عودة الجدل بشأن «المواعيد غير المقدسة» للانتخابات العراقية

استبعاد الجبوري يعيد ترتيب الخريطة السنية

TT

عودة الجدل بشأن «المواعيد غير المقدسة» للانتخابات العراقية

في واقعة غير مسبوقة أصدر القضاء العراقي قراراً نهائياً غير قابل للطعن باستبعاد نائب وزعيم كتلة في البرلمان الحالي من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في 6 يونيو (حزيران) 2021. فقد أصدرت الهيئة القضائية في محكمة التمييز أمس قراراً غير قابل للطعن بالمصادقة على قرار مجلس مفوضية الانتخابات باستبعاد أحمد عبد الله الجبوري (أبو مازن) من المشاركة في الانتخابات المقبلة. والجبوري زعيم حزب الجماهير الوطنية ورئيس كتلة برلمانية تتألف من 8 نواب في البرلمان الحالي وسبق له أن شغل مناصب كثيرة منها محافظ صلاح الدين ووزير دولة لشؤون المحافظات ويعد من بين أبرز القيادات السنية في محافظة صلاح الدين.
وكان الجبوري شارك في الجبهة العراقية التي تشكلت مؤخراً بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي والتي عملت على إقالة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي وكان يعد مع النجيفي وخميس الخنجر أحد أهم أركان هذه الجبهة قبل أن ينسحب منها الأمر الذي أدى إلى إفشال خططها في إقالة الحلبوسي.
وفي تغريدة له هنأ النائب السابق عن محافظة صلاح الدين مشعان الجبوري الذي يعد منافساً قوياً لأحمد الجبوري أهالي المحافظة بهذا القرار. ففي تغريدة له على موقع «تويتر»، قال الجبوري: «مبروك لأهل صلاح الدين تخلصهم من زعيم عصابة الفساد» على حد قوله. وأضاف مشعان الجبوري أن الهيئة القضائية في محكمة التمييز أصدرت قرارها النهائي غير القابل للطعن بالمصادقة على قرار مجلس مفوضية الانتخابات باستبعاد «أبو مازن» من المشاركة في الانتخابات لإدانته بقضايا فساد، مشيراً إلى أن المحكمة ردت الطعن الذي تقدم به.
وبينما سيترك استبعاد «أبو مازن» من الانتخابات المقبلة تأثيراته على الخريطة السنية في المحافظات الغربية من البلاد بسبب إعادة ترتيب أولوية الزعامات، خصوصاً حيال منافسهم القوي في الأنبار الحلبوسي، فإن الخريطة الشيعية تبدو محكومة بما يمكن أن يسفر عنه الصراع الصامت بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وخصومه داخل البيت الشيعي. ففيما يصر الصدر على الحصول على 100 مقعد في الانتخابات المقبلة في حال جرت في موعدها في يونيو، الذي يؤيده الصدريون، بالإضافة إلى التلويح باحتكارهم هذه المرة منصب رئاسة الوزراء، فإن باقي زعامات البيت الشيعي لا تزال في وارد إعادة النظر في خياراتها وترتيبها من جديد، الأمر الذي بات ينعكس على المواعيد غير المقدسة لإجراء الانتخابات.
الكاظمي سبق أن حدد موعد 6 يونيو لإجراء الانتخابات المبكرة، لكن قوى سياسية نافذة آنذاك دعت إلى انتخابات أبكر، على أن تجرى في الشهر الرابع من العام المقبل. لكن اليوم، وفي ضوء كل هذه المتغيرات والتحولات، وآخرها الأزمة المالية التي يعيشها العراق التي باتت ذريعة لإمكانية تأجيل الانتخابات إلى الشهر العاشر من العام المقبل.
الحكومة على لسان مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات عبد الحسين الهنداوي جددت رغبتها في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. الهنداوي في تصريح له أمس، قال إن «المفوضية العليا تعمل بشكل حثيث، من أجل استكمال البطاقة البايومترية لجميع الناخبين المسجلين في سجلات الناخبين المعتمدة بوزارتي التجارة والتخطيط، والبيانات الرسمية الأخرى»، مؤكداً الثقة بعمل المفوضية في «إكمال العمل خلال الفترة المقبلة». وأضاف أن «هناك تعاقدات مع الشركة المعنية والشركات المتخصصة في مجال البطاقة البايومترية، بمشاركة الأمم المتحدة بكل المقترحات التي تتعلق بنوعية الشركات». وتابع أن «العمل مستمر من أجل توفير التخصيصات المالية للمفوضية»، مبيناً أن «مجلس النواب مهتم بهذه المسألة، وسوف تحسم قريباً». وأوضح أن «هناك عملاً كبيراً فيما يتعلق بدعوة مجلس الأمن للاهتمام بموضوع الرقابة الدولية على الانتخابات، والبحث مستمر، ونحن نشارك مع وزارة الخارجية في إعداد وثائق، لتسهيل هذه المهمة».
من جهته، استبعد الرئيس الأسبق للدائرة الانتخابية في مفوضية الانتخابات مقداد الشريفي إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها الذي أعلنته الحكومة.
وقال الشريفي لـ«الشرق الأوسط» إن «الأسباب الأساسية لعدم إجراء الانتخابات في موعدها هي فنية بلا شك كون المفوضية غير قادرة من الناحية العملية على إجرائها في مثل هذا التاريخ»، مبيناً أن «القوى السياسية تعرف ذلك وقد تم الاتفاق بينها على أن تجرى في 29 من الشهر العاشر من العام المقبل». ولفت الشريفي إلى أن «هناك مطالبات بإجراء انتخابات مجالس المحافظات في نفس يوم الانتخابات العامة، الأمر الذي سيكون صعباً بالنسبة للناخب الذي يتعين عليه الانتخاب مرتين وفي دوائر متعددة وفق القانون الجديد».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.