في أغسطس (آب) الماضي، شعر مالك ورئيس نادي أوليمبيك ليون الفرنسي، جان ميشال أولاس، أنه على وشك تحقيق حلم طموح بشكل لا يصدق، فللمرة الثانية خلال 33 عاماً من قيادته للنادي الفرنسي، ينافس فريقا الرجال والسيدات بالنادي في المراحل الأخيرة من دوري أبطال أوروبا. في عام 2010 فشل فريق ليون للرجال في الوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، بينما خسر فريق السيدات في المباراة النهائية أمام توربين بوتسدام الألماني بركلات الترجيح. وبعد عقد من الزمن، وفي عام «استثنائي للغاية»، كان فريق ليون للرجال يستعد لمواجهة بايرن ميونيخ الألماني في الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا، كما كان فريق ليون للسيدات يستعد أيضا لمواجهة بايرن ميونيخ للسيدات بعد ذلك بثلاثة أيام في الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا.
وبينما فاز فريق ليون للسيدات، خسر فريق الرجال أمام بايرن ميونيخ في الدور نصف النهائي. وقد حقق فريق الرجال نجاحا كبيرا على الساحة المحلية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعد أن اشترى أولاس النادي المثقل بالديون في عام 1987 وبدأ عملية تصعيد النادي من دوري الدرجة الأولى، لكن بطولة دوري أبطال أوروبا استعصت على النادي الفرنسي. أما بالنسبة لفريق السيدات، فقد حصل على اللقب الأوروبي للمرة الخامسة على التوالي، والسابعة في تاريخ النادي.
وكان أولاس قد أشرف في عام 2004 على الاستحواذ على فريق السيدات المتعثر وشرع في «مغامرة عظيمة» أخرى جعلت النادي موضع حسد جميع الأندية الأخرى حول العالم.
تقول لاعبة ليون والهدافة التاريخية لدوري أبطال أوروبا، آدا هيغربيرغ، عن أولاس: «إنه قادر على تغيير قواعد اللعبة تماما. أنا لا أعني بذلك أنه غير قواعد اللعبة بالنسبة لنادي ليون فقط، لكنه نجح في تغيير شكل كرة القدم النسائية بشكل عام».
وقد استثمر أولاس في كرة القدم للسيدات بشكل لم يسبقه أحد، ولم يكن هذا بالأمر السهل على الإطلاق، وعن ذلك يقول: «كانت هناك مقاومة كبيرة داخل كرة القدم للرجال، وداخل الأندية، وداخل الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، وفي المجتمع بشكل عام. رأيت أنه يتعين علي أن أتحمل المسؤولية وأن أمضي قدما في هذه التغييرات».
وكان الدافع الرئيسي وراء التغيير هو رؤية حالة من عدم المساواة، ويستشهد أولاس على ذلك بمثالين. أولاً، في عام 2006 تقريبا، أخبره أحد اللاعبين بحقيقة أن فرق الرجال تتمتع بحرية كاملة في اختيار أدواتها ومعداتها الرياضية، في حين يتم فرض ذلك على فرق السيدات.
وتواصل أولاس مع رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم وقال له إن هذا الأمر «يجب أن يتغير على الفور، لأن ذلك لا يتوافق على الإطلاق مع الرؤية التي يجب أن توجد حول معاملة النساء، سواء في الأندية الرياضية أو في الشركات بشكل عام».
وبعد ذلك، وفي عام 2011 وقف أولاس في غرف خلع ملابس نادي ليون بين شوطي مباراة العودة للدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا أمام آرسنال وهو يرى مجموعة من الأدوات الرياضية وهي غارقة في المطر في مشهد من شأنه أن «يسلط الضوء مرة أخرى على الاختلافات غير المقبولة في المعاملة الموجودة».
وبدأ أولاس في تغيير الأشياء التي كان يرى أنها ليست جيدة، ويقول عن ذلك: «كنت أرى أن أفضل طريقة لمعالجة هذه المشكلات هي الكفاح من أجل الحصول على معاملة متكافئة ومتساوية بين جميع اللاعبين، بغض النظر عن جنسهم من خلال توفير استثمار كامل ومتساوٍ في المعدات والبنية التحتية والخدمات اللوجيستية، وكان لدينا الإمكانيات في نادي ليون والتي تمكننا من تحقيق ذلك».
في الحقيقة، من الصعب أن تجد هذه القيم في رجل من جيله ولديه هذا القدر من النفوذ، لكنها متجذرة تماما في شخصية أولاس. وهناك عاملان أساسيان ساعدا في التزام رجل الأعمال البالغ من العمر 71 عاماً بالمساواة والقيم الشاملة في مجال الأعمال بشكل عام وفي كرة القدم بشكل خاص.
يقول أولاس عن العامل الأول: «كان والدي مدرساً للغة الفرنسية، وكانت والدتي مدرسة لمادة الرياضيات، وكانت الثقافة التي ربياني عليها هي احترام القواعد والقيم». أما العامل الثاني فيتمثل في رغبته القوية في البقاء مستقلاً، وقد تقدم بالفعل بطلب التحرر من والديه حتى يتمكن من إدارة أعماله الخاصة كقاصر.
وكان شراء نادي ليون في عام 2004 ثم الالتزام المالي المستمر، مدفوعاً بالمحادثات مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، والاتحاد الدولي لكرة القدم، والرئيس السابق لنادي مونبلييه، لويس نيكولين، الذي توفي في عام 2017 والذي كان يشرف على فريق السيدات بالنادي. وقد ساعدت كل هذه المحادثات أولاس على «فهم عدم المساواة التي كانت موجودة في كرة القدم والقيام بشيء حيال ذلك».
ولم يكتف أولاس، الذي أسس شركة «سيغيد» المتخصصة في تطوير برامج الإدارة والمحاسبة، بضخ الأموال وتوجيه الإرشادات فحسب، لكنه بنى علاقات رائعة مع اللاعبات السابقات والحاليات بنفس الطريقة التي يتبعها مع اللاعبين.
ولو سألنا لوسي برونز، التي لعبت لنادي ليون بين عامي 2017 و2020، أو ميغان رابينو، التي احتضنت رئيس ليون على أرض الملعب بعد فوز المنتخب الأميركي للسيدات بكأس العالم في 2019 عن تأثير أولاس فسوف تكيلان له المديح، بنفس الشكل الذي رأيناه من هيغربرغ. ويجب الإشارة إلى أن هذا الاهتمام بفرق السيدات ليس مجرد عاطفة تجاه الفريق، لكنه استثمار أيضا، حيث يقول أولاس: «إنه استثمار شخصي في كل من اللاعبات الصاعدات من أكاديمية الناشئات، وكذلك في اللاعبات الدوليات القادمات من بلدان أخرى. إنه أمر مهم للغاية بالنسبة لي، وأقوم به في جميع شركاتي لأنه مفيد للجميع».
ويضيف «من المهم جداً، خاصة بالنسبة للاعبات صاحبات المستوى العالي، أنه إذا كنت تتوقع الكثير منهن، فيتعين عليك أن تعطيهن الكثير أيضا. وبهذا المعنى، يمكن تطوير اللعبة بشكل كبير، لأن الاستثمار الذي تضخه يؤتي ثماره داخل الملعب ويساهم في الترويج لكرة القدم للسيدات من خلال إنجازاتهن».
ويتابع: «يجب أن نفصل عائد الاستثمار من وجهة نظر اقتصادية عن عائد الاستثمار من وجهة نظر القيم والمساواة. هذا صحيح من وجهة نظر مالية بحتة، فالتوازن ليس موجوداً حتى الآن فيما يتعلق بكرة القدم للسيدات، لكن التطور يسير عموماً في الاتجاه الصحيح».
ومن المهم للغاية في هذا الأمر أن تكون هناك رؤية طويلة الأجل. فرغم أن العديد من الأندية الأوروبية الأخرى، مثل تشيلسي ومانشستر سيتي وبرشلونة، تزيد استثماراتها في محاولة للحاق بركب ليون في هذا الأمر، فإن الخطة طويلة الأجل التي يعمل بها النادي الفرنسي ساعدته على التماسك بقوة وعلى بناء ثقافة تساعده على أن يكون في المقدمة دائما. يوضح أولاس هذا الأمر قائلا: «إننا لا نريد أن ننافس فقط على البطولات والألقاب، لكننا نسعى أيضاً لأن نجعل كرة القدم للسيدات جزءاً أساسيا وإيجابياً للغاية من نجاح النادي بأكمله».
وتقول هيغيربيرغ: «لا يجب أن ننسى أنه ربما قبل ثماني سنوات من الآن، لم يكن النادي لديه حتى غرفة لخلع الملابس. لقد وصلنا إلى نقطة أصبحنا عندها نتدرب في نفس ملعب التدريب الخاص بفرق الرجال، وهو أمر ضروري للغاية من وجهة نظري، وهذا هو ما يجب أن تكون عليه كرة القدم الحديثة في الوقت الحالي. ورغم كل ذلك، ما زال هناك بعض الأشياء التي يجب تحسينها في نادي ليون أيضاً. ولهذا السبب من المهم جداً أن نستمر في الدفع للأمام».
أما النقطة الأخرى التي طورها ليون في هذا الصدد فتتعلق برواتب اللاعبات، حيث تشير تقارير إلى أن النادي الفرنسي يدفع أفضل الأجور في كرة القدم النسائية، ويُعتقد أن أعلى الرواتب في النادي تتراوح بين 300 ألف يورو و400 ألف يورو سنويا. ومع ذلك، لا تزال هذه الأرقام بعيدة للغاية عن رواتب اللاعبين في كرة القدم للرجال، فكيف سيتم التعامل مع هذا الأمر؟.
يقول أولاس: «إنه سؤال ممتاز. كرة القدم النسائية موجودة في المجتمع الاقتصادي الذي نعيش فيه. ونحن نعمل كشركة خاصة، وأنا المساهم الرئيسي فيها، وهي أيضاً نشطة في البورصة. لذلك نحن بحاجة إلى ميزانية عمومية وبحاجة لتبرير كل ما نقوم به».
ويضيف «بالإضافة إلى المال والرواتب، تفكر العديد من اللاعبات أيضا في أمر أكبر، وهو الأهمية التي يشغلنها في نادي كرة القدم. في الحقيقة، يجب ترجمة تعزيز المساواة بين الجنسين والقيم التي لدينا إلى الجانب الاقتصادي، لكن لسوء الحظ لا يمكننا فعل الكثير (للاعبات في فرق السيدات) بالشكل الذي نفعله مع اللاعبين في فرق الرجال في الوقت الحالي. من المؤكد أن نعطي اللاعبات رواتب أعلى من الأندية الأخرى، لأن احترام الجوانب الاقتصادية بالنسبة لنا جزء مهم من قيمنا».
يذكر أن أولاس عضو في مجلس إدارة رابطة الأندية الأوروبية، ويرأس لجنة كرة القدم النسائية. والآن، يعمل أولاس على الترويج لعلامة ليون التجارية في الولايات المتحدة من خلال الاستحواذ على نادي «رين إف سي»، والذي تم تغيير اسمه الآن إلى «أوليمبيك ليون رين». يقول أولاس: «إنها استراتيجية تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة من تأثير كرة القدم النسائية الأميركية، ونأمل أن تساعد المجموعة على العمل بشكل أكثر فاعلية كأداة للتأثير على العديد من الأشياء، مثل الضغط من أجل تنظيم بطولة كأس العالم للأندية للسيدات».
ويتبنى نادي ليون شعار «لا تقف أبداً ساكناً»، كما يعمل بشكل مستمر على تحقيق المساواة، وهو ما يعني أن محاولة إزاحة ليون من قمة كرة القدم للسيدات هي على الأرجح مهمة أصعب بكثير مما تتخيله معظم الأندية الأوروبية.
ميشال أولاس: نستطيع فعل شيء حيال عدم المساواة في كرة القدم
رئيس ليون الفرنسي جعل فريق السيدات بالنادي الأفضل في العالم... وما زال يتطلع للكثير في خططه المستقبلية
ميشال أولاس: نستطيع فعل شيء حيال عدم المساواة في كرة القدم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة