هناك شبه اتفاق، بين علماء الاجتماع والاتصال، على أن المذياع (الراديو) أدى دوراً مهماً في إحداث تغييرات اجتماعية مقصودة، في الكثير من عادات المجتمعات الإنسانية، وفي تثبيت القيم المرغوبة، خصوصاً في المجتمعات النامية، أو التي يطلق عليها - كاصطلاح سياسي - دول العالم الثالث. ولعل السبب في ذلك، يعود إلى المزايا العديدة والفريدة للمذياع، قياساً على وسائل الاتصال الجماهيري الأخرى؛ بأن الرسائل التي يبثها المذياع، تصل إلى فئات المجتمع كافة، وإلى كل مكان، هذا مع طفرة عالمية، وفي السعودية على وجه الخصوص - بملايين المستمعين.
بدر كريم، الإعلامي السعودي الشهير، قال في كتابه «دور المذياع في تغيير العادات والقيم في المجتمع السعودي»، إن النظام الإذاعي السائد في المجتمع السعودي، كان مزيجاً من الإعلام الجماهيري والإعلام المتخصص. وعندما بلغ متوسط الفرد السعودي في العام الواحد عام 1981، مبلغ 58 ريالاً (15.57 دولار)، ارتفع بالتالي مستوى معيشته، بعدما هيأت الدولة مزيداً من فرص الكسب المشروع، ووفرت وسائل الاتصال الجماهيري (صحافة، إذاعة، تلفازاً، مجلات، كتباً)، إضافة إلى اتساع فرص التعليم والتدريب، وتأمين خدمات المواطنين العامة، ماء، كهرباء إلى آخره.
من جهة ثانية، فإن النظام الإذاعي في المجتمع السعودي، إعلام متخصص، يدلل على ذلك وجود إذاعات متخصصة، مثل: إذاعة «نداء الإسلام» (من مكة المكرمة)، التي تُعنى بتقديم المواد الإسلامية، وإذاعة القرآن الكريم والبرامج المتعلقة بعلومه وأحكامه، وإذاعة الموسيقى (من الرياض) والمتخصصة في الموسيقى القديمة والحديثة فقط، والإذاعات الموجهة باللغات غير العربية.
عندما كان المذياع، وسيلة نقل وإيصال المعلومات، فإنه ساهم بدوره إلى حد كبير، في محاولة تنويع سلوك الإنسان، سواءً في نشر الوعي والمعرفة أو تثبيت عادات وقيم مرغوب بها، أو تزويد الأفراد والجماعات بما يمكنهم من القيام بأدوارهم الاجتماعية. يضاف إلى ذلك، كان الاتصال من خلال المذياع، يعد اتصالاً اجتماعياً، تمثل في الاحتكاك المتبادل، بين الأفراد بعضهم البعض، وهذا الاحتكاك، أضاف نوعاً من التعارف الاجتماعي، يتم عن طريق المذياع، الذي يتولى تعميق الصلات والروابط الاجتماعية، خصوصاً إذا كانت برامجه مبنية على خطط مدروسة، من شأنها التأثير على أعضاء النسق الاجتماعي.
ولقد استطاع المذياع، حقاً، امتلاك قدرة على إيصال الرسائل ذات الصفات الخاصة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، المنتجات غير الملموسة من الممكن أن تباع جيداً من خلال المذياع. وبالتالي، يكون الإعلان أقل تكلفة، والقيام بالوظيفة بفاعلية مقارنة بالتلفزيون. ولكن مع بداية الألفية ظهر مفهوم التدوين الصوتي «البودكاستينغ»، بعدما كتب عنه الصحافي بن هامرسلي عام 2004 في مقال صحافي له في صحيفة «الغارديان»، بحجة احتمالية حدوث طفرة في استخدام المذياع. وفي العام ذاته، وظف التدوين الصوتي أحد الأصوات السياسية، وهو الرئيس جورج بوش (الابن)، الذي بات أول رئيس أميركي يلقي خطاباً أسبوعياً على شكل «بودكاست».
أيضاً أظهرت بعض الأبحاث توجه الأغلب إلى استماع التدوين الصوتي، مرجحين أن المستمعين يمكن أن يستمعوا لإعلان مباشر من قبل مضيف «البودكاست». ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الإعلانات عادة ما تكون أقصر بكثير من فواصل الإعلانات التجارية على المذياع، وأن المستمع موجود هناك باختيار أكثر مباشرة.
طفرة «البودكاست» في السعودية تعيد جاذبية الصوت بين الجيل الجديد
طفرة «البودكاست» في السعودية تعيد جاذبية الصوت بين الجيل الجديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة