«الطبيعة المحطمة»... رسالة مختلطة للتصميمات الصديقة للبيئة

متحف الفن الحديث في نيويورك يقدم رسالة إيجابية ولكن متجره يدعو للاستهلاك

عرضت أنتونيلي أعمال «الطبيعة المحطمة» للمرة الأولى في 2019 في ميلانو (نيويورك تايمز)
عرضت أنتونيلي أعمال «الطبيعة المحطمة» للمرة الأولى في 2019 في ميلانو (نيويورك تايمز)
TT

«الطبيعة المحطمة»... رسالة مختلطة للتصميمات الصديقة للبيئة

عرضت أنتونيلي أعمال «الطبيعة المحطمة» للمرة الأولى في 2019 في ميلانو (نيويورك تايمز)
عرضت أنتونيلي أعمال «الطبيعة المحطمة» للمرة الأولى في 2019 في ميلانو (نيويورك تايمز)

يقع متجر التصميمات التابع لمتحف الفن الحديث على الجانب الجنوبي من شارع 53 في ولاية نيويورك، وذلك بعيداً عن المتاجر الفاخرة الموجودة في الجادة الخامسة (أغلى شوارع العالم التجارية)، ويتم تكريس متجر التصميمات هذا لإضافة المزيد من المنتجات الرائعة إلى الإمداد الهائل من السلع التي تزخر بها منازلنا وكوكبنا.
ويقع متحف الفن الحديث نفسه على الطريق الرئيسي، حيث تطل نوافذ إحدى صالات العرض على المتجر، وتستضيف هذه الصالة المطلة على الشارع، والتي تبدو بحجم محلات البيع بالتجزئة تقريباً، معرضاً باسم «الطبيعة المحطمة»، وهو معرض مخصص لمفهوم «التصميم الترميمي»، أي الأشياء والمشاريع التي تأمل في علاج العالم الذي دمره البشر لدرجة أنه أصبح أقل ملاءمة للعيش فيه.
وصحيح أن موضوع المعرض نفسه رائع، ولكن هناك مشكلة لا يبدو أن «الطبيعة المحطمة» قد يتمكن من تفاديها، وذلك ربما لأنه يظهر تصميمات صديقة للبيئة فقط تقريباً، فالزائر يعبر من متجر متحف الفن الحديث إلى المعرض، ثم يذهب من المعرض إلى المتجر، ولكنه لن يحتاج كثيراً إلى تغيير نظرته إلى المكانين، فكلاهما مليء بالأشياء الأنيقة التي تفرح العين وتدغدغ العقل، وكلاهما يستخدم جماليات حديثة لبيع الأشياء التي يريدون منا أن نشتريها والأفكار التي يريدون منا شراءها، حيث يبدو أن كلاهما مستعد للدفع ضد ميولنا الاستهلاكية التي يبدو أنها انجذبت بالفعل لمنتجاتهم.
وقد قامت المنسقة الأولى في قسم الهندسة المعمارية والتصميم في متحف الفن الحديث، باولا أنتونيلي، ببناء معرضها حول فكرة أن البشر بحاجة إلى دفع «تعويضات» بيئية للكوكب الذي ظل لفترة طويلة مستعبداً من قبل احتياجاتنا قصيرة الأجل، وأنه يمكن للمصممين المساعدة في سداد هذه التعويضات، ومع ذلك، فإن عدداً من العناصر الموجودة في معرض «الطبيعة المحطمة» بالكاد يستطيع سداد بضعة قروش في حصيلة التعويضات الخاصة بالطبيعة.
ويعرض المعرض أطباق الأنيما ذات الأشكال الهندسية الأنيقة للمصمم الياباني كوسوكي أراكي، وهي مصنوعة من مادة سوداء لامعة تشبه السيراميك الأنيق والحديث الذي ابتكره جوشيا ويدغوود في ستينات القرن التاسع عشر، وفاز بحقوق ملكيته ليكون أول مبتكر في مجموعة متحف الفن الحديث، وتعمل أطباق أراكي على تحديث أطباق ويدغوود من خلال إعادة تدويرها من مخلفات الطعام.
كما يتم عرض الكؤوس والأواني من تصميم المصممين الهولنديين إريك كلارينبيك ومارتي دروس وهي قطع جميلة وشفافة بأشكال تشبه التصميمات الحديثة التي صممها ألفار آلتو في منتصف القرن، وهي مصنوعة من النباتات، والطحالب الخالية من البترول، والسكريات.
كما يتم عرض كراسي الألمنيوم من تصميم المصممين البريطاني ألكساندر غروفز والياباني أزوسا موراكامي، والتي تم تصنيعها في شوارع ساو باولو بالبرازيل باستخدام أفران منخفضة التقنية على عجلات، ومن المفترض أن تسمح هذه الكراسي لهواة جمع العلب الصفيح في المدينة بتحويل ما يجمعونه لأماكن جلوس جميلة مستوحاة من النباتات كما أنها تبدو رائعة للاستخدام في أي مطبخ حديث.
وبفضل تصميمها الجذاب وكونها تصميمات صديقة للبيئة، فإنني سأسرع في عبور الشارع لشراء مثل هذه الأشياء الموجودة في متجر متحف الفن الحديث، وفي ظل هذا العام الذي شهد انتشار وباء فيروس «كورونا» المستجد، كان الكثير منا من المقيمين في المنازل حريصين على جعل منازلنا تبدو جميلة ومريحة قدر الإمكان، وأنا بالتأكيد أرى جاذبية وهدفا نبيلا في التصاميم التي تسمح لنا بالقيام بهذا الأمر بأقل ضرر يلحق بالكوكب، ولكن شهوتنا تجاه شراء مثل هذه التصاميم الصديقة للكوكب تعني أن هذه الأشياء، في أعماقها، ليست ملتزمة بحل المشكلة الأساسية التي تهدد مستقبلنا، وهي أن عددا كبيرا جداً من البشر يريدون المزيد من الأشياء ووسائل الراحة والملذات التي لا يمكن أن يوفرها لنا الكوكب دون أن ينهار، والرسالة التي ترسلها هذه الأشياء، فقط بحكم كونها مرغوبة للغاية، هي أن الطمع في حد ذاته هو خطيئة يكاد يكون من الصعب علينا مقاومتها، ويرسلون رسالة خاطئة مفادها أن جنسنا البشري يمكن أن يخرج من مأزقه الوجودي ببساطة عن طريق التوق إلى المزيد من السلع الصديقة للأرض.
وحتى المشاريع الموجودة في معرض «الطبيعة المحطمة»، والتي لا تقدم سلعاً قابلة للشراء هي غالباً ما يتم بناؤها حول نفس الجماليات التي تجعل السلع الحديثة تبدو مغرية للشراء للغاية، وفي بعض الأحيان يكون هذا عرضياً تقريباً، كما هو الحال في هيكل الشعاب المرجانية الصناعي الذي تم تصميمه بواسطة آليكس غود، والذي من المفترض ألا يراه أي شخص سوى الأسماك، ولكن لديه ترتيب هندسي معين من شأنه أن يرضي الأشخاص الأكثر صعوبة في إرضائهم.
وفي حالات أخرى، يبدو أن الجماليات الحديثة قد تفوقت على الرسالة الأعمق للمشروع، حيث تقدم شركة بريطانية تدعى «دون آند رابي» مجموعة من المنتجات الخيالية والبعيدة كل البُعد عن الهدف المقصود: تسمى «Foragers» أي (الحيوان أو الشخص الذي يبحث عن الطعام والمؤن)، وهي عبارة عن جهاز يمكن ارتداؤه يسمح للبشر بأكل السليلوز الذي تتغذى عليه الحيوانات الأخرى، وبالتالي فهو يحررنا من الزراعة ومن اللحوم المصنعة، وصحيح أن هذه رؤية مثالية تقنية رائعة، ومع ذلك فإن الدعائم التي تمثل تلك المعدات الخيالية كلها مصنوعة بدقة من البلاستيك الأخضر اللامع، يشبه خط الإنتاج التالي من المكانس الكهربائية التابعة لشركة دايسون، ولكن يبدو أن أفكار شركة «دون آند رابي» لطيفة وجديدة مما جعلها موجودة مباشرة في متجر متحف الفن الحديث.
وفي 2020 فإنه من الصعب أن نتخيل موضوعاً أكثر قيمة لأي معرض من قضية مصير كوكبنا، وقد وضع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وهو شخص بالكاد يهتم بالبيئة، القضايا البيئية في قلب خطط حملته الرئاسية، ولكن مع معرض «الطبيعة المحطمة» فإن استثمار متحف الفن الحديث في مثل هذه القضايا يبدو أقل من اللازم، فلم يكن سيكون من الغريب رؤية السيدة أنتونيلي وهي تُمنح طابقاً كاملاً (المتحف بأكمله) للنظر في مستقبل البشرية على كوكبنا، ولكن بدلاً من ذلك، كان على المعرض أن يتعامل مع مساحة أصغر حتى من مساحة المتجر الذي يطل عليه، وذلك رغم أنها كانت بمثابة ميزة للمعرض، حيث تم السماح للمتسوقين في الحي بالدخول إلى الطابق الأرضي لمتحف الفن الحديث، ومعرض التصميم الخاص به، دون دفع رسوم الدخول.
وقد أطلقت السيدة أنتونيلي معرضها لأول مرة في 2019 في ميلانو، حيث كان معرضاً في منطقة مترامية الأطراف قام بعرض 100 عمل فني كامل، ولكن هنا في نيويورك، كان عليها الاكتفاء بـ16 مشروعاً فقط للعرض في المعرض، بالإضافة إلى 20 مشاركة أخرى من خلال شاشات الفيديو، وانطلاقاً من تجربتها الممتازة في معرض ميلانو الناجح، فإنه كان على السيدة أنتونيلي استبعاد العديد من المشروعات والعروض الأكثر طموحاً وتحدياً والأقل تركيزاً على المنتج، ومنها طقم جلوس من تصميم مارتينو غامبر، الذي تم تجميعه معاً من أجزاء الكراسي المهملة وغير المتطابقة بشكل كبير، حيث يقترح المصمم شكلاً يبدو مناسبا تماماً لكوكبنا المليء بالندوب.
وعلى عكس تلك المقاعد الأنيقة المصنوعة من العلب الصفيح المهملة، يجبرنا أثاث غامبر على أن نكون على دراية بالقمامة الخاصة بنا، وذلك حتى أثناء تزيننا لها بالشكل الذي أصبحت عليه، وأتصور أن أي شخص يرغب في تزيين منزله باستخدام كرسي غامبر سيظل يقوم بإصلاحه إلى الأبد، وذلك بدلاً من إلقائه مرة أخرى في الشارع ليتمكن لشخص آخر يستطيع الاستفادة منه.
وفي ميلانو، فإنه تم إبعاد كافة أشكال الجماليات بشكل شبه كامل في أباريق الماء التي تم تصميمها بواسطة بيتي بيتزر ويوهان يونكر، وقد أتاحت هذه الأباريق للنساء الأفريقيات القيام برحلات أقل وأسهل إلى البئر، وتقترح هذه التصميمات أنه في لحظات الأزمات، قد يحتاج المصممون في معرض متحف الفن الحديث إلى إفساح المجال للهندسة البحتة وليس للجماليات.
وصحيح أن معرض «الطبيعة المحطمة»، الموجود في متحف الفن الحديث، يبدو وكأنه تقليد قديم يهدف المتحف من خلاله تشجيعنا على تقدير وشراء أفضل التصميمات الحديثة، والتي تتضمن الآن تصميمات «خضراء» أي صديقة للبيئة، لكن المعروضات الموجودة في المتحف لا تفعل ما يكفي لجعلنا نشعر، مع أعمق غرائزنا الجمالية، أن مثل هذا الاستهلاك للمنتجات هو بالضبط ما يجب التغلب عليه لحماية البيئة.
*خدمة «نيويورك تايمز»



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.