رواية كابوسية تستعيد الهجرة السرية

«الجدار» للبريطاني جون لانكستر في ترجمة عربية

رواية كابوسية تستعيد الهجرة السرية
TT

رواية كابوسية تستعيد الهجرة السرية

رواية كابوسية تستعيد الهجرة السرية

تتسرب أجواء البرودة من السطور الأولى لرواية «الجدار» للكاتب البريطاني جون لانكستر، فصوت الراوي يُخبرنا أن «الجو بارد على الجدار»، ويظل يكرر هذا الهاجس بثبات انفعالي كأنه الشيء الوحيد الذي يستطيع إدراكه في تلك اللحظة، «هذا هو الشيء الذي يشغل تفكيرك، طوال فترة وجودك هناك، والشيء الذي تظل تتذكره، عندما لا تعود موجوداً هناك. الجو بارد على الجدار».
وصدرت الترجمة العربية للرواية بتوقيع المترجمة المصرية إيناس التركي، عن دار «الرافدين» للنشر والتوزيع، وفيها يُوظف الكاتب صوت بطله الداخلي وهو يستكشف محيطه الجديد البارد، فالبطل «كافاناه» يُسلّم نفسه كمُجند للخدمة في «الجدار» ذلك المكان الأقرب للوحش الخرساني الممتد حتى الأفق والمنخفض الارتفاع.
يفتتح السرد بانطباعات البطل المبكرة في يومه الأول في الخدمة في هذا المكان، الذي سيقضي به عامين، ليفتح أمامه، وفي طوايا نفسه، مسارات تأمل في جغرافيا المكان، ونوعية الناس الذين سيقضي معهم الخدمة، ونوعية البرد الذي لا يشبه برداً آخر «هذا البرد خاص بالمكان، كأنه صفة مادية دائمة من صفاته»، وحتى نوعية الحياة التي يستشرفها «لا توجد خيارات، كل شيء متعلق بالجدار يعني أنه لا توجد لديك خيارات».
تقع الرواية في 256 صفحة من القطع الصغير، وتنقسم إلى ثلاثة فصول وهي «الجدار»، و«الآخرون»، و«البحر»، وكل عنوان هنا يشي بتطور جديد في حركة الحكاية، فالجدار هو المكان الصلد الخرساني الذي يلتف بطول ساحل البلد الخيالي الذي تدور فيه أحداث الرواية، حيث يتم تجنيد أمثال «كافاناه» لحراسته في ورديات متصلة ليل نهار، والدفاع عنه ضد هجوم اليائسين التائهين وسط البحار الهائجة في محاولة للوصول إلى ما تبقى من أرض يابسة في العالم أو أرض «الجدار»، فهؤلاء اليائسون هم «الآخرون»، وهم الأعداء الذين يقوم مجندو الجدار بالتدريب لساعات لمواجهتهم، إذا قاموا بالاقتراب من الجدار وعالمه البارد.

ملامح مأساوية
يرسم لانكستر ملامح عالم الجدار بمعالم ديسوبية، كأنه يتخيّل ما قد يصل إليه العالم الذي يتآكل وتتقلص أرضه بفعل تغيّر المناخ، طارحاً في الوقت ذاته نقداً أدبياً وإنسانياً مُشتقاً من السياقات السياسية التي ارتبطت ببناء الجدران العازلة بين الشعوب على مدار التاريخ المعاصر، فعالم «كافاناه» ومن معه يسكنهم الخوف والرعب الدائمين وهم يستعدون لمواجهة «آخرين» قد يأتونهم عبر البحر، وقد منعهم خوفهم هذا من التفكير في الحب، أو التناسل، أو حتى الحنين للقديم، فاستدعاء ذكرى آبائهم أو الجيل الأكبر يشوبها كثير من المُحاسبة باعتبار حاضرهم البائس هذا هو ثمرة خطايا الماضي المرعبة.
ولعل الماضي والحاضر والمستقبل وتنويعات الزمن واحدة من تأملات الرواية التي تتردد في بواطن البطل الغارق في خوفه من وقوع هجوم محتمل، أو ارتكاب خطأ يتسبب في تمديد مدة خدمته في الجدار لأكثر من عامين «729 ليلة أخرى»، أو مصير أسوأ وهو الإلقاء في البحر ليصبح «آخر» ضمن آخرين مُشردين محاطين بالظلمات والخوف والوحدة، فالزمن لديه كابوس مُمتد «حيث إن مسؤولياتك، وأحداث يومك، وكل أفكارك، تدور حول الجدار، وحياتك المستقبلية يتحكم فيها ما يحدث على الجدار، فيمكنك أن تفقد حياتك بمنتهى السهولة هنا، أو تفقد الحياة التي أردت أن تحياها، يأخذ الكيانان في الاندماج معاً، الزمن والجدار، الجدار ويومك وحياتك وهي تنسل عابرة دقيقة تلو الأخرى».

مقاربات شعرية
يعزف الكاتب على وتر الرتابة في حياة الجدار «الوقت على الجدار ينسال كدبس السكر»، وأحياناً يستعين في وصف الوقت بلغة ومقاربات شعرية تسكن بطل الرواية الغارق في تأملاته التي يبدو كأنها حليفه الآمن في أيام الجدار، فهو مهووس بإيجاد وصف مناسب للجدار، يقول عنه: «هو قصيدة ملموسة. يبدو ذلك الشكل ملائماً لأسلوب الحياة على الجدار، لأن الحياة على الجدار تشبه قصيدة أكثر منها حكاية. فالأيام لا تتباين كثيراً، ولا يوجد كثير من الانتقال من النقطة أ إلى النقطة ب، لا يوجد كثير من السرد»، إلا أن السرد في الرواية ينجرف إلى حد بعيد بعدما يلقى «كافاناه» عقوبة تقصيره في الخدمة وفشله في أداء مهمته كمدافع، فنجد أصداء السرد تصل إلى عرض البحر، ليدخل في غياهب رحلة لا حدود لأخطارها «أحياناً يخدعك عقلك عندما تكون على الجدار، لكن الأمر أسوأ كثيراً في عرض البحر. فالمرء يفتقد التوازن الجسدي على متن قارب صغير، ومن الممكن أن يشعر أنه يفتقد للتوازن العقلي أيضاً. لا يمكنك أن تثق في حواسك، وتقل ثقتك في خيالك بشكل أكبر».
في أجواء كابوسية تتراءى الأعماق الخيالية في الرواية، أمام القارئ، تعيده في حالة من الحزن والألم إلى مشاهد الهجرة السرية وقراصنة الهجرة وغيرها من مفردات هذا العالم الواقعي البائس، فالرواية تتخيل حال بلد وحيد ناجٍ يحيط نفسه بجدار خشية اختراق بشر على متن مراكب في البحر له، وعلى الرغم من أنهم يائسون تماماً لا يملكون خرسانة وآلاف الجنود إلا أنهم مخيفون لشعب الجدار، ليجعل المؤلف من بطله «كافاناه» أمثولة مزدوجة لشعب الجدار المُستعبد وراء قوانين الخرسانة، وشعب البحر الغارق على أمل بلوغ واقع مُستقر باذلاً مشقة اجتياز الجدار، فالبطل يبذل قصارى جهده للدفاع عن الجدار وقاتل بشدة، ومع ذلك نجح «الآخرون» في اختراق الجدار، ليتنقل البطل في مسارات رحلة البحر، ومعها رحلة تأمل في معاني اليأس التي يراها كحالة عقلية تشبه نظاماً للطقس، أو شيء يتعين التعايش معه أو تحت تأثيره: «يتعين علينا جميعاً، في لحظة من حياتنا، أن نفكر لبعض الوقت في أسوأ شيء يمكننا أن نتخيل وقوعه. علينا أن نفكر في أسوأ مخاوفنا، ونبحث عنها في أعماقنا.
وعلينا أن نتقبل أنها ستقع بالفعل. سوف تتحقق أسوأ مخاوفك، وعندها يحدث ذلك، فالشعور الذي ينتابك هو اليأس». إنه اليأس الذي يصل إليه البطل ليس بسبب خياراته الشخصية، التي لم يختر أياً منها، وإنما هي أثمان خيارات أسلافه الذين اختاروا بناء جدران بدلاً من بناء جسور، وهي أثمان تُعظم الرواية من ديستوبيتها، وتجعل الخيال الروائي هنا غير بعيد عن مُخيلات المستقبل التي يُحدّث بها لسان الواقع.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.