الأوروبيون يعتمدون مبدأ «الضغوط المتدرجة» ضد أنقره

عقوبات مخففة وميركل تنجح في فرض خطها «الوسطي»

الرئيس الفرنسي يعبر عن ارتياحه لقرار القمة الأوروبية فرض عقوبات على تركيا ولم تفت ماكرون الإشارة الى أن القادة الـ27 «أثبتوا قدرتهم على إظهار الحزم» إزاء أنقرة (رويترز)
الرئيس الفرنسي يعبر عن ارتياحه لقرار القمة الأوروبية فرض عقوبات على تركيا ولم تفت ماكرون الإشارة الى أن القادة الـ27 «أثبتوا قدرتهم على إظهار الحزم» إزاء أنقرة (رويترز)
TT

الأوروبيون يعتمدون مبدأ «الضغوط المتدرجة» ضد أنقره

الرئيس الفرنسي يعبر عن ارتياحه لقرار القمة الأوروبية فرض عقوبات على تركيا ولم تفت ماكرون الإشارة الى أن القادة الـ27 «أثبتوا قدرتهم على إظهار الحزم» إزاء أنقرة (رويترز)
الرئيس الفرنسي يعبر عن ارتياحه لقرار القمة الأوروبية فرض عقوبات على تركيا ولم تفت ماكرون الإشارة الى أن القادة الـ27 «أثبتوا قدرتهم على إظهار الحزم» إزاء أنقرة (رويترز)

يحق للرئيس الفرنسي أن يعبر عن «ارتياحه» لقرار القمة الأوروبية فرض عقوبات على تركيا بسبب تعديها على المياه الإقليمية لعضوين في الاتحاد (هما اليونان وقبرص)، وسعياً وراء وضع حد للعبة «القط والفأر» التي تلعبها أنقره معه. ولا يجانب إيمانويل ماكرون الصواب عندما يؤكد أن القادة الأوروبيين منحوا الرئيس طيب رجب إردوغان «فرصة» لتصحيح العلاقة مع الاتحاد، والسير بـ«أجندة» إيجابية، تتضمن كثيراً من الفوائد لأنقرة، وذلك مقابل التخلي عما وصفه الناطق باسم الاتحاد بـ«الأعمال غير المشروعة العدوانية» أو «الأحادية الاستفزازية» التي تقوم بها تركيا في مياه المتوسط الشرقي العائدة لأثينا ونيقوسيا. ولم تفت ماكرون الإشارة إلى أن القادة الـ27 «برهنوا على قدرتهم على إظهار الحزم» إزاء تركيا.
وتعد باريس أنها أدت درواً رئيسياً في إحداث تغيير جدي في المواقف الأوروبية التي كانت منقسمة بين داعم إلى التشدد مع أنقرة وآخر يميل إلى غض الطرف. صحيح أن القادة الأوروبيين نجحوا في التوصل إلى موقف موحد لإقرار مبدأ فرض العقوبات، رغم تردد ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمجر وبلغاريا ومالطا، حيث لكل من هذه الدول أسبابه الخاصة لرفض الدخول في نزاع مع تركيا، أو لتعريض العلاقات المشتركة للمخاطر. أما محور «الصقور»، فتتزعمه فرنسا، ويضم اليونان وقبرص وبلجيكا وهولندا وآيرلندا والنمسا وبلدان البلطيق. لكن التغير الذي كان له وقعه تمثل بألمانيا التي «فرملت» في السابق أي اندفاعة نحو فرض عقوبات على تركيا، من خلال مستشارتها أنجيلا ميركل، رئيسة الاتحاد حتى نهاية العام الحالي.
وتقول مصادر أوروبية في باريس إن برلين «لم تحصل على شيء» من الرئيس التركي، الأمر الذي دفعها لتسير «نصف الطريق» مع محور «الصقور»؛ بمعنى أنها قبلت البدء بفرض عقوبات، شرط أن تبقى في «حدها الأدنى»، وألا يسحب القادة الأوروبيون مقترح «الأجندة الإيجابية». وهكذا، تكون برلين قد أدت دور «صلة الوصل» بين المجموعتين، مع ترك الأبواب مفتوحة إزاء تركيا، بحيث تعد العقوبات مجرد «تحذير» على أنقره أن تتلقف معناه، مع إعطائها مهلة إضافية حتى شهر مارس (آذار) المقبل، حيث سيعيد القادة الأوروبيون النظر في العلاقة مع أنقره. بيد أن التدقيق فيما صدر عن القادة الأوروبيين يبين أن العقوبات الأوروبية -بحسب المشار إليها- يبين أمرين متلازمين: الأول، أنها جاءت ليس فقط ضعيفة، ولكن أيضا «مبدئية» مع «وقف التنفيذ». فالقادة الـ27 أقروا مبدأ فرض العقوبات على أفراد ضالعين في أنشطة التنقيب عن الغاز في المياه اليونانية والقبرصية، لكن لائحة أسمائهم غير موجودة بعد، ويتعين أن تعد في الأسابيع المقبلة. غير أن الأهم أنه يتعين على الدول الأعضاء أن تقرها فردياً، ما يعني عملياً إمكانية تجميدها. فسياسة الاتحاد الخارجية تعمل وفق مبدأ الإجماع. ومن هنا، فإن إقرار العقوبات لا يتعدى كونه «رسالة» للسطات التركية، مفادها أن أوروبا قادرة على «الحزم»، ولكن بالتقسيط. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد فرض العام الماضي عقوبات على مسؤولين اثنين في «شركة النفط التركية»، لدورهما في التنقيب في المياه القبرصية، وبالتالي فإن العقوبات الإضافية ستطال أشخاصاً إضافيين، بحيث يتم تجميد أصولهم في دول الاتحاد، ويحرمون من تأشيرات الدخول.
والملاحظة الثانية أن القادة الـ27 يعملون وفق مبدأ «الخطوات التصعيدية التدريجية»، وأملهم أن تنصاع أنقره، بحيث يزول الإحراج الداخلي الذي يعانون منه، وهم يراهنون من جهة على ما بينوا عنه من تعاضد في إطار الأسرة الأوروبية من جهة، وعلى تغير السياسة الأميركية مع وصول جو بايدن الديمقراطي إلى البيت الأبيض.
والترجمة العملية لمبدأ «المرحلية» عنوان إمكانية معاقبة شركات تركية معنية بأعمال المسح الجيولوجي، علماً بأن وزير خارجية الاتحاد، جوزيب بوريل، أعد لائحة كاملة من العقوبات التي يمكن اللجوء إليها. وطالبت اليونان بعقوبات أقصى، بل ذهب وزير خارجيتها إلى الدعوة لمنع حصول أنقره على أسلحة أوروبية. لكن هذه الدعوة لم تلقَ آذاناَ صاغية، كما أهمل مطلب وقف الاستثمارات في الاقتصاد التركي ووضع حد لمفاوضات انضمام أنقره إلى النادي الأوروبي.
ومرة جديدة، تلقى مهمة متابعة الملف التركي على جوزيب بوريل الذي سيتعين عليه ليس فقط أن يعد لائحة بالأسماء (وأيضاً الشركات) التي تتعين معاقبتها، بل خصوصاً أن يقدم تقريراً بنهاية شهر مارس (آذار) 2021، يقوم فيه مجمل العلاقة مع تركيا، والوضع في المنطقة المتوسطية. وأكثر من ذلك، دعي بوريل إلى الإعداد لمؤتمر متوسطي متعدد الأطراف من أجل البحث في إمكانية إيجاد حلول للنزاعات القائمة فيه.
وهكذا، يكون القادة الـ27 قد طووا صفحة القمة بأقل قدر ممن الخسائر، وأرضوا الأطراف كافة، ووجهوا إنذاراً لأنقره دون التسبب بالقطيعة معها، وتكون ميركل قد نجحت مجدداً في فرض خطها «الوسطي»، بحيث «لا يموت الذئب جوعاً، ولا يفنى الغنم»، وفق القول الشعبي المأثور.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.