنية. المدينة هي مرآة ناسها. وحاولت في الكليب إبراز هذه المعاني الحقيقية».

تلعب إليسا في نهاية الكليب دور الأم لابنتها {بيروت} (حساب فهد إيلي على {إنستغرام})

من اللحظات الأولى للكليب عندما تنزل إليسا من سلالم عمارة قديمة في بيروت يبدأ مشوار المشاهد مع العاصمة. لعلّ تركيز فهد على تفاصيل دقيقة تزيح الرماد من فوق الجمر، فيبدأ الشوق يتحرّك في أعماقك، وما يكمل هذه المشهدية هو أداء إليسا العفوي، تعاملت مع موضوع العمل بتلقائية لافتة، وبدت بالفعل ابنة وفيّة لمدينتها، تسير في أزقتها وتسلّم على سكانها، وتتوقف لبرهة عند كل محطة فيها لتستمتع بمذاق اللحظة.

نقل فهد جملة مشاهد تؤلّف ذكرياته مع بيروت. وعندما تسأله «الشرق الأوسط» كيف استطاع سرد كل هذه التفاصيل في مدة لا تزيد على 5 دقائق، يرد: «حبي لبيروت تفوّق على الوقت القليل الذي كان متاحاً لي لتنفيذ الكليب. وما أن استمعت للأغنية حتى كانت الفكرة قد ولدت عندي. شعرت وكأنه فرصة لا يجب أن تمر مرور الكرام. أفرغت فيه كل ما يخالجني من مشاعر تجاه مدينتي».

من كواليس التصوير وتبدو إليسا ومخرج العمل أثناء مشاهدتهما إحدى اللقطات من الكليب (فهد إيلي)

يروي إيلي فهد قصة عشقه لبيروت منذ انتقاله من القرية إلى المدينة. «كنت في الثامنة من عمري عندما راودني حلم الإخراج. وكانت بيروت هي مصدر إلهامي. أول مرة حطّت قدمي على أرض المدينة أدركت أني ولدت مغرماً بها. عملت نادلاً في أحد المطاعم وأنا في الـ18 من عمري. كنت أراقب تفاصيل المدينة وسكانها من نوافذ المحل. ذكرياتي كثيرة في مدينة كنت أقطع عدداً من شوارعها كي أصل إلى مكان عملي. عرفت كيف يستيقظ أهاليها وكيف يبتسمون ويحزنون ويتعاونون. وهذا الكليب أعتبره تحية مني إلى بيروت انتظرتها طويلاً».

لفت ايلي فهد شخصية إليسا العفوية (حسابه على {إنستغرام})

يصف إيلي فهد إليسا بالمرأة الذكية وصاحبة الإحساس المرهف. وهو ما أدّى إلى نجاح العمل ورواجه بسرعة. «هذا الحب الذي نكنّه سوياً لبيروت كان واضحاً. صحيح أنه التعاون الأول بيني وبينها، ولكن أفكارنا كانت منسجمة. وارتأيت أن أترجم هذا الحبّ بصرياً، ولكن بأسلوب جديد كي أحرز الفرق. موضوع المدينة جرى تناوله بكثرة، فحاولت تجديده على طريقتي».

تبدو إليسا في الكليب لطيفة وقريبة إلى القلب وسعيدة بمدينتها وناسها. ويعلّق فهد: «كان يهمني إبراز صفاتها هذه لأنها حقيقية عندها. فالناس لا تحبها عن عبث، بل لأنها تشعر بصدق أحاسيسها». ويضعنا فهد لاشعورياً في مصاف المدن الصغيرة الدافئة بعيداً عن تلك الكبيرة الباردة. ويوضح: «كلما كبرت المدن خفت وهجها وازدادت برودتها. ومن خلال تفاصيل أدرجتها في الكليب، برزت أهمية مدينتي العابقة بالحب».

لقطة من كليب أغنية "حبّك متل بيروت" الذي وقعه إيلي فهد (حسابه على {إنستغرام})

كتب الأغنية الإعلامي جان نخول ولحّنها مع محمد بشار. وحمّلها بدوره قصة حب لا تشبه غيرها. ويقول فهد: «لقد استمتعت في عملي مع هذا الفريق ولفتتني إليسا بتصرفاتها. فكانت حتى بعد انتهائها من تصوير لقطة ما تكمل حديثها مع صاحب المخبز. وتتسامر مع بائع الأسطوانات الغنائية القديمة المصنوعة من الأسفلت». ويتابع: «كان بإمكاني إضافة تفاصيل أكثر على هذا العمل. فقصص بيروت لا يمكن اختزالها بكليب. لقد خزّنت الكثير منها في عقلي الباطني لاشعورياً. وأدركت ذلك بعد قراءتي لتعليقات الناس حول العمل».

في نهاية الكليب نشاهد إليسا تمثّل دور الأم. فتنادي ابنتها الحاملة اسم بيروت. ويوضح فهد: «الفكرة هذه تعود لإليسا، فلطالما تمنت بأن ترزق بفتاة وتطلق عليها هذا الاسم». ويختم إيلي فهد متحدثاً عن أهمية هذه المحطة الفنية في مشواره: «لا شك أنها فرصة حلوة لوّنت مشواري. وقد جرت في الوقت المناسب مع أنها كانت تراودني من قبل كثيراً».