المعارضة تهاجم رئيس الحكومة التونسية وتطالبه بـ«الاعتذار»

إثر تصريح ربط فيه بين الهجرة غير النظامية والإرهاب

الرئيس هشام المشيشي (إ.ب.أ)
الرئيس هشام المشيشي (إ.ب.أ)
TT

المعارضة تهاجم رئيس الحكومة التونسية وتطالبه بـ«الاعتذار»

الرئيس هشام المشيشي (إ.ب.أ)
الرئيس هشام المشيشي (إ.ب.أ)

هاجمت مجموعة من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية، وبعض أحزاب المعارضة، تصريح رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، الذي ربط فيه بين الهجرة غير النظامية والإرهاب.
واعتبر حزب «التيار الديمقراطي» أن تصريح المشيشي على قناة «فرنسا 24» الفرنسية «مشين»، ودعا رئيس الحكومة إلى الاعتذار عن «هذا التصريح الصادم لما فيه من تغذية للوصم، الذي يعاني منه عدد من التونسيين في الخارج، ومن إضفاء للشرعية على أطروحات اليمين الأوروبي المتطرف».
من جانبه، قال المنجي الرحوي، رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد)، إن تصريح رئيس الحكومة «عجيب وغريب وغير مسؤول»، معتبراً أن كلام المشيشي «يعكس مؤشراً سيئاً للمستوى السياسي الذي تعيشه الساحة في تونس». وقال إن عائلات تونسية بأكملها قامت بهجرات غير نظامية «بسبب انسداد أفق العيش الكريم في تونس، ولذلك عليه الاعتذار لتلك العائلات»، على حد تعبيره.
بدوره، استنكر المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية (منظمة مستقلة) تصريح المشيشي بقوله: «لقد ربط رئيس الحكومة بين الهجرة غير النظامية والإرهاب، ما يؤكد قصور الفهم وانعدام التجربة وضعف الاستشارة، وعدم التمكن من الملفات بشكل يسيء إلى صورة التونسيين». وقال عبد الرحمن الهذيلي، رئيس المنتدى، لـ«الشرق الأوسط» إن مثل هذه التصريحات «تؤكد عزلة الحكومة عن واقع أبناء تونس وآمالهم وانتظاراتهم». موضحاً أن يأس المواطنين من إصلاح الأوضاع هو الذي يدفعهم إلى الهجرة غير النظامية.
وبخصوص استمرار الاحتجاجات المطالبة بالتنمية والتشغيل، أكد الهذيلي أن كل المؤشرات تدل على أن الانفجار الاجتماعي «متواصل»، معتبراً أن الحكومة «لا تزال في وادٍ، وقضايا وهموم الشعب التونسي في وادٍ آخر»، وأن هذه الاحتجاجات «هي نتيجة فشل الحكومات المتعاقبة، ونتيجة استمرار الحكومات المتعاقبة في اعتماد نفس منوال التنمية الفاشل».
على صعيد غير متصل، انتقد «الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) تأخر الرئيس قيس سعيد في الرد عن «مبادرة الحوار السياسي» الموجهة إليه، قائلاً: «مضى أكثر من أسبوعين على توصله (قيس) بتلك المبادرة دون أن يطرأ جديد، وموقف رئيس الدولة ما زال غامضاً، رغم أن وضع تونس لا يحتمل الانتظار، والأوضاع تتجه إلى مزيد من التعقيد، وفي حال تواصل ذلك فإن الإنقاذ يصبح صعباً للغاية».
وفي هذا الشأن، قال سامي الطاهري، المتحدث باسم اتحاد الشغل، إن رئيس الجمهورية لم يتفاعل بعد مع النداء الذي توجهت به إليه الهيئة الإدارية للاتحاد، مشيراً إلى أن الرد «تأخر كثيراً، وفي حال بقاء الوضع كما هو، وعدم تلقي إجابة واضحة، فسيصبح من الضروري عندها البحث عن حلول أخرى لإنقاذ البلاد، وتفادي تأزم الأوضاع أكثر حتى لا يصبح الإنقاذ صعباً، ويصبح إيجاد حلول للمعضلات التي تولدت عن التأخير عملية صعبة أيضاً».
وبشأن تعدد المبادرات السياسية، أكد الطاهري سيطرة شعور لدى التونسيين بأن الجميع «بات يتسابق في طرح المبادرات، وهذا التسابق يمكن اعتباره غير مبرر، إذ إن الهدف هو إغراق المشهد بالمبادرات، لكن هذا من شأنه أن يخلق نوعاً من الإرباك والتشويش».
أما بخصوص مبادرة رئيس الحكومة عبر الدعوة إلى حوار اقتصادي واجتماعي، فقد أوضح الطاهري أن «الاتحاد» لا يقبل بحوار «معزول عن الوضع السياسي في تونس، وإذا كان هناك حوار شامل وجامع فإن «الاتحاد» يرحب بذلك. إما إذا كان مجزءاً، ويفصل بين الملفات فإن موقفه سيكون الرفض»، مشيراً إلى أنه كان يتوجب على الحكومة أن تطرح برنامجاً تفصيلياً، وتعرضه على جميع الأطراف الفاعلة، إذا كانت تبحث عن حوار اقتصادي واجتماعي بالفعل.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.