رايس تفضح تقنيات البيت الأبيض في الضغط على الصحافيين

قالت إن مسؤولي الأمن القومي يستخدمون أسلوبين لمنع نشر مقال صحافي

كوندوليزا رايس
كوندوليزا رايس
TT

رايس تفضح تقنيات البيت الأبيض في الضغط على الصحافيين

كوندوليزا رايس
كوندوليزا رايس

قالت مستشارة الأمن القومي السابقة كوندوليزا رايس، أول من أمس، إن مسؤولي البيت الأبيض يفضلون استخدام أسلوبين رئيسين عندما يرغبون في منع نشر إحدى المقالات الصحافية؛ إذ يمكنهم تأكيد الخبر بشكل أساسي بالقول إنه مهم جدا للأمن القومي لدرجة عدم الرغبة في نشره، أو بالقول إن المراسل حصل عليه بطريقة خطأ.
وكشفت المسؤولة الأميركية السابقة عن هذه المعطيات في سياق الإدلاء بشهادتها أمام المحكمة التي يمثل أمامها جيفري ستيرلينغ، العميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، الذي يحاكم بتهمة تسريب معلومات سرية. وشرحت كيف نجح البيت الأبيض في إقناع محرري جريدة «التايمز» بعدم نشر مقال عن عملية سرية تستهدف تعطيل البرنامج النووي الإيراني. لكن جيمس رايزن، مراسل «التايمز»، كشف في النهاية عن البرنامج في كتابه «حالة حرب» الذي صدر عام 2006، وذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية أفسدت العملية. وقد استعان ممثلو الادعاء بشهادة رايس لتأييد قضيتهم بأن تسريب المعلومات إلى رايزن ألحق ضررا بالأمن القومي. وبهذا الخصوص قالت رايس: «لقد كان محاطا بالسرية، وكان أحد أكثر البرامج سرية خلال فترة عملي مستشارة للأمن القومي». كما سلطت رايس الضوء على كيفية ممارسة الحكومة ضغوطا على الصحافيين من أجل تجنب نشر تفاصيل حول الشؤون الأمنية الأميركية، وهو إجراء شائع نادرا ما تجري مناقشته.
ففي عهد الرئيس جورج دبليو بوش، حث البيت الأبيض الصحافيين على منع نشر تقارير حول الكثير من الجوانب التي كانت أكثر إثارة للجدل في الحرب على الإرهاب، مثل وجود سجن سري في تايلاند، وبرنامج الاستجواب والاعتقال التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، وعمليات التنصت من دون تصريح، والرقابة الحكومية للمعاملات المالية.
وكانت إدارة الرئيس أوباما قد أقنعت الصحافيين بتأجيل نشر أخبار عن اسم البلد الذي تجري فيه دراسة توجيه ضربة بطائرات من دون طيار ضد مواطن أميركي، وحقيقة أن الدبلوماسي الذي اعتقل في باكستان هو ضابط تابع لوكالة الاستخبارات المركزية، وأن رجل أعمال أميركيا كان يعمل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية عند اختفائه في إيران.
كما يواجه ستيرلينغ اتهامات بتسريب معلومات سرية إلى رايزن؛ إذ تشير التسجيلات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني إلى أن الرجلين كانا على اتصال، وتقول وزارة العدل إن ستيرلينغ كان موظفا ساخطا، وقام بتسريب المعلومات بهدف إلحاق الضرر بالوكالة. ولكن محاميه يدفعون بأن الحكومة لم تحقق مع أي شخص آخر بشأن التسريب، أو تراجع التسجيلات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني لزملاء ستيرلينغ قبل التركيز عليه.
كما أفاد ويليام هارلو، وهو متحدث سابق باسم وكالة الاستخبارات المركزية، في شهادته التي أدلى بها أول من أمس، بأنه فوجئ عندما أثار رايزن لأول مرة موضوع العملية الإيرانية في أبريل (نيسان) 2003، وشهد هارلو بأنه لم يكن يعرف في ذلك الوقت بوجود مثل هذه العملية، وأخبر رايزن فقط أن «إحدى المطبوعات التي لا تراعي مصالحنا» ستنشر مثل هذه المقالة. وأضاف هارلو موضحا: «كنت أرغب في جذب انتباهه». وقد قام هارلو بتلخيص المحادثات الهاتفية المتعددة مع رايزن في مذكرات من شأنها أن تشكل أساسا للتحقيق في تسريب المعلومات.
وتضمنت العملية الإيرانية عالما نوويا روسيا سابقا، يعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية، كان سيقوم بتزويد طهران بتصميمات تخطيطية معيبة عن عمد. ويشير كتاب رايزن إلى أن البرنامج تعرض لسوء إدارة، وأن الإيرانيين سرعان ما اكتشفوا العيوب، وتمكنوا من مواصلة العمل من خلال الالتفاف عليها. ولكن الحكومة دحضت مثل هذه الاستنتاجات. ووفقا لمذكرات صدرت من اجتماع في البيت الأبيض، فقد أخبر جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الوقت، كلا من رايزن ورئيسة التحرير جيل أبرامسون، بأن البرنامج لم يتعرض لسوء إدارة، وأن إيران لم تكتشف الخلل في التصميم. وأعدت وكالة الاستخبارات المركزية نقاط حوار لرايس، أشارت فيها إلى أن الكشف عن هذا البرنامج لن يعرض العالم الروسي السابق - الذي أصبح مواطنا أميركيا - وحده للخطر، ولكنه «قد يتسبب في مصرع ملايين من الضحايا الأبرياء»، في حالة وقوع هجوم نووي إيراني. وقالت رايس إنها طالبت صحيفة «التايمز» بتدمير أي وثائق أو مذكرات حول هذا البرنامج.
وفي النهاية لم تنشر صحيفة «التايمز» المقال، وأخيرا قالت أبرامسون، التي كانت تشغل منصب مدير مكتب واشنطن في ذلك الوقت، إنها ندمت على عدم نشرها. وعندما علمت بشهادة رايس قالت أبرامسون في رسالة بالبريد الإلكتروني يوم الخميس الماضي إن المحاكمة «تتجه على ما يبدو إلى الانحدار ولا طائل منها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ {الشرق الأوسط}



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.