إسرائيل وبايدن... لا مشكلة حقيقية بينهما

الخلاف بين «مؤسسة السلطة» في تل أبيب من جهة ونتنياهو من جهة ثانية

إسرائيل وبايدن... لا مشكلة حقيقية بينهما
TT

إسرائيل وبايدن... لا مشكلة حقيقية بينهما

إسرائيل وبايدن... لا مشكلة حقيقية بينهما

«إذا كان لا بد من عمل ضروري لجعل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن، علاقات جيدة، فعلينا أن نجري مفاوضات بين إسرائيل كدولة ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. نحن لا نخاف على إسرائيل من بايدن؛ فهو صديق وحليف قديم رصيده زاخر بالأحداث التي أثبت خلالها إخلاصه للحلف الاستراتيجي مع إسرائيل. أما مشكلتنا فهي مع نتنياهو، الذي نخشى أن يحاول تكرار صداماته مع البيت الأبيض إبان عهد باراك أوباما. لقد كان بايدن هناك في البيت الأبيض، كنائب للرئيس، شاهداً حيّاً على الكثير من المحادثات الهاتفية الساخنة بين تل أبيب وواشنطن. وعندما كان أوباما يغلق الخط، كان بايدن يسمعه يشتم بكلمات من الوزن الثقيل. وهو بالتأكيد كان يتمنى لو أن نتنياهو غير موجود في رأس هرم الحكم الإسرائيلي، ويحسب ألف حساب للتعامل معه. ومع ذلك فإنه سيواصل العمل بحذر حتى لا يكون سبباً في خلافات معه»... بهذه الكلمات لخّص متحدّث صورة الموقف السياسي في تل أبيب وواشنطن هذه الأيام، عشية دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض.
قائل الكلمات أعلاه هو أحد الجنرالات السابقين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ولقد دخل الحلبة السياسية وغادرها بسرعة، ويعمل في مجال الأبحاث السياسية والاستراتيجية. واليوم يسمح الرجل لنفسه بأن يقول: «إذا كان هناك تنافس بين بنيامين نتنياهو وجو بايدن فإنني ممن يتمنون ألا يكون الفوز من نصيبنا. لأن لدينا رئيس حكومة يكرّس كل شيء، أيضاً في العلاقات الخارجية، لمصلحة معركته الشخصية».
لكن منذ أن تجرأ بنيامين نتنياهو على الاعتراف بنتائج الانتخابات الأميركية واتصل ليهنئ الرئيس الجديد بايدن، تبذل جهود كثيرة لإقناعه بضرورة أخذ زمام المبادرة وفتح صفحة جديدة معه ومع الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة. ويقف وراء هذه الجهود كثيرون: قادة يهود الولايات المتحدة، وأنصار إسرائيل في الحزب الديمقراطي، ومسؤولون في أجهزة الأمن في البلدين، والسفير الإسرائيلي في واشنطن، رون دريمر، وعدد من رجال الأعمال في البلدين، ورئيس «المؤتمر اليهودي العالمي» رون لاودر، ورئيس «الوكالة اليهودية» يتسحاك هيرتسوغ... وغيرهم. هؤلاء جميعاً يرون أن مصلحة إسرائيل تقتضي تحسين علاقاتها مع بايدن.
وكما يقول الدكتور إلداد شافيت، الباحث الاستراتيجي في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، فإن انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة يحتّم على إسرائيل إعادة النظر في سياساتها وأساليب تعاونها مع إدارته الجديدة. ويقول: «لا أحد ينكر أنه طيلة السنوات التي عمل خلالها في الميدان السياسي وتولى منصب نائب الرئيس، أظهر الرئيس المنتخب تعاطفاً والتزاماً تجاه إسرائيل وحاجاتها الأمنية ومصالحها. وفي الوقت نفسه، اعتادت إسرائيل وقيادتها على إدارة رئاسية مختلفة تماماً عن إدارة باراك أوباما خلال السنوات الأربع الماضية. ففي ظل إدارة ترمب تطابقت المواقف في معظم الأحيان، وقُدّمت هدايا أميركية كثيرة لنتنياهو، كالاعتراف بالقدس عاصمة ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، والاعتراف بضم الجولان، وتشريع الاستيطان، وغير ذلك. ولكن، مع تسلّم إدارة جديدة، ستضطر الدولتان إلى أن تتعلما مجدداً كيفية العمل معاً. ومن وجهة نظر إسرائيل، سيكون من الضروري تضييق الفجوات التي تبدأ على ما يبدو بالظهور بين البلدين».
- إسرائيل وإيران والفلسطينيون
من الصعب القول، في أي مجال، إن «إسرائيل تريد هذا أو ذاك»، لأن إسرائيل ليست كتلة موحّدة في مواقفها، حتى إزاء القضايا الاستراتيجية. وكما هي الولايات المتحدة ممزّقة بين تيارين في الحكم، يمثلهما الحزبان الجمهوري والديمقراطي، في إسرائيل تمزّق أكبر. وثمة صراعات بين عدة تيارات: اليمين يفكر بطريقة واليسار مضاد له، والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية لها حسابات مختلفة، ورئيس الوزراء نتنياهو يُعتبر تياراً مختلفاً عن الجميع، يتحكم به وضعه القضائي ومحاكمته بتهمة الفساد.
حكومة نتنياهو، اليوم، تريد من إدارة بايدن اتخاذ مواقف متشددة من المشروع النووي الإيراني وإحباطه، وتقييد قدرات طهران على إنتاج صواريخ باليستية بعيدة المدى. كذلك تريد مساندة أميركية لها في عملياتها المثابرة في ضرب التموضع الإيراني في سوريا، والسعي لإخلاء الشام من الوجود العسكري الإيراني المباشر، وضرب الميليشيات الإيرانية، بما في ذلك «حزب الله»، كي لا يجعل من الجولان الشرقي جبهة حرب جديدة مع إسرائيل. وأخيراً، تريد أيضاً مواصلة دعمها للضغوط على «حزب الله» في لبنان.
هذه الحكومة تعرف تماماً أن بايدن ليس ترمب ولن يكون كذلك. ومع هذا فإنها تريد منه، أولاً، ألا يلغي شيئاً من المواقف التي اتخذها ترمب، وكانت بمثابة هدية لنتنياهو، مثل قضايا القدس والجولان والاستيطان. وأيضاً الاستمرار في التوصل إلى اتفاقيات السلام مع العالم العربي. وعموماً، أن تكون سياسته أقرب ما يمكن لسياسة ترمب. وحقاً، أطلق نتنياهو تصريحات واضحة بشأن بعض المواضيع تدل على أنه لن يتنازل عن طروحاته. وفي الموضوع الإيراني يقال إن اغتيال عالم الذرة في قيادة «الحرس الثوري» محسن فخري زادة - الذي تنسبه جهات أجنبية إلى إسرائيل - جاء رسالة من نتنياهو لبايدن مفادها أن لديه وسائل ضغط ومسار عمل مستقلاً مع طهران.
في الموضوع السوري لا يقف نتنياهو وحده، بل تشاركه «المؤسسة الأمنية»، أي الجيش والاستخبارات، الرأي بضرورة محاربة التموضع الإيراني العسكري. وإذا كان ثمة اكتفاء قبل سنتين بإبعاد القوات الإيرانية عن حدود وقف إطلاق النار مع إسرائيل في الجولان لمسافة 70 - 80 كلم، فإن مطلب نتنياهو و«المؤسسة» بات اليوم يتجاوز الإخلاء ليصل إلى الانسحاب التام من سوريا. وبالذات، إبعاد الميليشيات التابعة لإيران من الجنوب السوري تماماً. ويعلن الفريقان أن كل فرد من الميليشيات في هذه المنطقة وكل موقع، سيكون هدفاً للتصفية.
وحقاً، وحسب مصدر عسكري كبير في الجيش الإسرائيلي، فإن القصف الذي تنفذه إسرائيل في سوريا «يحتوي على رسالة يفهمها جيداً النظام السوري والقادة الإيرانيون وقيادة (حزب الله) أيضاً، مفادها أن أي حراك أو استفزاز أو ضربة توجه لإسرائيل سيأتي الرد عليها أقسى بعشرات الأضعاف، وستكون موجهة إلى العناصر الثلاثة معاً: الجيش السوري ومواقع الوجود الإيراني والمواقع التي تنطلق منها العمليات». وضرب مثلاً على ذلك في القصف الأخير في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ اكتُشِف لغم قرب الحدود مع إسرائيل فقصفت ثمانية أهداف داخل سوريا، ما أدى لمقتل 11 شخصاً، بينهم سوريون وإيرانيون.
أما في الموضوع الفلسطيني، فالانطباع في إسرائيل أن بايدن لن يسارع لتقديم مقترحاته الخاصة. ولم يتضح إلى أي مدى سترى إدارته القادمة في «خطة القرن» التي طرحها ترمب، أو في مكوّناتها، أساساً لتجديد العملية السياسية. مع ذلك فإن نتنياهو يدرك أن بايدن سيعيد العلاقات بين الإدارة الأميركية والسلطة الفلسطينية، وسيعيد فتح مكاتب منظمة التحرير في واشنطن، وأيضاً سيخصّص مساعدات مالية سنوية، وسيسعى لتقييد المشروع الاستيطاني، وسيؤيد حل الدولتين ويبقيه على الأجندة الدولية. ولذا فإن حكومة نتنياهو تحاول الاستفادة مما تبقى من فترة ترمب لإقرار مشاريع استيطانية. وتستعد لمواجهة مطالب الإدارة الجديدة، مع الأمل بوقوع الفلسطينيين في أخطاء يسهل استغلالها لعرقلة التقدم في الحلول والتسويات.
أخيراً، هناك موضوع لا خشية في إسرائيل من تراجع فيه عند بايدن، وهو موضوع العلاقات الثنائية في المجال العسكري والأمني؛ فالدعم الأميركي السنوي بقيمة 38 مليار دولار، يعود أصلاً لعهد أوباما - بايدن وسيستمر. والجيش الإسرائيلي يقيم علاقات تعاون وشراكة مباشرة مع الجيش الأميركي، لا تتأثر بسوء العلاقات بين السياسيين، لأنها مبنية على تقييم مهني للمصالح المشتركة. والأمر نفسه ينطبق على التعاون الاستخباري والحرب «السيبرانية».
السؤال إذن هو: متى سيطرح موقف نتنياهو من هذه القضايا مع بايدن؟
- اتصالات غير مستفزة
أوساط سياسية عليمة، تؤكد أن رجال نتنياهو باشروا الاتصالات مع طاقم بايدن، ولكن بحذر شديد كي لا يغيظوا ترمب، وأن هذه الاتصالات ستزداد وثوقاً عندما يدخل بايدن رسمياً إلى البيت الأبيض، ثم إن نتنياهو سيواصل التقليد التاريخي بالقيام بزيارة رسمية إلى واشنطن في أقرب وقت ممكن، بعد تنصيب الرئيس الأميركي، وهو لن يكتفي بالعلاقات الثنائية معه، بل سيسعى إلى «تشكيل جبهة إيجابية مع الدول العربية التي تواجه الإشكاليات نفسها مع الإدارة الديمقراطية في واشنطن».
أحد المسؤولين في حزب «كحول لفان» (أزرق - أبيض)، يضع قضية العلاقة مع بايدن «كواحدة من القضايا التي توجب على نتنياهو الحفاظ على حكومته الحالية لكي تقوّي مركزه في واشنطن». ويقول إن بايدن أقرب بفكره إلى أبرز قادة «كحول لفان» بيني غانتس (رئيس الحكومة البديل ووزير الأمن) وغابي أشكنازي (وزير الخارجية)، مما هو من نتنياهو. ويرى أنه في حال استمرار الحكومة وتعذّر التوجه لانتخابات مبكرة، سيسعى غانتس وأشكنازي إلى إجراء حوار مهني جدّي وودود مع فريق بايدن. ثم يضيف «هناك أمور تحتاج بشكل ملح إلى مداولات إيجابية. إننا على دراية جيدة بتوجّه كان قد بدأ خلال عهد أوباما، واستمر في حقبة ترمب، وسيبقى على الأرجح خلال ولاية بايدن، ألا وهو: الحدّ، إلى أقصى درجة ممكنة، من الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. وليس بوسع إسرائيل وضع حدّ لهذا التطور. لكن من وجهة نظرنا، ونظر الشركاء العرب، يجب ألا يُلحق هذا القرار الضرر بصورة الولايات المتحدة كقوة رائدة في المنطقة، وألا يتمّ اعتباره وكأنه يحدّ من التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها في المنطقة، خصوصاً أن هناك من يسعى لملء الفراغ مثل روسيا والصين. وهناك القضية الإيرانية، التي نخشى أن يعيد بايدن فيها عقارب الساعة إلى الوراء فيعود إلى الاتفاق النووي. وهنا ينبغي أن يكون لنا وللشركاء العرب المتضرّرين من سياسة إيران وممارساتها، كلمة وتأثير. وإذا توجّهت إدارة بايدن لاتفاق جديد فنحن نريد اتفاقاً موسّعاً يشمل الصواريخ الباليستية واتفاقاً يمنع إيران من تطوير قدراتها النووية العسكرية بأي حال، وكذلك نريد نظام تفتيش صارماً... ولكي يحصل هذا ينبغي ألا يتوقف نظام العقوبات الشديدة».
- قلق بين الباحثين
في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أجرى معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، يوماً دراسياً حول العلاقة بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة جو بايدن، تضمنت «سيناريوهات» متعددة، وتجلّى خلالها القلق من تكرار الخلافات التي سادت إبّان عهد باراك أوباما.
شارك في المداولات مجموعة من الخبراء والاستراتيجيين والجنرالات السابقين في الجيش. وأكدوا أنه «بعد أربع سنوات من إدارة ترمب، التي كان لإسرائيل خلالها تأثير كبير على السياسة الأميركية، سيتوجب عليها إجراء تعديلات تلائم الواقع الجديد وصياغة استراتيجية محدثة لاتصالها مع الفريق الذي سيقود السياسة الخارجية المقبلة. ومع أن بايدن يُعد صديقاً لإسرائيل، فمن المتوقع أن يكون متشككاً إزاء نيات الحكومة الإسرائيلية بسبب الرواسب المتبقية من فترة نهاية عهد أوباما، والعلاقة الحميمة التي سادت بين نتنياهو وترمب. وبالتالي، يحتاج كلا الجانبين إلى تعلم العمل معاً مجدداً، ومن المحتمل أن تكون الإدارة الجديدة مهتمة بالمبادرة». لذا، مهم جداً (وفق الخبراء) أن تصل إسرائيل إلى الاجتماع مع الإدارة الجديدة «بأيدٍ نظيفة»، ومن المهم استيعابها السريع لحقيقة أن الواقع تغيّر، وأن عليها تكييف السلوك مع السياسة الأميركية المتبلوِرة وطريقة سلوك الرئيس المقبل والإدارة الجديدة.
ومن ثم خرج الباحثون بتوصيات مفصلة في أساسها «أن تحافظ إسرائيل، أقله في الأشهر المقبلة، على الحوار مع الإدارة الجديدة بتكتم، مع تجنب الانتقاد وتقديم النصائح على الملأ، وتجنب إجراءات التحدي بشكل خاص. ويجب عليها أيضاً الامتناع عن الظهور وكأنها تحاول تطويق الإدارة من خلال الكونغرس، خاصة إذا بقيت الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ومن المهم، كذلك، أن تجدول إسرائيل القضايا التي ستُطرح للنقاش وفقاً للأولويات. إذ يجب التركيز على القضية الإيرانية التي من المحتمل أن تنشأ الخلافات حولها. كما يجب على إسرائيل عرض خطوات يمكن دفعها قدماً، لا مجرد التركيز على رفض الأفكار التي تطرحها الإدارة. ومن المتوقع أيضاً أن تطفو الفجوات في القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، يجب أن تركز الاستراتيجية الإسرائيلية على محاولة إقناع الإدارة الجديدة بالحفاظ على المكوّنات الإيجابية لـ(خطة القرن)، مع ضمان عدم رفض الإدارة للبرنامج بأكمله بفعل الرغبة بالتنكر لإرث ترمب».
من التوصيات أيضاً «عمل إسرائيل على تنسيق السياسة الإقليمية، لا سيما في سياق الخطوات التي تتخذها إسرائيل لكبح التوسع الإيراني. وعلى إسرائيل أيضاً تكييف علاقتها مع الولايات المتحدة بشأن التنافس بين القوى العظمى، وتكثيف التعاون التكنولوجي معها إلى حد إنشاء تحالف تكنولوجي يقف في طليعة الصراع بين القوى. أضف إلى ذلك، من المهم التركيز على الفور على بذل جهود قوية لاستعادة العلاقات مع الحزب الديمقراطي، بما في ذلك إنشاء خطوط اتصال مفتوحة مع الأعضاء المنتخبين في الحزب الديمقراطي، وكذلك مع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة».
ولكن، ما يبقى ناقصاً في طرح هذه القضية هو الوضع السياسي غير المستقر في إسرائيل، فإذا دخلت إلى معركة انتخابات جديدة، فستتحول العلاقة مع إدارة ترمب إلى موضوع انتخابي تتغلّب فيه السياسة الحزبية على الصورة الشمولية وتحدياتها. وإذا بقيت الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو، فإن المسألة ستكون موضع نقاشات وخلافات داخل الحكومة نفسها. وعليه، فإن الموقف الإسرائيلي سيحاط بالضبابية... وحتى واشنطن، بمكانتها وأدواتها، لن تستطيع الحصول على صورة واضحة للموقف الإسرائيلي.
- اليهود الأميركيون... هم الأكثر قلقاً
- الشروخ في العلاقات بين حكومة بنيامين نتنياهو وبين إدارة أوباما - بايدن، تسببت بشروخ كبيرة أيضا بين تل أبيب وبين يهود الولايات المتحدة. وحسب دراسة أجريت أخيراً في مقر «الوكالة اليهودية العالمية» في القدس الغربية، فإن يهود أميركا هم الأكثر قلقاً من خطر العودة إلى الصراعات القديمة. ولذلك فهم يستصرخون المسؤولين الإسرائيليين طالبين رأب الصدع في أسرع وقت ممكن.
اليهود الأميركيون، حقاً، شريحة مهمة في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. وبما أن معظمهم (77 في المائة) صوّتوا لصالح جو بايدن في الانتخابات الأخيرة، فإنهم لا يثقون بنتنياهو، ويتوجهون إلى «الوكالة اليهودية» و«المؤتمر الصهيوني العالمي» ورئيس الدولة في إسرائيل رؤوبين رفلين، طالبين إعادة اللحمة إلى اليهود، وإقناع نتنياهو ببذل جهد حقيقي لفتح صفحة جديدة مع الحزب الديمقراطي وزعيمه الرئيس بايدن، والامتناع عن تكرار الخلافات والصراعات التي سادت في عهد أوباما.
المعروف أن عدد اليهود في العالم يقارب 15 مليوناً، يعيش منهم في إسرائيل نحو 7 ملايين وفي الولايات المتحدة 6 ملايين. ولليهود الأميركيين تأثير على الحياة السياسية الأميركية وذلك نتيجة لانخراطهم في العمل السياسي وتبرّعاتهم السخية. ولكن خلافات سياسية كبيرة انفجرت بينهم وبين إسرائيل منذ حكومة بنيامين نتنياهو سنة 2009 وحتى اليوم، إذ إن الأخير كسر التقليد المبدئي للحركة الصهيونية بالالتزام بتحاشي الاصطفاف إلى جانب حزب ضد آخر في الولايات المتحدة، وبنى حلفاً صريحاً مع الحزب الجمهوري، ودخل في حرب علنية مع الرئيس الديمقراطي باراك أوباما. وطوال السنوات الأربع الأخيرة، بنى نتنياهو سياسته على التحالف مع الرئيس دونالد ترمب، غير المحبوب لدى يهود أميركا. والآن، مع انتخاب بايدن، ثمة قلق لدى العديد من الأوساط اليهودية في إسرائيل والولايات المتحدة من أن ينعكس التحيّز الإسرائيلي الرسمي سلباً على علاقة بايدن مع إسرائيل.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.