قبل 11 سنة، قاد شبان مغاربة «حركة 20 فبراير» المستلهمة من روح «ثورة الياسمين» في تونس، و«ثورة ساحة التحرير» في مصر، لإحداث أحد أبرز التغييرات السياسية، التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة.
كان الرأي العام المغربي وقتها يتابع بمزيج من القلق والحماس خروج المظاهرات في تونس، وهروب الرئيس زين العابدين بن علي إلى خارج البلاد في 14 يناير (كانون الثاني) 2011. وعلى غرار انتقال عدوى التظاهر إلى مصر وليبيا، وصلت الشرارة إلى المغرب، فظهرت فجأة دعوات عفوية للخروج للتظاهر في مختلف المدن المغربية، قادها شبان قاموا بداية بتسجيل فيديوهات، جرى بثها على شبكة الإنترنت تدعو للاحتجاج السلمي للمطالبة بالإصلاحات. كانوا شبانا عاديين متحمسين للتغيير.
في البداية، توجست الأحزاب السياسية من هذه الدعوات «مجهولة الأهداف»، والمدفوعة بالحماس، فقررت أخذ مسافة تجاهها. لكن عندما نشر هؤلاء الشباب أول بيان لهم قبيل الاحتجاجات في 17 من يناير، بدأت الصورة تتضح لأن سقف المطالب المرفوعة لا يصل إلى حد المطالبة بتغيير النظام كما وقع في تونس ومصر وليبيا، بل كانت مطالب سياسية عادية.
في 20 من فبراير، كان التجاوب الشعبي غير متوقع، حيث خرج مئات الآلاف من الشباب في 54 مدينة وقرية بطريقة عفوية، وتعاملت السلطات الأمنية بحنكة وهدوء معهم، وظلت قوات الأمن تراقب المسيرات في مختلف المدن في ذلك اليوم، وترددت الشعارات ذاتها في مختلف المظاهرات، واللافتات نفسها من قبيل محاربة الفساد والاستبداد، وفصل السلطة عن الثروة، والمطالبة بدستور جديد.
ومر هذا اليوم دون أن تُسجّل أحداث عنف أو تخريب، باستثناء حادث عرضي أسفر عن مقتل خمسة احتراقاً داخل وكالة بنكية في مدينة الحسيمة (شمال).
ولم يتأخر رد العاهل المغربي الملك محمد السادس كثيراً على المطالب المرفوعة، حين أعلن في خطاب 9 مارس (آذار) عن استجابة سريعة لمختلف المطالب، حيث أعلن عن إصلاحات دستورية «عميقة»، وتشكيل لجنة استشارية للإشراف على تعديل الدستور، ولجنة سياسية للتشاور مع الأحزاب ومختلف التنظيمات والهيئات. وفي الأول من يوليو (تموز) 2011 أُجري استفتاء على الدستور الجديد، وحظي بتصويت أزيد من 98 في المائة، ونص لأول مرة على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يحل أولاً في الانتخابات، ومنحت صلاحيات جديدة لرئيس الحكومة. كما تمت تقوية صلاحيات البرلمان، وجرى الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد إلى جانب العربية. وباشر العاهل المغربي، إضافة إلى ذلك، إصلاحات مؤسساتية تتعلق بمحاربة الفساد، وضبط المنافسة في المجال الاقتصادي.
في 25 من أكتوبر (تشرين الأول) من السنة ذاتها، جرى إجراء انتخابات سابقة لأوانها، استجابة لمطلب حل الحكومة والبرلمان، وضمنت السلطات تنظيمها في أجواء تطبعها النزاهة والشفافية، وأفرزت لأول مرة صعود حزب العدالة والتنمية (مرجعية إسلامية)، الذي فاز بـ102 مقعد من أصل 395 مقعداً في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، وعين العاهل المغربي إثر ذلك عبد الإله ابن كيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية، رئيساً للحكومة، وجرى تشكيل حكومة ائتلافية من أربعة أحزاب، وسادت الحياة السياسية أجواء من الانفتاح السياسي والحقوقي، وهذه التطورات المتسارعة أدت إلى خفوت صوت «حركة 20 فبراير»، رغم أن أنصارها من التنظيمات اليسارية وجماعة العدل والإحسان الإسلامية، واصلوا الدعوة للاحتجاج. لكن الشارع سرعان ما استعاد هدوءه، في حين تراجع زخم «حركة 20 فبراير» بمرور السنوات.
وفيما حصلت ارتدادات الربيع العربي في مصر وليبيا وسوريا، فإن المغرب عرف حالة استثناء، حين أدت الانتخابات التشريعية، التي نظمت في أكتوبر 2016، إلى تجديد الثقة في حزب العدالة والتنمية ليفوز بالمرتبة الأولى، ويحصل على 125 مقعداً، وتولى سعد الدين العثماني تشكيل الحكومة، بعدما تعذر على سابقه ابن كيران التوافق مع الأحزاب السياسية لتشكيلها.
المغرب: «حركة 20 فبراير»... تجربة أفرزت تغييرات سياسية بارزة
المغرب: «حركة 20 فبراير»... تجربة أفرزت تغييرات سياسية بارزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة