عمرو موسى: دول غربية خانت التفويض العربي لمجلس الأمن بحماية المدنيين الليبيين

«الشرق الأوسط» تنشر فصولاً من كتابه الجديد «سنوات الجامعة العربية» (الأخيرة)

عمرو موسى متوسطاً القذافي وشلقم
عمرو موسى متوسطاً القذافي وشلقم
TT

عمرو موسى: دول غربية خانت التفويض العربي لمجلس الأمن بحماية المدنيين الليبيين

عمرو موسى متوسطاً القذافي وشلقم
عمرو موسى متوسطاً القذافي وشلقم

في هذه الحلقة السابعة والأخيرة من كتاب الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى «سنوات الجامعة العربية»، الذي سيصدر قريباً عن «دار الشروق»، نستكمل رواية موسى عن أحداث الثورة الليبية التي اندلعت في فبراير (شباط) 2011، والتي خصص لها فصلين على مساحة 50 صفحة. وتركز هذه الحلقة على ما جاء في الفصل الثاني، الذي أورده تحت عنوان: «الخروج على التفويض العربي بحماية المدنيين الليبيين»، والذي يكشف فيه كيف تعرض العرب للخديعة من عدد من الدول الغربية فيما يخص هذا الموضوع. وأوضح أنه قال لكل الأطراف في باريس إن «قرار مجلس الأمن هدفه حماية المدنيين الليبيين لا غزو أو احتلال ليبيا»، وأنه هاجم هجوم التحالف على أهداف ليبية و«قلت إنه بدلاً من حماية المدنيين يوقع ضحايا».
أخذ التخوف من استغلال بعض القوى فرض الحظر الجوي على ليبيا، بهدف حماية المدنيين من عنف القذافي لضرب ليبيا، قسطاً كبيراً من المناقشات خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الطارئ في 12 مارس (آذار) 2011. ومن يراجع نص الفقرة رقم (1) بعد الديباجة في القرار الصادر عن ذلك الاجتماع سيجدها تنص على:
الطلب من مجلس الأمن تحمل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي فورياً، وإقامة مناطق آمنة في الأماكن المتعرضة للقصف، كإجراءات وقائية تسمح بتوفير الحماية لأبناء الشعب الليبي والمقيمين في ليبيا من مختلف الجنسيات، مع مراعاة السيادة والسلامة الإقليمية لدول الجوار.
أدعو للتوقف في هذا النص أمام عبارة «كإجراءات وقائية»، التي اقترحها الدكتور نبيل العربي، وزير خارجية مصر، خلال المناقشات، وكانت دوافعه في ذلك ما قاله في المناقشات المرتبطة بصياغة القرار كما يلي:
بالنظر إلى القرار المعروض أمامنا الآن، نجد أن فلسفته تقضي إيجاد نوع من التوازن، وأنا أعتقد لكي يحدث هذا التوازن أن نضيف في الفقرة الأولى بعد عبارة (فرض منطقة حظر جوي) عبارة (كإجراء وقائي)، نحن لا نطالب بضرب منشآت حكومية أو قواعد مدافع أو أي شيء من هذا القبيل، لكننا نقول (كإجراء وقائي). أنا أعتقد أن هذا يحدث التوازن للقرار، ويتفق مع الهدف الذي نرمي إليه جميعاً، وهو ليس استخدام القوة ضد ليبيا، ولكن التحقق من أن الطيران الليبي لن يتمكن من ضرب الشعب والاستمرار في سفك الدماء، فأنا لا أعتقد أن هناك من سيتضايق من عبارة (كإجراء وقائي)، لأنها ستضبط الاتزان للقرار.
السبب الحقيقي الذي يجعل مصر - وإنني أتكلم بكل صراحة - تقول هذا الكلام، أن الصحف الأجنبية ووسائل الإعلام تتكلم حالياً عن دراسات تتم - أياً كان المكان الذي تتم فيه - على ضربات محددة على مواقع محددة، نحن جميعاً دول عربية ولا يصح أن نقوم بشيء يشتم منه أننا نريد ضربات، ولكن نحن نريد أن نخيف القذافي بحيث يتوقف، هذا ما نأمله، وآخر شيء يقال إننا طالبنا به هو ضرب مواقع في ليبيا، نحن لا نطالب بذلك، لا أظن أن أي دولة عربية هنا تطالب بضرب مواقع في ليبيا أو أن يصدر عنا قرار بضرب مواقع في ليبيا، نحن لا نطالب بضرب ليبيا، وبالتالي أرى النص على عبارة «كإجراء وقائي».
لم تعترض أي دولة عربية على تضمين عبارة «كإجراء وقائي» للقرار، ومن جانبي أيدت بقوة هذا المقترح، قلت إن «النص على تلك العبارة من شأنه ضبط الصياغة وإقامة الحد القانوني وطمأنة الرأي العام؛ فنحن لا نتعامل الآن ليس فقط مع مجلس الأمن أو مع السلطات الليبية، وإنما أيضاً مع الرأي العام، فيجب أن تكون الأمور واضحة».
هذا المفهوم العربي لحظر الطيران على ليبيا هو ما شرحناه لمجلس الأمن وللقوى الغربية، فأكدوا تفهمهم لذلك، لكن الحقيقة أننا خدعنا، وفور صدور القرار ضربوا مواقع في ليبيا وسقط ضحايا مدنيون جراء ذلك، واستهدفوا أنظمة الدفاع الجوي لديها، وهو ما استفز روسيا أيضاً؛ لأن أنظمة الدفاع الجوي كانت روسية. كان الروس بشكل عام لديهم اعتراضات كبيرة على ضرب أهداف أرضية في ليبيا.
اتضح فيما بعد أن الجانب الأميركي كانت لديه قائمة من الأهداف الليبية أصر على ضربها، واعتبر أن الحظر الجوي خطوة رمزية، وأنه يجب توفير دعم الأمم المتحدة لعمل عسكري أكثر قوة إذا لزم الأمر، وفي هذا السياق تقول هيلاري كلينتون في مذكراتها:
قرر الرئيس (أوباما) السير فى عملية التدخل (في ليبيا) ووضع خطط عسكرية وتوفير صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، ولكن بشرطين أساسيين: أولاً، بما أن البنتاغون أكد لنا أن منطقة الحظر الجوي فى حد ذاتها ليست أكثر من خطوة رمزية، يجب توفير دعم الأمم المتحدة لعمل عسكري أكثر قوة إذا لزم الأمر: سلطة استخدام «كل التدابير الممكنة» من أجل حماية المدنيين.
والواقع أن الأجواء كانت تواترت من أكثر من مصدر دبلوماسي وسياسي وإعلامي أن بعض الدول العربية سوف تنضم إلى أي جهد عسكري غربي (أوروبي بالذات في تلك المرحلة) لتأكيد الحظر الجوي الذي أمر به مجلس الأمن.
وفي هذا حضرت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية للقائي، وقالت في مذكراتها: «طرت صباح 15 مارس من باريس إلى القاهرة كي أقابل عمرو موسى، والتشديد على أهمية دور الجامعة العربية في دعم التدخل العسكري والمشاركة فيه» باعتبار أن ذلك يقع في مصلحة ليبيا وليس مصلحة الغرب.
من جانبي، شرحت في لقائي مع هيلاري المفهوم العربي لفرض حظر جوي على ليبيا، الذي لا يتم بمقتضاه التعرض لأهداف أرضية أياً كان نوعها عسكرية أو مدنية، بالمعنى الذي طرح في الاجتماع الوزاري العربي، وبمقتضى عبارة «كإجراء وقائي». وأشرت إلى أن الإمارات وقطر أعلنتا مشاركتهما في فرض الحظر الجوي، لم يكن ذلك سراً، صحفهما نشرت هذا الكلام. كان المهم أن الجامعة العربية لم يصدر عنها أي قرار يسمح بالمشاركة.
وفي اجتماعاتي التشاورية مع خبراء الأمانة العامة المتابعين بدقة لتطورات الموضوع وبعض المستشارين القانونيين والسياسيين، كان الرأي عدم معارضة هذه الخطوة العربية الجزئية بالمشاركة في فرض الحظر الجوي على ليبيا علانية لأسباب تبلورت في:
1- أنها قرارات سيادية من دولتين أو ثلاث.
2- هذه الخطوة لا يساندها قرار من الجامعة العربية.
3- إن هذه الدول التي اتخذت هذه الخطوة تعمل في إطار مجلس الأمن وقراره.
4- أنهم على الأغلب سوف يرفضون المشاركة في قذف أي أهداف ليبية احتراماً لقرارات الجامعة العربية، وربما يكون لهذا تأثيره على مسلك الآخرين.
5- ضرورة الابتعاد بالكامل عن العمل العسكري الأوروبي بصرف النظر عن أنه يتعلق في ظاهره بتنفيذ قرار مجلس الأمن، لخطورة إمكانية انحرافه عن الأهداف المباشرة في حماية المدنيين، وأن يبادر الأمين العام باتخاذ موقف صريح إزاء مثل هذا الانحراف.
- قرار مجلس الأمن رقم 1973
أعود فأقول إنه في مواجهة هذه الأحداث واستجابة للتهديدات المتواصلة ضد المدنيين التي ارتكبها القذافي، انعقد مجلس الأمن لمناقشة مشروع قرار تقدمت به بريطانيا وفرنسا ولبنان (العضو العربي في مجلس الأمن) والولايات المتحدة يقضي بفرض منطقة حظر جوي على الأراضي الليبية لحماية المدنيين. عقدت أول جلسه لمناقشته يوم 15 مارس، ثم جلسة أخرى في اليوم التالي، لكن بسبب حدوث انقسامٍ في المجلس بشأن مشروع القرار فقد انفضت كلتا الجلستين دون التوصل إلى شيء.
في النهاية أكد مجلس الأمن في قراره 1973 مسؤولية السلطات الليبية عن حماية الشعب الليبي وأدان الانتهاك الجسيم والمنتظم لحقوق الإنسان. وأذن المجلس للدول اﻷﻋﻀﺎء ﺑﺎﺗﺨﺎذ «ﺟﻤﻴﻊ التداﺑﻴﺮ اﻟﻼزمة» ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤدنيين والمناطق الآهلة ﺑﺎﻟﺴكان المدنيين المعرضين لخطر الهجمات في ليبيا بما فيها بنغازي، مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية أياً كان شكلها وعلى أي جزء من الأراضي الليبية.
كانت عبارة «اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين» رغم أنها ذات مظهر سليم وصياغة معتادة فإنها مثلت فخاً كبيراً استغله عدد من الدول ذات المصالح فى ليبيا و(أو) لحسابات تريد تصفيتها مع النظام الليبي، ولأسباب تتصل بعلاقاتها بليبيا وبالنظام الليبي خارج إطار الجامعة.
توقفت كثيراً أمام تلك العبارة اللغم، التي تنص على «اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين» في أثناء متابعتي لمجريات الأمور في مجلس الأمن، وعبر اتصالاتي المستمرة مع المندوب الدائم لليبيا لدى الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم. وهنا سأعرض ما ذكره شلقم في كتابه الذي يحمل عنوان «نهاية القذافي... ثورة 17 فبراير يوميات وأسرار وشهادات»، إذ قال بالنص ما يلي:
«كان هناك شخصان أحدهما حاضر وفاعل معنا هنا في نيويورك، هو السفير نواف سلام مندوب لبنان، وعضو مجلس الأمن، والممثل العربي بالمجلس، كان شبه مقيم معنا في مقر البعثة الليبية، نناقش كل فقرة في مشروع القرار 1973 بمشاركة السفير إبراهيم الدباشي، بل كنا نناقش كل كلمة تقريباً.
الشخص الغائب الحاضر هو السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول الدول العربية، الذي كان نصيراً عنيداً لثورة الشعب الليبي منذ انطلاقها، نراجع معه كل فقرات مشروع القرار، لقد وقفنا طويلاً عند الفقرة رقم 4 التي أصررنا عليها أنا والسيد إبراهيم الدباشي، ووافقنا عليها مندوب لبنان السفير نواف سلام، واستطعنا أن نقنع بها سوزان رايس المندوبة الأميركية.
تقول الفقرة الرابعة في مشروع القرار: يأذن للدول الأعضاء التي أخطرت الأمين العام، وهي تتصرف على الصعيد الوطني أو عن طريق منظمات أو ترتيبات إقليمية، وبالتعاون مع الأمين العام، باتخاذ جميع التدابير اللازمة، رغم أحكام الفقرة 9 من القرار 1970 لسنة 2011 لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المعرضين لخطر الهجمات في الجماهيرية العربية الليبية، بما فيها بنغازي، مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية أياً كان شكلها، وعلى أي جزء من الأراضي الليبية.
لقد أخذت هذه الفقرة الرابعة نقاشاً طويلاً مع عمرو موسى، الذي كان يعارض في البداية وبشدة عبارة - اتخاذ جميع التدابير - متعللاً بأنها تفتح الباب للتدخل الأجنبي، وقف طويلاً عند كلمة (جميع) التي تسبق كلمة (التدابير)، كنت أنا والدباشي نرى هاتين الكلمتين (جميع التدابير) هما طريق الإنقاذ والنجاة للشعب الليبي.
كنا ندرك أننا نسابق الوقت، بل نصارعه، لم تعد نوايا القذافي بالتوجه نحو بنغازي وتدميرها هواجس، أصبحت علنية، يتحدث بها القذافي وابنه سيف... بعد نقاش عصبي تعالت فيه أصواتنا عبر الهاتف، تم الاتفاق مع عمرو موسى على أن نضيف فقرة (مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية أياً كان شكلها، وعلى أي جزء من الأراضي الليبية).
هذه الفقرة الأخيرة هدأت من روع أمين عام الجامعة العربية، وكذلك مندوب روسيا، من طرفنا أصررنا على ذكر بنغازي تحديداً بالاسم؛ لأن تحرك القذافي نحو بنغازي كان معلناً».
كنا فى الجامعة العربية ننشد حماية المدنيين ونعمل على تحقيق ذلك بواسطة الأمم المتحدة، وقرار من مجلس الأمن يقر إقامة منطقة حظر جوي، وهو ما اقترحه رسمياً عدد من الدول العربية ومنها دول خليجية، نمنع الطيران الليبي من قذف المدن الليبية والمدنيين، وهو ما كنت أراه أمراً مشروعاً وضرورياً، بينما كانت الدول الكبرى المحركة للقرار تهتم بالحصول على تصريح باتخاذ «جميع التدابير اللازمة» لذلك، لتعطيها التفسير الذى تراه وحتى تتمكن استخدامها بالشكل الذي تراه.
- اجتماع باريس
الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي كان من أشد المدافعين عن اللجوء للخيار العسكري في ضرب قوات معمر القذافي متذرعاً بحماية المدنيين، كما أثبتت الأيام التالية ذلك؛ ففي 10 مارس 2011 كانت باريس أول عاصمة تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي (NTC) الذي شكله قادة الثوار في بنغازي يوم 27 فبراير (شباط) من العام ذاته، باعتباره، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي.
كما كانت تحركات الرئيس الفرنسي لافتة في محاولة الحشد للتصويت على قرار من مجلس الأمن يجيز استخدام القوة ضد قوات معمر القذافي، بعد أن رأى أن الفرصة سانحة أمامه لإبراز فرنسا قوة كبرى في العالم، كما أنه كان يريد التخلص من القذافي بسبب سياسة القذافي التي بدأت تجد لها موطئ قدم في عدد من الدول الأفريقية الفرنكفونية. فضلاً عن أن سيف الإسلام القذافى طالبه برد الأموال التي تقاضاها من ليبيا في تمويل حملته في انتخابات الرئاسة الفرنسية، وهدده بعرض التفاصيل والوثائق.
دعا ساركوزي الى اجتماع في باريس يوم 19 مارس 2011 سماه القمة الأوروبية - العربية - الأفريقية بحضور شخصيات دولية كبيرة، أذكر منها: الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، ورئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ووزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري، وهوشيار زيباري وزير خارجية العراق، وآخرين.
تم تخصيص هذه القمة التي استمرت ساعات قليلة لمناقشة كيفية التعامل مع الوضع فى ليبيا فى ضوء قرار مجلس الأمن 1973 القاضي بفرض منطقة حظر الطيران فوق ليبيا حماية للمدنيين الليبيين.
لقد رأيت مقاطعة هذا الاجتماع، إذ بدأت تساورني الشكوك فيما يخص نوايا الدول الغربية وعلى رأسهم صاحب الدعوة، فجاءني عبد الإله الخطيب - وزير الخارجية الأردني الأسبق وكان قد تم تعيينه ممثلاً للأمم المتحدة في ليبيا اعتباراً من 7 مارس 2011 - ليطلب مني حضور ذلك الاجتماع، وكنا في اليوم السابق على استفتاء تعديل دستور 1971 الذي أجري يوم 19 مارس 2011 في مصر.
قال لي الخطيب: هذا اجتماع مهم ويجب أن تكون موجوداً فيه؛ لأن الأمم المتحدة ستكون موجودة، والاتحاد الأوروبي سيكون موجوداً، وبإمكانك تسجيل موقفك أمام هذه القوى الدولية. وافقت على الحضور بعد نقاش طويل استمر إلى ساعة متأخرة من المساء؛ فأجرى الخطيب اتصالاته، وأبلغني أن فرنسا سترسل طائرة خاصة لتقلني إلى باريس وتعيدني إلى القاهرة في اليوم ذاته.
قلت له: غداً سأدلي بصوتي في الاستفتاء على تعديل الدستور وسأصوت بـ«لا».
قال: الطائرة ستكون موجودة في مطار القاهرة الساعة التاسعة صباحاً.
أدليت بصوتي في مدرسة بشارع قصر العيني في الساعة الثامنة، ومنها توجهت إلى المطار متوجهاً إلى باريس. وصلت مقر الاجتماع وأخذت مقعدي بعد أن سلمت على الجميع الذين كانوا وقوفاً يتسامرون، بدأ ساركوزي إلقاء كلمته التي من ضمن ما جاء فيها:
«ستعارض القوات الجوية الفرنسية أي اعتداء من قبل طائرات القذافي ضد سكان بنغازي. وبالفعل طائراتنا تمنع الهجمات الجوية على هذه المدينة. وهناك طائرات فرنسية أخرى مستعدة للتدخل ضد العربات المدرعة التي تهدد المدنيين العزل... اليوم، نحن نعمل في ليبيا تحت ولاية مجلس الأمن مع شركائنا، بما في ذلك شركاؤنا العرب. ونقوم بذلك من أجل حماية السكان المدنيين من جنون النظام القاتل الذي فقد شرعيته كاملة عن طريق قتل شعبه... نتدخل للسماح للشعب الليبي لتحديد مصيره».
استفزتني كلمة ساركوزي لأبعد حد؛ لأنه تحدث صراحة عن تجاوز مسألة فرض حظر جوي على قوات القذافي الذي أقره قرار مجلس الأمن رقم 1973؛ ذلك أنه تحدث بشكل صريح عن استعداد قواته الجوية لضرب قوات القذافي على الأرض عندما تحدث عن العربات المدرعة، بالإضافة إلى أنه أعلن صراحة عن نيته بالعمل على تغيير نظام القذافي الذي وصفه بأنه «فقد شرعيته كاملة»، وهو أمر لم يشمله قرار مجلس الأمن المشار إليه، فهذا شأن يقرره الشعب الليبي وحده.
عند هذه اللحظة بدأت أشك في أن الأمر سيتجاوز مسألة حظر الطيران إلى ضرب ليبيا بالطائرات. وهنا أود أن أستطرد مشيراً إلى ما ذكرته لي كاترين أشتون بعد ذلك الحدث بسنوات (لندن في صيف 2018 ثم في صير بني ياس في نوفمبر من السنة نفسها) من أنها كانت فى غاية الحرج لوجودها فى هذا الاجتماع الذي تقرر فيه أمور عسكرية تخرج عن نطاق سياسة الاتحاد الأوروبي، وأنها لاحظت على وجهي شخصياً ووجه بان كي مون الشعور نفسه بالحرج وعدم التناسق مع باقي المجتمعين غربيين كانوا أم عرباً.
بعد أن انتهى الرئيس الفرنسي من كلمته قال: أُعطي الكلمة للسيد الأمين العام.
يبدو أنه كان يقصد بان كي مون، لكن من فرط غضبي ورغبتي في الرد على كلمته اعتبرت أنه يخاطبني أنا أمين عام الجامعة العربية، وبان كي مون لم يعلق، فألقيت كلمتي التي أكدت فيها أن «قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 بشأن ليبيا يهدف إلى حماية المدنيين، ولا يؤيد أي غزو لذلك البلد العربي المستقل وصاحب السيادة، وطلبت من كل الأطراف المجتمعة عدم الذهاب إلى أبعد من منطوق قرار مجلس الأمن الصادر في 17 مارس 2011 الذي قيد العمليات العسكرية على الأراضي الليبية في حظر جوي على قوات معمر القذافي».
وأعدت التأكيد على أن الهدف من قرار مجلس الأمن المشار إليه هو حماية المدنيين الليبيين فقط، وأن هذا القرار لم يمنح أي طرف شرعية لغزو أو احتلال ليبيا، وأن نص هذا القرار واضح في هذه النقطة. كان واضحاً أنني مملوء بالغضب، ومن ثم توجهت إلى الممثلين العرب في الاجتماع؛ فقال لي حمد بن جاسم: الموضوع خلص يا أخ عمرو.
- القصف الحرام
لم يمضِ كثير من الوقت حتى تأكدت شكوكي بشأن أن مسألة المدنيين كانت حصان طروادة للإطاحة بالقذافي؛ ففي نفس يوم اجتماع باريس (19 مارس 2011) وقبل أن أصل إلى القاهرة عائداً من العاصمة الفرنسية، وربما قبل ذلك بدأت طائرات حربية فرنسية قصف مواقع ليبية أرضية دفاعية. بعد متابعة هذه الأخبار عن العمل العسكري الذي يجري على الأراضي الليبية تأكدت مرة أخرى أننا تعرضنا لخديعة، وأن ما يتم بالفعل من أعمال حربية قد تجاوز قرار مجلس الأمن 1973، الذي يقضي فقط بفرض منطقة حظر جوي على الأراضي الليبية للحيلولة دون قيام القذافي بضرب المدنيين المعارضين له.
- باتفاق خاص مع «دار الشروق»
- جميع الحقوق محفوظة



هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
TT

هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

أكد مصدر مصري مُطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «القوات المصرية في سيناء موجودة من أجل حفظ الأمن القومي المصري، وهو أمر لا تقبل فيه القاهرة مساومة أو إغراء»، مشدداً على أنه «لم يتم سحب جندي واحد من هناك هذه الفترة تحت أي ضغوط كما يتردد».

وأوضح المصدر: «هذا الأمر يرتبط بتقدير الموقف الخاص بالأجهزة الأمنية المصرية وما تراه فيما يخص أمن البلاد وحدودها مع منطقة تشهد حرباً ضروساً منذ عامين، ومحاولات من جانب إسرائيل لدفع هذه الحرب نحو الأراضي المصرية، ولا يرتبط الأمر أو يخضع لأي قضايا أخرى أو صفقات، وإلا كانت مصر قبلت بإغراءات أكبر في مسألة التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية».

وأضاف: «التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تقليص القوات في سيناء هي ذاتها التي تشكو وتحذر يومياً من زيادة الوجود العسكري المصري هناك»، ونوه بأن «هناك بنوداً مستحدثة بين البلدين على اتفاقية السلام تسمح لمصر بهذا الوجود حفظاً لأمنها وقت الحاجة».

كانت منصة «bhol» الإسرائيلية نشرت أن وزير الطاقة إيلي كوهين أشار إلى وجود رابط مباشر بين صفقة الغاز الكبرى مع مصر، وإعادة تمركز القوات المصرية في سيناء، ونقلت المنصة أن «إذاعة الجيش الإسرائيلي» سألت عن سبب عدم تضمين الصفقة بنداً صريحاً ينظم تحركات الجيش المصري في سيناء، فرد كوهين قائلاً: «إذا قرأتم التقارير التي نُشرت الأسبوع الماضي عن انسحاب قوات مصرية من شبه جزيرة سيناء، فاعلموا أن هذا التصرف لم يأت من فراغ».

التقارير الإسرائيلية نقلت عن كوهين قوله إن أحد أسباب تأجيل الصفقة لأربعة أشهر كان مرتبطاً بما وصفه بـ«مسألة السلام مع مصر»، وهو تعبير يُفهم منه القلق الإسرائيلي إزاء الالتزام المصري بأحكام اتفاق كامب ديفيد بشأن الوجود العسكري في سيناء.

هذه الأنباء تلقفها مدونون معارضون للحكومة المصرية وأخذوا يرددونها مع تأكيدات على تقليص القوات المصرية في سيناء بضغوط من إسرائيل، فيما رد عليهم مدونون محسوبون على السلطات بمصر بأن كل الدلائل تشير إلى خطة لزيادة تمترس القوات في سيناء.

السيسي يلتقي نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017 (رويترز)

كان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان رد على تلك الأحاديث، عبر تصريحات إعلامية، مؤكداً بشكل قاطع أنه «لم يتم تقليص عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء، وأن صفقة الغاز تجارية بحتة وليس لها أي بعد سياسي، وتمت بين شركات وليس بين الحكومات»، مشيراً إلى أنه «في الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن الصفقة فإن مصر لم يصدر عنها أي تصريح بخصوص الصفقة مما يشير إلى أن الأمر ليس ضاغطاً على القاهرة بأي شكل من الأشكال، وكل ما يتردد من الجانب الإسرائيلي متناقض ومحاولة لإيجاد نصر زائف أمام الرأي العام هناك».

كان موقع «أكسيوس» الإخباري أفاد في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الضغط على مصر لتقليص «الحشد العسكري الحالي» في سيناء، وفقاً لما ذكره مسؤول أميركي ومسؤولان إسرائيليان، حسب الموقع.

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين زعمهما أن مصر «تُنشئ بنية تحتية عسكرية -بعضها يمكن استخدامه لأغراض هجومية- في مناطق لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب المعاهدة»، في إشارة إلى معاهدة السلام الموقعة بين البلدَيْن عام 1979.

لكن مدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقاً اللواء سمير فرج قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر ملتزمة باتفاقية السلام تماماً، ولم تخرق أي بند بها على عكس إسرائيل ووجودها المخالف على الحدود المصرية، والوجود العسكري المصري في سيناء هو لحماية الأمن القومي المصري وحفظ أمن الحدود وفق ما تكفله اتفاقية السلام والبنود والآليات المستحدثة عليها».

وشدد على أنه «لم يتم تقليل أو تقليص القوات المصرية في سيناء بسبب صفقة الغاز أو غيره، وهذه أقاويل ترددها حكومة نتنياهو لمحاولة خلق شماعات أمام الرأي العام هناك وتصوير نفسها على أنها هي التي تحافظ على أمن إسرائيل وبدونها ستتعرض إسرائيل للانهيار».

وأكد أن «مصر لم تعلن حتى الآن موقفها بشأن مطالب أميركا بعقد اتفاق بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وليس منطقياً أنهم هم من يطلبون اللقاء ثم يقال إن مصر تستجيب لضغوطهم أو مطالبهم، منوهاً بأن «القاهرة كانت تؤمن بأن صفقة الغاز ستتم في نهاية المطاف لأنها تحقق المصلحة لإسرائيل بالقدر نفسه الذي تحققه لمصر، وهي تمت بين شركات وليس بين حكومات».

وأعلن نتنياهو، مساء الأربعاء الماضي، عن المصادقة رسمياً على صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة إجمالية بلغت 112 مليار شيقل (نحو 35 مليار دولار)، قائلاً: «صدقنا مع مصر على أكبر صفقة غاز في تاريخ قطاع الطاقة الإسرائيلي»، مبيناً أن الصفقة «إنجاز كبير لإسرائيل».

وأوضح نتنياهو أن قرار المصادقة على هذه الصفقة المليارية جاء بعد مشاورات مكثفة لضمان تحقيق كافة المصالح الأمنية العليا لإسرائيل، مشدداً في الوقت ذاته على أنه سيمتنع عن ذكر التفاصيل لاعتبارات أمنية ولحساسيتها، مكتفياً بالتأكيد على أنه تمت المصادقة على الصفقة بشكل كامل.


عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
TT

عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)

بعد جولة على عدد من صيدليات الحي الذي تعيش فيه، لم تستطع المصرية الخمسينية ليلى عبد الله، إيجاد أحد أصناف دواء ضغط الدعم، فنصحها أحد أصدقائها بالاتصال بـ«هيئة الدواء» أو الذهاب إلى صيدلية الإسعاف الحكومية بوسط القاهرة، فاضطرت لإرسال أحد أقاربها لإحضار الدواء من هناك.

ومع تكرار شكاوى «نقص» بعض الأدوية أو عدم توافرها بسهولة، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، الاثنين، بياناً ينفي فيه «نقص أدوية البرد والأمراض المزمنة بالأسواق».

وأوضح المركز في بيان صحافي: «بالتواصل مع هيئة الدواء المصرية، أفادت بأن أدوية علاج البرد، والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، فضلاً عن الأدوية المحتوية على مواد وفيتامينات تعمل على تقوية المناعة خلال موسم الإنفلونزا، متوافرة بالأسواق بشكل منتظم وطبيعي، مع تعدد البدائل الدوائية المتاحة من إنتاج أكثر من شركة».

وحسب «المركز الإعلامي»، فإن «هيئة الدواء المصرية تقوم بمتابعة دورية ومستمرة لموقف توافر الأدوية الحيوية، وتتخذ إجراءات فورية للتعامل مع أي شكاوى تتعلق بنقص الأدوية»، موضحاً أنه «في حال مواجهة أي صعوبة في الحصول على أي دواء حيوي، يمكن للمواطنين التواصل مع الخط الساخن لهيئة الدواء للإبلاغ عن نقص الأدوية».

وشهدت مصر العام الماضي أزمة في توافر بعض الأصناف، وأقر رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بـ«وجود نقص في 580 دواء بالسوق المصرية»، مشيراً خلال زيارته مجموعة من مصانع الأدوية حينها إلى «العمل على توفير نحو 470 دواء منها». وبالفعل بدأت الأزمة في الخفوت مع بداية العام الحالي.

المصرية ليلى عبد الله، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «رغم تحسن الوضع وقلة حدة الأزمة، فإن أصنافاً من الأدوية ما زالت غير متوافرة بسهولة».

الأمر ذاته يقره الموظف الأربعيني طارق إبراهيم، الذي يعيش في حي السيدة زينب بالقاهرة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع أفضل كثيراً عما كان عليه قبل عامين، لكن توجد أصناف نجدها بصعوبة، حتى البدائل غير متوافرة».

عودة شكاوى نقص الأدوية في مصر (وزارة الصحة)

ويرى المدير التنفيذي لـ«جمعية الحق في الدواء» (جمعية أهلية)، محمود فؤاد، أن «نقص الأدوية لم يعد بالحدة التي كان عليها من قبل، لكنه أيضا ما زال موجوداً».

ويقول فؤاد لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة تمكنت من حل جانب كبير من المشكلة، ونجحت في توفير أدوية الأمراض المزمنة، لكن هذه الأدوية يتم توفيرها فقط من خلال صيدليات (الإسعاف) المملوكة للدولة، وعددها 24 صيدلية فقط في كل المحافظات، وما زال كثير من الأصناف غير متوافر».

وحسب فؤاد، فإنه «رغم استقرار سعر الدولار (يعادل 47.5 جنيه) فإن شركات الأدوية أعربت عن رغبتها أكثر من مرة في زيادة الأسعار، وهو ما رفضته هيئة الدواء المسؤولة عن التسعير، على أساس أن تكلفة الإنتاج لم تتغير».

من جهتها، ترى عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب (البرلمان)، الدكتورة إيرين سعيد، أن «النقص يعود إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الدواء لأسباب أخرى، غير سعر الدولار، منها ارتفاع أسعار الخدمات والمرافق، مثل البنزين والوقود والكهرباء، وزيادة الحد الأدنى للأجور».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «زيادة تكلفة الإنتاج خفض هامش ربح الشركات، لذلك تطالب برفع الأسعار، وعندما لا تستجيب هيئة الدواء تقوم بعض الشركات بإيقاف بعض خطوط الإنتاج؛ لأن هامش الربح أصبح أقل».

وفي رأيها: «يجب على الحكومة أن تعيد الاهتمام بشركات قطاع الأعمال التي تعمل في صناعة الدواء؛ لضمان عدم تأثر الأسواق، خصوصاً بالنسبة للأدوية الاستراتيجية».

اجتماع وزير الصحة خالد عبد الغفار لبحث متطلبات تطوير صناعة الدواء (وزارة الصحة المصرية)

وتزامن الحديث عن «نقص» بعض أصناف الأدوية مع تحركات حكومية مكثفة لضمان توافر الأصناف كافة، وعقد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبد الغفار، اجتماعاً، الاثنين، مع ممثلي قطاعات وهيئات الدولة المعنية، لبحث سبل دعم شركات التصنيع الدوائي وتمكينها، وإعداد ورقة عمل متكاملة لتعزيز الإنتاج المحلي، وتوطين صناعة المركبات الحيوية والبيولوجية.

وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور حسام عبد الغفار، في إفادة رسمية، الاثنين، أن الاجتماع ركز على إعداد ورقة عمل تضم المتطلبات الفعلية لتطوير الصناعات الدوائية وقابليتها للتنفيذ على أرض الواقع، مع التركيز على تمكين الشركات المصنعة، وتحفيز الاستثمار المحلي، وطرح حزم استثمارية جديدة في مجالات الأدوية واللقاحات والصناعات الحيوية، كما تناول آليات «الاستفادة من الحوافز الاستثمارية لدعم صناعة الدواء، وبحث الإجراءات التي يمكن أن تقدمها الدولة لتشجيع الاستثمارات، وتعزيز كفاءة الشركات المصنعة وزيادة قدرتها التنافسية».

ويوجد في مصر 172 مصنعاً للدواء، منها 15 مصنعاً دخلت الخدمة آخر 3 سنوات، بالإضافة إلى 120 مصنعاً لمستحضرات التجميل، و116 مصنعاً للمستلزمات والأجهزة الطبية، و4 مصانع لإنتاج المواد الخام والمستحضرات الحيوية التي تدخل في صناعة الدواء، وفق تصريحات لرئيس الحكومة المصرية العام الماضي.


«تفاهمات» جديدة لـ«إعمار غزة» أمام الوسطاء

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«تفاهمات» جديدة لـ«إعمار غزة» أمام الوسطاء

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)

بدأ وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مناقشات دراسة أولية بشأن إعادة الإعمار في القطاع، في أعقاب تأخر عقد مؤتمر القاهرة بشأن التعافي المبكر، وتسريبات أميركية وإسرائيلية تتناول مشاريع إعمار تثير مخاوف بشأن تهجير الفلسطينيين وتقسيم القطاع.

تلك الدراسة التي ناقشها الوسطاء في اجتماع ميامي، وكشفت عنها أنقرة، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تفتح مسار تفاهمات جديدة بين الإعمار الشامل الذي تريده مصر والعرب وتركيا، مقابل خطط الإعمار الجزئي المطروح إسرائيلياً أو برؤية واشنطن، مشيرين إلى أنه ما دامت المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار لم تدخل فهذه المناقشات «هروب للأمام، وتأجيل للحلول، وبحث عن تفاهمات لسد الفجوات وإنهاء تجميد هذا المسار الحيوي للفلسطينيين».

وغداة اجتماع الوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت: «إن هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها، ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفق ما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية.

ولم يقدم فيدان تفاصيل بشأن تلك الدراسة الأولية، وهل هي متفقة مع ما هو مطروح عربياً أو إسرائيلياً أو أميركياً، وتمسك بأهمية أن يدار القطاع من قبل أبنائه، مؤكداً رفض أي مخططات لتقسيم أراضي غزة.

شاحنات مساعدات مصرية في طريقها إلى قطاع غزة ضمن قوافل «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» (مؤسسة مصر الخير)

وسبق حديث فيدان بيوم، تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترمب ومبعوثه ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة بدأ من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

وجاءت هذه التسريبات بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة، وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، بعد طلب من الولايات المتحدة، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسين هريدي أن هذا الحديث عن دراسة أولية، غير معروفة تفاصيلها هل عربية أو أميركية، يأتي في ظل طرح أميركي بخطة للإعمار، وكذلك إسرائيل بحديث عن إعمار جزئي في منطقة سيطرتها بالخط الأصفر بالقطاع، مشيراً إلى أن أي حديث عن بدء الإعمار دون الدخول للمرحلة الثانية محاولة للهروب للأمام لا سيما من واشنطن، ولا يعني حالياً سوى البحث عن تفاهمات جديدة، والأقرب تنفيذ أو فرض الخطة الأميركية بضمانات.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن مصر وقطر وتركيا لن تقبل أي خطط تهدد خطة الإعمار الشامل، والقاهرة أعلنت أكثر من مرة أهمية بدء الإعمار ومساعيها المتواصلة لعقد مؤتمر للإعمار سيكون بشراكة مع واشنطن، مشيراً إلى أن أي دراسة بشأن الإعمار يجب أن تتوافق مع يطلبه الفلسطينيون، وليس كما ترغب واشنطن في خطط شروق الشمس أو إسرائيل بالإعمار الجزئي في مناطق سيطرتها التي تصل لنحو 52 في المائة بالقطاع متذرعة بعدم نزع سلاح «حماس».

تلك الدراسة التي طُرحت في اجتماع ميامي، ولم تُكشف تفاصيلها كاملة بعد، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «التشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار»، الذي يأمل «التوافق على توقيته في أسرع وقت ممكن بالتعاون مع الشركاء».

وبعد ذلك، قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار شامل وليس جزئياً».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت القاهرة ستنظمه في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أُجِّل دون ذكر السبب، بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرى هريدي أن جهود مصر ستتواصل مع الوسطاء لوضع الإعمار موضع التنفيذ، لكن سيبقى دخول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار هو المعيار لتحديد ماذا سيحدث، وهل حدثت تفاهمات أو ستفرض خططاً معنية وتُرفض عربياً أو ماذا؟

بينما شدد الرقب أن أي حسم لأي خطة ستنفَّذ أميركية أم عربية يتوقف أولاً وقبل أي شيء على بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة، ونشر قوات الاستقرار، وبدء انسحاب إسرائيل، وإلا فما يحدث هو كسب للوقت وتأخر لأي مشاريع إعمار حقيقية تطرحها الخطة العربية بقيادة مصر.