«عالم كورونا» يحتاج إلى سياسات مالية جديدة

يرى خبير الاقتصاد البريطاني ميرفين كينغ أن العالم بحاجة ماسة لسياسات جديدة للتعامل في زمن ما بعد «كورونا» (رويترز)
يرى خبير الاقتصاد البريطاني ميرفين كينغ أن العالم بحاجة ماسة لسياسات جديدة للتعامل في زمن ما بعد «كورونا» (رويترز)
TT

«عالم كورونا» يحتاج إلى سياسات مالية جديدة

يرى خبير الاقتصاد البريطاني ميرفين كينغ أن العالم بحاجة ماسة لسياسات جديدة للتعامل في زمن ما بعد «كورونا» (رويترز)
يرى خبير الاقتصاد البريطاني ميرفين كينغ أن العالم بحاجة ماسة لسياسات جديدة للتعامل في زمن ما بعد «كورونا» (رويترز)

التراجعات الاقتصادية الحالية تختلف عن أي ركود أو كساد شهده العالم في السابق. وإذا كان فيروس «كورونا» المستجد نفسه جديداً، فإن سبب انهيار الناتج الاقتصادي في كثير من مناطق العالم، ليس الفيروس نفسه على سبيل المثال، ولكنه انهار بسبب انسحاب الناس من النشاط الاقتصادي المعتاد، سواء بسبب قرارات الإغلاق الحكومية أو بمبادرة شخصية منهم وبقائهم في المنازل.
ويرى أستاذ الاقتصاد البريطاني ميرفين كينغ، أن استخدام اللغة الاقتصادية التقليدية في وصف التراجع الاقتصادي الحالي، سيؤدي إلى الارتباك والغموض بشأن اختيار السياسات المناسبة للتعامل مع الأزمة، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
ويرى كينغ الذي عمل ويعمل أستاذاً للاقتصاد في جامعات «كمبردج» و«برمنغهام» في بريطانيا، و«هارفارد» ومعهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» في الولايات المتحدة، أنه إذا كانت الحكومات قد اضطرت إلى إغلاق عديد من الأنشطة الاقتصادية لأسباب صحية في ظل جائحة «كورونا»، فمن غير المنطقي أن يتم تحفيز الإنفاق ببساطة لسد الفجوة الاقتصادية. فالمستهلكون ربما يريدون الإنفاق أكثر على الترفيه وفي المطاعم والرحلات السياحية؛ لكنهم لا يستطيعون ذلك.
ويقول كينغ في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ»، إن الطلب الاستهلاكي المكبوت حالياً سينطلق عندما تنحسر جائحة «كورونا»، إذا ما استمر الدعم الحكومي لدخل المستهلكين خلال فترة القيود الحالية. ولذلك فالمطلوب ليس إطلاق إجراءات تحفيز عامة لتشجيع الطلب في الوقت الحالي، وإنما دعم الشركات بما في ذلك المشروعات متناهية الصغر والصغيرة حتى تستطيع عبور الأزمة الحالية. وعندما تعود آليات اقتصاد السوق إلى العمل بعد انتهاء الجائحة، ستحدد ما هي الشركات التي ستستمر وتلك التي ستختفي. كما أن العدالة البسيطة تدعو إلى مثل هذا النوع من الدعم المؤقت. والسؤال الآن هو: لماذا يجب أن يعاني أصحاب المطاعم والموسيقيون في ظروف الجائحة، بينما تحقق شركة التجارة الإلكترونية «أمازون» أرباحاً هائلة؟
ومن خلال منع انهيار الشركات التي ستكون إعادة هيكلتها مكلفة، سيساعد هذا الدعم الحكومي في حماية الوظائف، سواء على المدى القريب أو البعيد.
وحاولت وزيرة الرعاية الاجتماعية البريطانية هيلين وتيلي تبرير إنهاء البرنامج الحكومي لدعم أجور العاملين في القطاع الخاص في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالقول: «ليس من المنطقي استمرار دعم الوظائف في حين لا يوجد عمل في الوقت الراهن».
ويرى كينغ أن الوزيرة البريطانية فشلت في إدراك أن هذه الوظائف لا تعمل بسبب القيود التي فرضتها حكوماتها. وبعد وقت قصير ومع تفشي الموجة الثانية من جائحة «كورونا» في بريطانيا، تراجع وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك، وقرر تمديد برنامج دعم الأجور حتى مارس (آذار) 2021؛ وهو قرار صائب.
ويرى كينغ الذي زامل بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) السابق في التدريس في معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» أنه عند رفع القيود المفروضة حالياً للحد من انتشار «كورونا»، ستظهر أنماط جديدة من الإنفاق، وستحتاج الشركات إلى بعض الوقت لكي تعرف هذه الأنماط وتتوافق معها. وستكون هناك حاجة مؤكدة إلى إعادة النظر في توزيع الموارد؛ لكن من المستحيل تقدير حجم هذه التحولات اليوم.
لذلك لا يجب أن تعرقل الحكومات هذه التحولات المنتظرة؛ سواء بالإبقاء على الدعم لفترات أطول مما يجب، أو بترك شركات يمكن أن تكون لها قيمتها في المستقبل لكي تنهار تحت وطأة الظروف الراهنة، لأن الحكومة قررت سحب دعمها لهذه الشركات قبل الوقت المناسب. ولأن هذا الكلام سهل لكن تنفيذه صعب، فإنه يجب الإبقاء على كل الخيارات متاحة، وسحب الدعم الحكومي بطريقة حذرة، حتى تتضح الشركات التي يمكنها البقاء والنمو في المستقبل، والشركات التي لم تعد لديها أي فرص للبقاء.
ويعني هذا في الوقت الحالي زيادة كبيرة في عجز الميزانية، وارتفاعاً في معدل الدين العام. وقد يرى البعض أنه ستكون هناك ضرورة لزيادات كبيرة في الضرائب لتعزيز المالية العامة فيما بعد، وأن وزارة الخزانة البريطانية تخطط لاتخاذ إجراءات صارمة في المستقبل لضبط المالية العامة. ولكن كينغ يرى أن ضرورة اتخاذ مثل هذه الإجراءات المشددة فيما بعد ليست محسومة؛ لأن الأمور ستتوقف تماماً على الظروف في تلك الفترة المقبلة.
وأخيراً يرى كينغ أن هناك عاملين أساسيين سيحددان الموقف بشأن التعامل مع عجز الميزانية ومعدل الدين بعد انتهاء الجائحة: الأول هو معدل عجز الميزانية عند انتهاء جائحة «كورونا»، وعودة الاقتصاد إلى ما يشبه الأوضاع الطبيعية، والثاني هو أسعار الفائدة التي يمكن أن تقترض بها الحكومة. والحقيقة أن الأوضاع بالنسبة لهذين العاملين تغيرت تماماً مقارنة بما كانت عليه الحال أثناء الأزمة المالية السابقة قبل عشر سنوات؛ وهو ما يعني أنه يجب البحث عن سياسات مالية جديدة للتعامل مع أوضاع ما بعد جائحة «كورونا».


مقالات ذات صلة

بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

الاقتصاد بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)

بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

حذر بنك إنجلترا يوم الجمعة من أن زيادة الحواجز التجارية قد تؤثر سلباً على النمو العالمي وتزيد من حالة عدم اليقين بشأن التضخم مما قد يتسبب في تقلبات في الأسواق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ناقلة نفط يتم تحميلها في مصفاة رأس تنورة النفطية التابعة لـ«أرامكو السعودية» (رويترز)

شركات الطاقة السعودية تحقق 27.45 مليار دولار أرباحاً في الربع الثالث

حققت شركات الطاقة المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) أرباحاً بلغت نحو 102.94 مليار ريال سعودي (27.45 مليار دولار) خلال الربع الثالث من عام 2024.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد فتاة تتفاعل مع تجمع الفلسطينيين لتلقي الطعام الذي تعده جمعية خيرية وسط أزمة الجوع (رويترز)

القضاء على الجوع هدف مؤجل إلى 2050 بسبب الحروب والصراعات والتغير المناخي

سيطرت السياسة على نقاشات قمة توفير الغذاء ومحاربة الجوع في أسبوع الغذاء العالمي الذي أقيم في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

هبة القدسي (أبوظبي)
الاقتصاد لاغارد تتحدث إلى الصحافيين عقب اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

لاغارد للقادة الأوروبيين: اشتروا المنتجات الأميركية لتجنب حرب تجارية مع ترمب

حثَّت رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد القادة في أوروبا على التعاون مع ترمب بشأن التعريفات الجمركية وشراء المزيد من المنتجات المصنوعة في أميركا.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)

تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مع اقتراب اليورو من أسوأ شهر له منذ أوائل 2022، يحذر المحللون من أن التقلبات الحادة في العملة قد تصبح المصدر القادم لعدم الاستقرار بالأسواق العالمية.

«الشرق الأوسط» (لندن )

صناديق الأسهم العالمية تحقق تدفقات أسبوعية تاسعة على التوالي

متداولون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)
متداولون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)
TT

صناديق الأسهم العالمية تحقق تدفقات أسبوعية تاسعة على التوالي

متداولون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)
متداولون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)

زاد المستثمرون العالميون مشترياتهم من صناديق الأسهم في الأسبوع المنتهي في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، مدفوعين بتوقعات بنمو قوي للاقتصاد الأميركي في ظل إدارة ترمب وبدعم من انخفاض عائدات السندات الأميركية.

وضخ المستثمرون مبلغاً ضخماً قدره 12.19 مليار دولار في صناديق الأسهم العالمية، بزيادة بنسبة 32 في المائة مقارنة بـ9.24 مليار دولار من عمليات الشراء الصافية في الأسبوع السابق، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». ويمثل هذا التدفق الأسبوعي التاسع على التوالي.

ويوم الجمعة، كانت الأسهم العالمية في طريقها لتحقيق أفضل شهر لها منذ مايو (أيار)، مدفوعة بالتفاؤل بشأن النمو القوي في الولايات المتحدة وازدهار الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، على الرغم من المخاوف بشأن الاضطرابات السياسية والتباطؤ الاقتصادي في أوروبا.

وفي الأسبوع الماضي، أدى ترشيح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للمحافظ المالي سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة، إلى رفع توقعات السوق بمستويات ديون يمكن إدارتها في ولايته الثانية، وهو ما أدى إلى انخفاض عائدات السندات الأميركية.

واختار المستثمرون ضخ مبلغ ضخم قدره 12.78 مليار دولار في صناديق الأسهم الأميركية؛ مما أدى إلى تمديد صافي الشراء للأسبوع الرابع على التوالي، لكنهم سحبوا 1.17 مليار دولار و267 مليون دولار من صناديق الأسهم في آسيا وأوروبا على التوالي.

وشهد القطاع المالي طلباً قوياً؛ إذ استقطب مشتريات صافية بقيمة 2.65 مليار دولار، مسجلاً التدفقات الأسبوعية الخامسة على التوالي. كما اشترى المستثمرون صناديق السلع الاستهلاكية التقديرية والتكنولوجيا والصناعات بمبالغ كبيرة بلغت 1.01 مليار دولار و807 ملايين دولار و778 مليون دولار على التوالي.

وشهدت صناديق السندات العالمية تدفقات للأسبوع التاسع والأربعين على التوالي؛ إذ ضخ المستثمرون 8.82 مليار دولار في هذه الصناديق.

وحصلت صناديق السندات للشركات على تدفقات صافية بلغت 2.16 مليار دولار، وهي أكبر تدفقات أسبوعية في أربعة أسابيع. وشهدت صناديق السندات الحكومية وصناديق تجميع القروض عمليات شراء ملحوظة؛ إذ بلغ صافي التدفقات الداخلة 1.9 مليار دولار و1.34 مليار دولار على التوالي.

وفي الوقت نفسه، قام المستثمرون ببيع 12.87 مليار دولار من صناديق سوق النقد، وهو ما يمثل الأسبوع الثاني على التوالي من المبيعات الصافية. وسجلت صناديق الذهب والمعادن الثمينة تدفقات صافية بقيمة 538 مليون دولار، وهو ما يمثل التدفق الأسبوعي الرابع عشر في 16 أسبوعاً.

وأظهرت البيانات أن صناديق الأسهم خرجت من دائرة الاهتمام للأسبوع الخامس على التوالي مع صافي مبيعات بلغ نحو 4.3 مليار دولار. كما سحب المستثمرون 2.58 مليار دولار من صناديق السندات، مسجلين بذلك الأسبوع السادس على التوالي من المبيعات الصافية.