اضطر المدافع البرازيلي غابرييل ماغالهايس للسفر لما يقرب من 500 ميل من أجل الخضوع للاختبار الذي غيّر حياته بالكامل. فلم يكن لديه ما يكفي من المال للبقاء في مدينة فلوريانوبوليس لأكثر من يومين، لذا كان يتعين على مسؤولي نادي «آفاي» أن يتخذوا قراراً سريعاً بشأن التعاقد معه من عدمه. ولم يكن غابرييل بحاجة إلا لحصة تدريبية واحدة فقط لكي يُقنع الجميع بأنه قلب الدفاع الجديد للنادي. وعلى الرغم من موهبته الواضحة، لم يستمر غابرييل في هذه التجربة سوى أسبوع واحد فقط، نظراً لأن الفتى الصغير كان يشعر بالحنين إلى جنوب البرازيل، وسرعان ما عاد إلى ساو باولو ليكون مع عائلته.
كان غابرييل يبلغ من العمر 15 عاماً في تلك الفترة، وبكى بحرقة ووجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع زملائه في الفريق. ومع ذلك، كانت هذه فرصة عظيمة لمساعدة عائلته مالياً. وبعدما تحدث غابرييل مع والده، اتصل بالمدير الفني لنادي «آفاي»، دييغو فيرنانديز، الذي لا يزال يعمل في النادي حتى اليوم، وأخبره بأنه يرغب في العودة، ووافق فرنانديز على ذلك.
يقول فرنانديز: «كنا نعلم أن هذا الأمر يمكن أن يحدث، لأن المشكلة الأولى التي يواجهها لاعب كرة القدم هي البعد عن عائلته. وكنا نعلم أيضاً أن آفاي سيكون أحد الأندية القليلة التي ستقبل غابرييل، نظراً لأنه كان نحيفاً وطويلاً جداً. كان يلعب بالقدم اليسرى، لكنه كان ضعيفاً بعض الشيء في الالتحامات، ولم يكن قادراً على تسديد الكرة بالرأس بشكل جيد. لكننا أثبتنا أننا كنا على صواب في نهاية المطاف، فقد أصبح أغلى لاعب يبيعه نادي آفاي عبر تاريخه (عندما تم بيعه إلى ليل الفرنسي في عام 2017). إنه لاعب رائع».
وكان غابرييل يقاتل من أجل حجز مكان له في التشكيلة الأساسية لفريق الشباب. ولم تكن لديه أي خبرة سابقة على مستوى اللعب في أكاديميات الناشئين، لكنه سرعان ما وصل إلى القمة. ويتذكر نيلتينو كوستا، أول من تولى تدريب غابرييل في نادي آفاي، أول مرة رأى فيها المدافع البرازيلي، وهو يلعب في أول اختبار له في النادي في ملعب مغطى بالعشب الصناعي تحت قطرات المطر، قائلاً: «كان لدينا بالفعل لاعبان يلعبان بقدميهما اليسرى في الفريق، لكن كان يتعين علينا أن نستغني عن أحدهما حتى يتمكن غابرييل من اللعب معنا. عندما رأيته يلعب قلت لنفسي إن هذا اللاعب يمكنه أن يلعب على المستوى الاحترافي وهو في الثامنة عشرة من عمره. وعلى المستوى الشخصي، كان غابرييل رائعاً أيضاً؛ حيث كان محبوباً من الجميع. كنت أتحدث معه كثيراً وأوجهه داخل الملعب، وأمنحه كل الدعم اللازم عندما يشعر بالحنين إلى الوطن. كانت المشكلة الوحيدة في هذا الأمر تتمثل في أنه ولد في شهر ديسمبر (كانون الأول)، لأن هذا كان يعني أنه كان يلعب مع لاعبين آخرين أكبر منه بعام كامل تقريباً، وبالتالي كان بحاجة لوقت أطول لكي ينمو ويتطور من الناحية البدنية والجسدية».
لقد كان غابرييل خجولاً وكان يعاني بسبب غيابه عن عائلته، لكنه في نهاية المطاف بدأ يشعر بأنه في منزله بسبب تعاون زملائه في الفريق ووجود طبيب نفسي كان يساعده في التغلب على هذا الأمر. لكنه كان لاعباً نحيفاً، وبالتالي كان يتعين عليه أن يتحسن من الناحية البدنية وأن يتعلم كيف يتغلب على عيوبه. يتذكر فرنانديز ذلك قائلاً: «هناك قصة طريفة عن مسيرته الكروية. لقد كان ماركاو، الذي يلعب حالياً مع نادي غلاطة سراي التركي، هو الخيار الأول في مركز قلب الدفاع، وكان غابرييل يجلس على مقاعد البدلاء. ومع ذلك، علمنا أن ماركاو كان يتخلف عن الذهاب إلى المدرسة، ولم نكن نقبل بذلك الأمر في نادي آفاي، لذلك قررنا استبعاده من التشكيلة الأساسية. لم يتقبل والد ماركاو هذا الأمر، ولم يأتِ اللاعب إلى النادي لمدة 3 أشهر نتيجة لذلك. ثم أصبح غابرييل هو الخيار الأول في مركزه، وجاءته الفرصة الحقيقية عندما لعبنا أمام فلامنغو في كأس البرازيل. ومنذ ذلك الحين، بدأ غابرييل يسير بخطى ثابتة نحو القمة».
وكما حدث مع ماركاو، لم يكن غابرييل يحب الدراسة. يقول فرنانديز: «كان يتعين عليه الالتزام بدراسته حتى يمكنه مواصلة التعلم والحصول على شهادة دراسية إذا لم تسر الأمور بشكل جيد على مستوى كرة القدم». لذا اتصل النادي بأسرة غابرييل، وحاول الوصول إلى شخص قريب له أنهى دراسته بشكل جيد لإبراز أهمية التعليم والذهاب إلى المدرسة.
وسافرت عرّابته إلى سانتا كاتارينا للتوصل إلى حل لهذه المشكلة. يقول فرنانديز ضاحكاً: «لقد كانت لحظة عصيبة للغاية. لقد جاءت وتحدثنا إليه، وشرحنا له جميع الفوائد التي سيحصل عليها من الذهاب إلى المدرسة. لقد كان بحاجة إلى ذلك لأنه طريقة تفكيره كانت قد بدأت تتغير في ذلك الوقت. كان غابرييل مهذباً جداً، لذا كان من السهل للغاية أن تتحدث معه في أي أمر بجدية».
واستمر غابرييل في التطور والتحسن داخل الملعب، على الرغم من أنه كان بحاجة إلى أن يكون أكثر قوة وشراسة من الناحية البدنية. يقول نيلتينيو: «لم تكن هناك أي فرصة لأن يكون مدافعاً جيداً إذا لم يكن قوياً وشرساً، لقد قلت له إنه يتعين عليه أن يكون أقوى من الناحية الجسدية وألا يسمح للاعبين بالمرور منه داخل الملعب».
وبمجرد أن بدأ غابرييل يتكيف مع الفريق ويستقر مع الأجواء الجديدة، حدثت مأساة في بلدته؛ حيث قُتل صديقه المقرب من أيام الطفولة، والذي كان بمثابة أخ له، في حادث سيارة. وهنا، فكر غابرييل في الاستسلام مرة أخرى، لكن نيلتينيو ظل يشجعه، ويقول عن ذلك: «انتقلت للعمل في نادٍ آخر في نهاية ذلك العام، لكنني ظللت على اتصال معه. كان غابرييل في سنته الثانية مع نادي آفاي عندما حدث ذلك.
وأعتقد أن التحدث إليه قد ساعده كثيراً، لأننا كنا نتحدث بشكل جيد. كان غابرييل صبياً متعلقاً بعائلته بدرجة كبيرة، ولا يزال الأمر كذلك حتى الآن، ومثل هذه الأشياء تؤثر على تركيز اللاعبين بالطبع. لقد حاولت أن أضمه إلى بالميراس، لكنه فضل البقاء مع آفاي».
ويؤكد فلافيو ألبانو، المسؤول عن فرق الشباب بنادي آفاي، على أن غابرييل كان مخلصاً تماماً لنادي آفاي ومرتبطاً به للغاية. يقول ألبانو، الذي كان لاعباً رائعاً مع ناديي غريميو وفلومينينزي: «إنه من الجيد دائماً أن يكون لديك لاعب يحترم القميص الذي يدافع عن ألوانه، كما كان غابرييل يفعل مع آفاي. إنه من نوعية اللاعبين الذين يبكون بحرقة عندما تخسر أنديتهم، وهذا الشعور مهم للغاية، رغم أننا لم نعد نراه كثيراً في عالم كرة القدم في الوقت الحالي. كنت أتمنى لو بقي معنا لفترة أطول، لكننا نتفهم أن اللاعبين يغادرون البرازيل في وقت مبكر جداً هذه الأيام، وقد أصبح هذا هو التوجه السائد في كل الأندية في الوقت الحالي».
وعلى الرغم من صغر سنه، حمل غابرييل شارة قيادة نادي آفاي في بعض الأحيان قبل الانتقال إلى نادي ليل الفرنسي في يناير (كانون الثاني) 2017. وكان غابرييل قد احتفل للتو بعيد ميلاده التاسع عشر، ولم يكن المدير الفني لنادي ليل آنذاك، مارسيلو بيلسا، يعتقد أنه جاهز للعب مع الفريق الأول، ولذلك قرر إعارته لنادي تروا الفرنسي، ثم إلى نادي دينامو زغرب الكرواتي. وأقيل بيلسا من منصبه عندما تراجع النادي إلى المراكز المؤدية للهبوط من الدوري الفرنسي الممتاز، وتم تعيين كريستوف غالتيير بدلاً منه.
عاد غابرييل إلى ليل في عام 2018 وكوّن شراكة دفاعية قوية للغاية مع خوسيه فونتي، اللاعب السابق لكل من كريستال بالاس، وساوثهامبتون، ووست هام يونايتد. وكان غالتيير معجباً للغاية بقدرات وفنيات غابرييل، وقال عنه: «لقد أدركت أنه يمتلك إمكانات هائلة، كما تمكن من اغتنام الفرصة الأولى التي حصل عليها. كانت لديه رغبة هائلة في اللعب، ولم يكن يتوقف عن العمل الجاد من أجل تطوير مستواه. إنه مثال رائع يجب أن يحتذي به اللاعبون الشباب، كما أنه لاعب ذكي للغاية ويتصرف باحترافية كبيرة، ولا يتوقف عن العمل حتى لو كان خارج التشكيلة الأساسية للفريق، وهو أمر نادراً ما نراه هذه الأيام».
وقد احتفظ ليل بخدمات غابرييل لأطول فترة ممكنة، لكنه قرر بيعه في نهاية المطاف عندما تلقى عرضاً ضخماً من آرسنال بقيمة 27 مليون جنيه إسترليني في سبتمبر (أيلول) الماضي. وعلى الرغم من أن آرسنال بدأ الموسم بشكل سيئ، فإن غابرييل قدم مستويات مثيرة للإعجاب وفاز بجائزة أفضل لاعب في النادي في سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول)، وسجل في مرمى كل من فولهام وولفرهامبتون في الدوري الإنجليزي الممتاز.
ولم يكن هذا النجاح الكبير مفاجئاً لأي شخص رأى غابرييل وهو يلعب في البرازيل. يقول فرنانديز: «لم يصل غابرييل إلى هذه المستويات بفضل موهبته، لكن بفضل إرادته القوية ورغبته في التحسن والتطور والتغلب على عيوبه ونقاط ضعفه ومعرفة أنه قادر على تجاوز أي صعوبات تواجهه في الحياة. لقد كنا نعرف من الوهلة الأولى أنه يمتلك القدرات والإمكانات التي تؤهله لأن يكون لاعباً كبيراً. لقد كان كثير من الأندية البرازيلية ترغب في التعاقد مع غابرييل، لكن كان مقدراً له أن يكون في أوروبا لكي يظهر للجميع إمكاناته الهائلة».
غابرييل... من فتى نحيل في آفاي البرازيلي إلى مدافع آرسنال الصلب
مسيرته الكروية الأولى لم تستمر سوى أسبوع واحد فقط لكنه ظل يقاتل ولم يتخل أبداً عن تحقيق حلمه
غابرييل... من فتى نحيل في آفاي البرازيلي إلى مدافع آرسنال الصلب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة