نساء متورطات في الحياة يبحثن عن السلام النفسي

نرمين يسر تحذر قارئها في مجموعتها «وأنا أصدق ماريا»

نساء متورطات في الحياة يبحثن عن السلام النفسي
TT

نساء متورطات في الحياة يبحثن عن السلام النفسي

نساء متورطات في الحياة يبحثن عن السلام النفسي

حول الوحدة والشعور العارم بالفقد والخذلان اللذين أصبحا يمثلان موضوعاً شائعاً في الكتابات النسائية العربية، تدور المجموعة القصصية «وأنا أصدق ماريا» للكاتبة نرمين يسر، الصادرة حديثاً عن دار «ميريت» بالقاهرة.
تعزف المجموعة على هذا الوتر بإيقاع سردي سلس، وبساطة أسلوبية، تجسد من خلالها تجربة شعورية تبدو مثل سطح ساكن لبحيرة فضية، يجد كثيرات من بنات حواء فيها انعكاساً لمشاعرهن الخفية المضطربة.
يقع الكتاب في 125 صفحة من القطع المتوسط، ويضم 30 قصة، بعضها شديد القصر، يبدو مثل صرخة لنساء مكبوتات أردن في لحظة نادرة من توهج البصيرة أن يسقطن راية الاستسلام البيضاء، ويواجهن مختلف الضغوط التي باتت تحاصرهن من كل اتجاه.
وعلى غير الشائع، تصدِّر المؤلفة كتابها بكلمة مثيرة للانتباه: «مقدمة تحذيرية»؛ محذرة القارئ من أنه لن يجد في هذا العمل قصصاً تثير الرعب على طريقة ستيفن كنج، أو تحمل أجواء الدراما النفسية كما عند تشاك بولانيك، أو تخفي مفاجآت شيقة كما لدى هتشكوك. كل ما تعد الكاتبة قارئها به هو حكايات لبشر عاديين متورطين في جحيم الحياة المعاصرة بتعقيداتها المختلفة، وعليه أن يتعاطف معهم، أو يضرب بالكتاب عرض الحائط!
خيوط من هذا التورط تبرز في قصة «يوميات»؛ حيث نجد أنفسنا أمام بطلة تفشل في استعادة حبها المفقود، وتحت وطأته تعاقر الخمر، وتستسلم تماماً لنوبات الهذيان، وما بين اليقظة والنوم تحكي للحبيب الذي كان عن ذوبان الأعصاب في أحماض الوقت الملحة، عن هبوط الدم في قاع المخ، وإيقاع وخز الشهيق في الصدر.
ترجو طيف حبيبها أن يدعها تحدثه عن الجنون، فمنذ أن تركت مقبرتها الأولى في رحم أمها وهي في حالة انتظار، تفتش في المجهول عن شيء ما قبل أن يحين موعدها في مقبرتها الثانية. وتتساءل الكاتبة في ثنايا السرد: هل يعني هذا أنها تخلت عن كرامتها وهي تستجدي طيف المحبوب لمجرد الإنصات إليها؟ أبداً، فهي كانت وستظل «ملكة تجلس في قفصها الذهبي تراقب الطريق والبشر».
وفي قصة «رشفة 3» تفقد الراوية ثقتها بالبشر، والرجال تحديداً. تبحر بخيالها إلى أبعد من الوجود، فلا أحد يعرف على وجه التحديد سر علاقتها بالقمر وشغفها به، وارتباط حياتها باكتماله واختفائه. تتخيل أنه ذات مرة بعيدة انحنى من سمائه وهبط من عليائه، ليسرق نصف فمها، ويأخذ معه شفتها العليا، ويتركها بشفة وحيدة ونصف فم. تتحول المرأة المكلومة إلى «مستذئبة» جميلة، لا تؤذي إلا نفسها كلما اكتمل القمر وأضرم النار في خلاياها.
في مثل هذه الأجواء المضطربة على مستوى المشاعر والانفعالات والرؤى، يبدو السلام النفسي حلماً بعيد المنال، كما يبدو التصالح مع الذات غاية لا يمكن بلوغها، حتى أن البطلة في قصة «كل الاحتمالات ممهدة» يعز عليها الهدوء حتى في الحلم. إنها تنام هرباً من واقع قاسٍ بحثاً عن لحظة سكينة، وحين تأتي تلك اللحظة لا تهنأ بها أبداً، فثمة امرأة أخرى تقتحم عليها خصوصيتها في الحلم، امرأة تحمل سكيناً لامعاً مستعداً لإطفاء لمعته في جسد أحدهم. تحاول الراوية أن توقظ نفسها من حلم تحلمه داخل حلمها حتى لا تتأذى نفسها مرتين، ولكن «محاولاتي تفشل، وصوتي مكتوم لا يصل لأذني».

حب مستحيل
ربما كانت قصة «قالت لي» الوحيدة التي تُحكى على لسان راوٍ رجل؛ لكن هذا لا يعني أن المؤلفة تخلت عن عالمها الأنثوي الأثير بشخصياته المنهارة التي تجاهد لاستعادة شيء من تماسكها القديم. وسرعان ما نكتشف أننا مرة أخرى أمام حكاية نسائية جديدة تُروى لأول مرة بعيون الجنس الآخر. يتخلى البطل - وهو طبيب نفسي فيما يبدو - عن وقاره المهني وتحفظه إزاء طريقة وصف مريضته، فيصفها بأنها «جميلة كالإثم»، تستأذنه في احتساء القهوة ذات السكر شبه المنعدم، وزجاجة من المياه المعدنية، ومطفأة سجائر.
ثم ترفض الجلوس، وتصر على الوقوف مثل «تمثال ناعم من الرخام لا يُقابل بالرفض». تبدأ المريضة رحلة البوح، لتحكي عن قصة حبها العارم لشخص بارد كالثلج. لم تفلح في تحريك مشاعره، وتمنت يوماً أن تكون عالمه ودنياه «صحراؤه الثلجية أردت أن أذيبها فتتحول إلى أنهار، صانعة ودياناً تقوم على ضفافها حضارات جديدة من الحب الذي لم يعرفه بشر من قبل الميلاد الأول»، ثم إذا بها تباغت طبيبها بهذا السؤال المربك الذي يشبه هجوماً عاطفياً: «هل عشقت إلى هذا الحد يوماً ما؟».
إن الرجل في معظم قصص المجموعة هو الغائب الحاضر، غائب بجسده لكنه حاضر بأفعاله السيئة التي جعلت من كل شخصية نسائية في هذا العمل ضحية بشكل أو بآخر لرجل أناني، قاسٍ، متقلب المشاعر، يحترف العبث بقلوب الفتيات، أو في أحسن الأحوال غافل عن عاشقة ترنو إليه في صمت وخجل. هكذا نجد في قصة «رجال ونزق» تشبيهاً بارعاً للرجل بالخريف، يُسقط على هذا الفصل الموسمي كل مثالب الجنس الآخر من خلال سيدة مجربة، تؤكد لفتاة في مقتبل العمر أن الخريف رجل عجوز مخادع لا يستطيع السيطرة على مدارات الكوكب، يخشى قدوم الشتاء الذي يزيد من اضطراباته، فلا هو بالشاب الثائر ولا الرجل الناضج الممتلئ بالملابس الصوفية.
تسطع شمسه الخادعة فوق رأس فتاة مقبلة على الحياة، فتنتعش روحها وتتفاءل بيومها. تنطلق باتجاه البحر لتحتسي قهوة على الشاطئ وهي ترتدي ملابس مبهجة، فإذا برجل الخريف يعود لينقلب المزاج، فتختفي شمسه وتتشح سماؤه باللون الرمادي. هنا تدرك الفتاة حقيقة ما يحدث، فهي تقيم علاقة رخيصة مع رجل متزوج من الغيوم، لذا فهو لا يفي بوعوده أبداً، ويستغل خبرته في فنون الهوى ليوقع بالصغيرات الغريرات في شباكه!
في معظم قصص المجموعة، لا تحمل الشخصية النسائية اسماً معيناً، فتشير إليها الراوية بضمير المؤنث الغائب، وكأن المؤلفة تريد أن تترك فضاءات النص مفتوحة على كل الاحتمالات، بحيث تبدو وكأنها تخص كل أنثى في المجتمع. ورغم أن نبرة من المرارة تسيطر على فضاء النصوص، مشبعة بروح الفقد والخذلان عبر وصف حاد ولغة مكثفة للغاية، فإن الأمر لا يخلو من سخرية لاذعة تتردد أصداؤها هنا وهناك، ليتأكد مرة أخرى أن شر البلية ما يُضحك، وأن الكاتبة نرمين يسر صدقت حين حذرت القارئ من البداية من أنه لن يجد تشويقاً وإثارة بقدر ما سيجد شخصيات عابرة متورطة في جحيم الحياة!



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.