«الجاسوس الروائي» جون لو كاريه... مختبر متنقل لاستكشاف تقاطعات العلاقات الإنسانية

أعماله سجلت تأريخ سيكولوجيا البريطانيين وثقافتهم الجمعية

جون لو كاريه
جون لو كاريه
TT

«الجاسوس الروائي» جون لو كاريه... مختبر متنقل لاستكشاف تقاطعات العلاقات الإنسانية

جون لو كاريه
جون لو كاريه

نهاية الأسبوع الماضي غيّب الموت الروائي البريطاني ديفيد كورنويل عن 89 عاماً، والشهير باسم «جون لو كاريه» (مواليد 1931)، والذي يكاد يجمع النقاد على تنصيبه ملكاً لأدب الجاسوسية الإنجليزي، وربما أهم روائي بريطاني منذ منتصف القرن العشرين. وبحسب بيان «بنغوين راندوم هاوس»؛ ناشره، صدر الأحد 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، فإن صاحب رواية «الجاسوس الذي أتى من الصقيع - 1963»، التي أصبحت من كلاسيكيات مرحلة الحرب الباردة، توفي في مستشفى «كورنوال» الملكي نتيجة مضاعفات التهاب رئوي ألمّ به. وقد تقاطرت منذ ذلك الحين عشرات الشهادات من كبار الأدباء والروائيين والناشرين الذين تقاطعوا على تتويجه عملاقاً في أدب الجاسوسية وأحد أهم الروائيين البريطانيين المعاصرين؛ إن لم يكن أهمهم على الإطلاق.
ترك لو كاريه في أكثر من 20 رواية له بصمات لا تنسى على صورة العمل الاستخباراتي البريطاني في المخيال العام داخل بلد مهووس بالجاسوسيّة وقصصها، مسجلاً بأدوات الخيال الأدبي مسار تراجع مكانة بريطانيا في الساحة الدّوليّة بعد الحرب العالميّة الثانية وعقم بيروقراطيتها. وإذا كانت الصورة الغالبة قبله عن مهنة عميل الاستخبارات في وسائل الإعلام الجماهيري مثيرة وبرّاقة نموذجها تلك الشخصيّة التي أبدعها الروائي إيان فليمنغ؛ أي العميل السري رقم «007» جيمس بوند - الأنيق والموهوب وخارق الذكاء والمكرس لخدمة جلالة الملكة والبلد -، وحيث المعارك السريّة تنتهي دائماً بانتصار دولة الخير - بريطانيا - على الأشرار - الروس وبقيّة الطامعين في المملكة -، فإن أعمال لو كاريه قلبت تلك النمذجة الأسطوريّة رأساً على عقب، لتصوّر عمليات الاستخبارات البريطانية أقرب لدوامة من الغموض الأخلاقي المبهم تكون فيها مسائل الصواب والخطأ نسبيّة جداً ومتقاربة جداً، ونادراً ما يُعرف ما إذا كانت غاياتها تبرر الوسائل المستخدمة - هذا على افتراض وضوح الغايات نفسها من حيث المبدأ -، فيما شخصيّة الجاسوس البطل جورج سمايلي - الذي رافقه في روايات عدة أولاها عام 1961 وأخراها 2017 - نقيض مطلق لجيمس بوند: قصير القائمة، مترهل الجسم، قليل الاعتناء بمظهره، يقضي أيّامه وحيداً مفتقداً السعادة ويعيش في فقاعة آيديولوجيّة تحاصره البيروقراطيّة والتقشّف في النفقات العامة والرؤساء العقيمون، فيما عدوّه - شخصيّة العميل الروسي كارلا - تكاد تكونه مع خلاف الموقع الآيديولوجي على الجانب الآخر من الجدار. وقد مثّل هذا الثنائي الاستخباري ولعبة القط والفأر بينهما - دون أن ندرك من منهما أيهما - أفضل نماذج أدب جاسوسيّة فترة الحرب الباردة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وللحقيقة؛ فإن وصف أعمال لو كاريه الروائيّة بـ«أدب الجاسوسيّة» لا يمنحها حقّها بالكامل، فهي كأنها مختبرات متنقلة لاستكشاف تقاطعات العلاقات الإنسانيّة في أعقد صورها هناك حيث تبهت الحدود بين الكذب والحقيقة، والخيانة والحب.
صقلت موهبة لو كاريه في النّظر المعمّق وراء المظاهر الخادعة من تجاربه الحياتيّة المبكّرة سواء لناحية علاقته الصعبة بوالده؛ رونالد كورنويل، ثم التحاقه منذ أيّام دراسته الجامعيّة بالعمل الاستخباراتي البريطاني في قلب أوروبا. فوالده الذي كان شخصيّة كاريزميّة ساحر اللسان اتخذ الاحتيال مهنة وتقلّب وعائلته بين الثّراء الفاحش والفقر المدقع، وتكررت زياراته إلى السجون، وقد فرّت والدة ديفيد بنفسها مع رجل آخر فمنعه من رؤيتها مدعيّاً أنها مرضت وماتت، وكثيراً ما كان جامعو الديّون يطاردونه حيثما ذهب. وقد ساءت علاقتهما أكثر بعدما أصاب الثراء لو كاريه جراء نجاحات كتبه، فحاول والده الحصول منه على المال وتوقفا عن التحدث واكتفى عند وفاته بدفع مصاريف الجنازة دون حضورها. لكن التجربة الأهم كانت 16 عاماً (خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي) قضاها جاسوساً لدى جهاز المخابرات البريطاني بغرفتيه الخارجيّة والداخليّة بعد تجنيده في سويسرا أثناء دراسته اللغة الألمانيّة بجامعة بيرن على يد عميل اتخذ من السفارة البريطانيّة هناك غطاء لعملياته في وسط أوروبا، وقد خدم منها فترة في ألمانيا الغربيّة تحت ستار مهمّة دبلوماسيّة لدى سفارة بلاده.
لكن، هذه التجارب القاسية لم تسجن روح لو كاريه الخلاقة أو خياله الفائر بقدر ما مثّلت له نقاط تأسيس وانطلاق ومصدر مصداقيّة وموثوقيّة لتناول قضايا الخداع البشري المعقدّة في رواياته؛ سواء على الصعيد الشخصي والمهني الاحترافي، وهما جانبان تقاطعا واشتبكا في معظم العناوين التي نشرها. ومن المعروف أنه ابتدع اسم «جون لو كاريه» تمويهاً على اسمه الحقيقي عندما نشر أول ثلاث روايات له بينما كان لا يزال موظفاً لدى الاستخبارات، لكنه استقال في 1964 بعد النجاح الصاعق لـ«الجاسوس الذي أتى من الصقيع»، وتفرّغ من حينها للكتابة والبحث بشكل دائم في مهنة امتدت لأكثر من نصف قرن. وبغير أدب الحرب الباردة - مساحته الأثيرة ومصدر ثروته وشهرته -، تناول لو كاريه لاحقاً مواضيع وثيمات سياسيّة عدّة، مثل الصراع العربي - الإسرائيلي، ومافيات تهريب السلاح، وجبروت شركات الأدوية، كما ممارسات التعذيب التي استخدمتها الأجهزة الاستخبارية الأميركية والبريطانية تحت غطاء مكافحة الإرهاب، جاعلاً من العالم برمته مسرحاً لأحداث روايته من رواندا إلى الشيشان وتركيا، ومن بنما وجزائر البحر الكاريبي إلى جنوب شرقي آسيا.
خبرة لوكاريه الاستخباراتية وبحوثه التحضيريّة المعمقة لموضوعات رواياته سمحت لكتاباته بالخوض في قضايا جدليّة عكست بشكل متزايد - لا سيّما بعد سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة - رؤيته السياسيّة ومواقفه السلبيّة من بعض توجهات حكومة بلاده، لا سيما عند تورّطها في حرب العراق ودور أجهزة الاستخبارات البريطانيّة في تلفيق أدلّة كاذبة عن امتلاك النظام العراقي وقتها أسلحة دمار شامل، ولو كان ذلك أحياناً على حساب شعبيته لدى القراء الإنجليز التقليديين الذين، رغم كل شيء، ما زالوا يضعون استخباراتهم الوطنيّة فوق الشّبهات. كما اشتبك مع الكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي بعدما نشر الأخير آياته الشيطانيّة، عادّاً أنّه «ليس من حق أحد إهانة المشاعر الدينية ونشرها علانية بحجّة حريّة التعبير».
تجنّب لو كاريه شهرة المهرجانات وعلاقات مشهد لندن الأدبي الاجتماعي رغم أن سياسيين وضباط استخبارات حرصوا على الالتقاء به، ومنهم مارغريت ثاتشر رئيسة الوزراء البريطانيّة السابقة التي استبقته على طعام الغداء مرات عدّة، وروبرت مردوخ ملك الصحافة البريطانيّة، كما منحته جامعات بريطانيّة عدّة شهادات فخريّة. وقد منع ناشريه من تقديم أي من رواياته للجوائز الأدبيّة، ورفض رفضاً قاطعاً القبول بألقاب ملكيّة فخرية عادة ما تمنح لكبار الشخصيات البريطانيّة في مختلف المجالات، وماطل في منح باحثين الفرصة للاطلاع على أوراقه الخاصة بغرض كتابة سيرته، لكنه فاجأ الجميع عام 2016 بنشره كتاباً ضمنه قصّة حياته، بينما صدرت روايته الأخيرة «عميل يعدو في الميدان» عام 2019 وهو في الـ88 من عمره محتفظاً بألق نثره المعهود.
ترجمت نتاجاته إلى معظم اللغات الحيّة في العالم - بما فيها العربيّة - كما نقل معظمها إلى السينما والتلفزيون - بعضها مرات عدّة - وشارك في تقديمها ممثلون عالميون؛ بمن فيهم ريتشارد بيرتون، وأليك غينيس، ورالف فينيس، وغاري أولدمان، لكن وجود هؤلاء النجوم لم يمنع اسمه (الأدبي) من الظهور مقدماً في كل بوسترات الأفلام ودعاياتها كما لو كان علامة ضمان للجودة، ولا شكّ في أن مكانته عند القرّاء - كما عند الجواسيس - ستبقى موضعاً للإجلال، وأعماله بمجملها ستكون بمثابة سجّل تأريخ لسيكولوجيا البريطانيين وثقافتهم الجمعيّة خلال السبعين عاماً الأخيرة.



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.