محمد منير يواصل مسيرة الإبداع المتميز

آمن دائماً بدور الغناء شعبياً

TT

محمد منير يواصل مسيرة الإبداع المتميز

آخر مرة أتاني صوت محمد منير، عبر الهاتف، حمل معه تلك الطاقة الإيجابية التي يتسم بها دائماً، لم ينسَ تذكيري بجملة له يرددها، وهي ذات دلالة مهمة، قال لي: «الشعب ده لازم يغني»، ولذا صارت أغنيته الشهيرة: «علّي صوتك بالغُنا» أيقونة للتفاؤل والحماس بين الناس. تُرى، هل من ضرورة للبحث عن مناسبة كي أكتب عن محمد منير الذي امتلك ناصية موسيقاه فاحتلت مكانتها الخاصة في قلوب جمهوره؟ كلا، ليس ضرورياً، لكن ربما من المناسب تذكر حقيقة أن الفنان الكبير المولود يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1954 احتفل الأسبوع الأول من الشهر الماضي بعيد ميلاده السادس والستين، فيما يواصل مسيرة إبداع موسيقي متميز انطلقت أواخر سنة 1977، وأثبتت منذ البدايات الأولى أننا أمام حالة غير عادية، فمحمد منير ليس فقط صوتاً حنوناً وشجياً وعذباً، بل هو أيضاً عقل يفكر، وذهن يعمل طوال الوقت، باحث يلتقط كل معنى مختلف، أو جملة مغايرة لما نسمع هذه الأيام.
يُسجل للفنان الكبير محمد منير أنه في «الأرض والسلام» -2003- قدم أول ألبوم ديني متكامل، تضمن موسيقى جمعت لحن الإنشاد الصوفي، مع الريتم النوبي، والبوب الغربي.
وبالإضافة إلى التنقيب في التراث المصري، بتقديم أغنية من زمن قديم، طاف صوت محمد منير أرجاء التراث العربي، فقدم شيئاً من تراث أكثر من مجتمع عربي، كما في: «تحت الياسمينا» من التراث المغربي، وأغنية «حكمت الأقدار» من الأردن، ثم «يا طير يا طاير» من تراث النوبة، ومن التراث السوداني «نعناع الجنينة»، وكان بين أوائل من غنّوا للانتفاضة الفلسطينية، فقدم ألبومه «بريء»، عام 1986، وكذلك أغنية «أتحدى لياليكي» للشاعر المتميز جمال بخيت، ثم «وسط الدايرة» عام 1987 الذي تضمن موسيقى عالمية.
الغناء الجميل هو قضية عمره، سنوات حياته، الصبا والشباب، ثم النضوج، لذا ليس غريباً أن محمد منير يحيا في قلوب جماهيره، يلازمهم بأغانيه طوال الوقت، وكما راهن دائماً على المستمع، فإن المستمع كذلك لم يخذله يوماً، لأن أعمال محمد منير تتناول قضايا الناس التي تعنيهم، وصوته يمد مستمعيه بطاقة إيجابية كثيراً ما تُفتقد، تُعين المستمع على العيش في أقسى الظروف، تُمد الجمهور بالمعاني الجميلة في زمن صعب، في صوته أمل وهدف ومشروع. يمكن لكل متتبع لمسيرة منير ملاحظة كم أنه يعشق مدرسة «التجريب» في العمل الموسيقي، كما يدرك أنه أول مَن غنّى الأغنية القصيرة، ومعه بالطبع علي الحجار، ومدحت صالح، وإيمان البحر درويش، إضافةً إلى تجارب لآخرين متميزة ومحفورة بداخلنا، لكنّ محمد منير من أوائل مَن مزجوا ما بين الوطن والحبيبة والحرية. غنّى للدنيا، للبنات، للحب، للانتماء... كان، ولا يزال، يضع دائماً عروبته وأحاسيسه الوطنية نصب عينيه، تلمح بين أغانيه عشقه الشديد للوطن الأم، لمصر الحبيبة.
وكما يراهن الناس، عادةً، على «الفرس الرابح»، فقد راهن منير على تذوّق المستمع للفن المتميز، لذا لا تصدق مَن يقول: «الجمهور عايز كده»، فقد أثبت عشق الناس لأعمال منير أنه استطاع تدريبهم، بل تربيتهم، على المعاني الجميلة والغناء المتميز. بالتأكيد عشاق فن منير ليسوا أناساً عاديين، بل هم أصحاب فكر ورؤية ونظرة للمستقبل، وهم كذلك شخصيات متفائلة جداً، قد تستعجب أحياناً من أين يأتون بها في زمن صعب. عاش منير عمره يبحث عن الجديد، فالتصق به المستمع. كان دائماً، ولا يزال، حريصاً على الإلمام بمختلف الثقافات. سافر إلى ألمانيا عام 1986 وغنّى مع فرق موسيقية هناك، وفي عام 1993 شارك في افتتاح أكثر من بطولة عالمية خارج مصر، مثل دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في فرنسا.
كل متتبع لرحلته يستطيع إدراك أركان المشروع الفني عند محمد منير. الواقع أنه كائن موسيقي عبقري يسير على قدمين، يمتلك أدواته الفنية والفكرية، وربما هو من أكثر الفنانين، القلائل، الذين يمتلكون ثقافة واسعة، بالإضافة إلى إدراك حي ونابض للواقع.
حرص محمد منير على تقديم ألبوم جديد كل عام، واستمر هكذا باستثناء أربع سنوات من 2008 إلى 2012 عندما قدم «أهل العرب والطرب». الكمّ ليس هو المهم عنده، بل المستوى يأتي دائماً في المقام الأول. ذلك مبدأ لم يحِد منير عنه، في قناعته أن الأغاني الجميلة ممكنة، هي تحتاج فقط إلى الصبر واليقين والثقة في المستمع.
ربما يجد البعض شيئاً من الاختلاف في اختياره أسماء ألبوماته بشكل مغاير لما نعيشه، ولما هو شائع من أسماء تدور في فلك الحب والمحبوبة بينما أطلق هو ألبوم «أنا قلبي مساكن شعبية»، وكان وقتها اسماً غريباً، ولكن على المدى الطويل يكسب منير الرهان، إذ إن تجربته تنبض بالحياة، ولا يزال مشروعه مستمراً، جديده موجود دائماً، آخر دليل على ذلك أنه غنى في الأوبرا، بعدما تصور البعض أن لونه الغنائي غير متناسب مع دار الأوبرا.



جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)
الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)
TT

جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)
الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)

أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتَي «ستانفورد» الأميركية، و«الملك فهد للبترول والمعادن» السعودية، عن ابتكار جهاز لإنتاج الأمونيا؛ المكوِّن الأساسي للأسمدة، باستخدام تقنية صديقة للبيئة تعتمد على طاقة الرياح.

وأوضح الباحثون في الدراسة، التي نُشرت الجمعة بدورية «ساينس أدفانسيس (Science Advances)»، أن هذا الجهاز يمثل بديلاً محتملاً للطريقة التقليدية لإنتاج الأمونيا، والمتبَعة منذ أكثر من قرن. وتُستخدم الأمونيا على نطاق واسع في صناعة الأسمدة لإنتاج مركبات مثل اليوريا ونيترات الأمونيوم، وهما مصدران أساسيان للنيتروجين الضروري لنمو النباتات. والنيتروجين أحد العناصر الحيوية التي تعزز عملية البناء الضوئي وتكوين البروتينات في النباتات؛ مما يدعم نمو المحاصيل ويزيد الإنتاج الزراعي.

ورغم أهمية الأمونيا في تعزيز الإنتاج الزراعي، فإن الطريقة التقليدية لإنتاجها تعتمد على عمليةٍ صناعيةٍ كثيفةِ استهلاكِ الطاقة وتركز على الغاز الطبيعي مصدراً رئيسياً، مما يؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. وتستهلك هذه العملية نحو اثنين في المائة من إجمالي الطاقة العالمية سنوياً، وتنتج نحو واحد في المائة من انبعاثات الكربون عالمياً.

ويعتمد الجهاز الجديد على الهواء مصدراً رئيسياً للنيتروجين اللازم لإنتاج الأمونيا، فيُستخلص من الغلاف الجوي بطرق مبتكرة، ثم يدمج مع الهيدروجين المستخرَج من الماء. وتُستخدم في هذه العملية محفزات كيميائية متطورة تعمل تحت الضغط الجوي ودرجة حرارة الغرفة، مما يُغني عن الحاجة إلى الوقود الأحفوري أو مصادر الطاقة التقليدية، مما يجعل العملية مستدامة وصديقة للبيئة.

ويتميز الجهاز بإمكانية تشغيله مباشرة في المواقع الزراعية، ويمكن تصميمه ليكون محمولاً ومتكاملاً مع أنظمة الري، لتوفير السماد للنباتات بشكل فوري دون الحاجة إلى نقل الأسمدة من المصانع. ووفق الباحثين؛ فإن هذا الابتكار يُسهم في خفض تكاليف النقل والبنية التحتية المرتبطة بالطرق التقليدية لإنتاج الأمونيا، التي تعتمد على منشآت صناعية ضخمة ومعقدة.

وأظهرت التجارب المعملية فاعلية الجهاز في إنتاج كميات كافية من الأمونيا لتسميد النباتات داخل الصوب الزجاجية خلال ساعتين فقط، باستخدام نظام رش يعيد تدوير المياه. كما أكد الباحثون إمكانية توسيع نطاق الجهاز ليشمل تطبيقات زراعية أكبر عبر شبكات موسعة ومواد مرشحة محسّنة.

ويتطلع الفريق البحثي إلى دمج هذا الجهاز في المستقبل ضمن أنظمة الري، مما يتيح للمزارعين إنتاج الأسمدة مباشرة في مواقع الزراعة، ويدعم الزراعة المستدامة.

وأشار الفريق إلى أن الأمونيا المنتَجة يمكن استخدامها أيضاً مصدراً نظيفاً للطاقة بفضل كثافتها الطاقية مقارنة بالهيدروجين، مما يجعلها خياراً مثالياً لتخزين ونقل الطاقة.

ويأمل الباحثون أن يصبح الجهاز جاهزاً للاستخدام التجاري خلال ما بين عامين و3 أعوام، مؤكدين أن «الأمونيا الخضراء» تمثل خطوة واعدة نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز الاستدامة في مختلف القطاعات.