مصر تتمسك باتفاق «متوازن» بشأن «سد النهضة»

شكري قال إن بلاده أظهرت «مرونة كبيرة» خلال المفاوضات

TT

مصر تتمسك باتفاق «متوازن» بشأن «سد النهضة»

في وقت لا تزال تتعثر فيه مفاوضات «سد النهضة» بين مصر والسودان وإثيوبيا، شددت القاهرة مجدداً على «ضرورة التوصل إلى اتفاق متوازن» بشأن السد الإثيوبي. وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن بلاده «أظهرت مرونة كبيرة خلال المفاوضات».
وتخوض الدول الثلاث مفاوضات ممتدة منذ سنوات بشأن السد الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل، في محاولة للتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، غير أنها لم تحقق أي نتائج. وتتمسك مصر والسودان بضرورة «الوصول إلى اتفاق ملزم ينظم عمليتي الملء والتشغيل»، بما يؤمّن مصالحهما المائية ويحد من أضرار السد، خصوصاً في أوقات الجفاف والجفاف الممتد، في حين ترفض إثيوبيا «تقييد حقوقها في استخدام مواردها المائية».
وأكد شكري «حرص مصر على التوصل إلى اتفاق شامل وملزم وقانوني فيما يتعلق بقواعد ملء السد وتشغيله، يضمن لإثيوبيا حقوقها كافة فيما يتعلق بالتنمية، ويحافظ أيضاً على الحقوق المائية لمصر والسودان، خصوصاً في مواجهة حالات الجفاف». وأشار إلى «استمرار سعي القاهرة للتوصل إلى اتفاق متوازن يراعي مصالح الدول الثلاث».
وقبل أيام، كشفت وزارة الخارجية السودانية عن «بدء تحركات دبلوماسية للدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق عادل وملزم بشأن تشغيل السد وملئه، يحافظ على مصالح الدول الثلاث».
وقال وزير الخارجية المصري في تصريحات، مساء أول من أمس، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أحاط نظيره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته لفرنسا، بتفاصيل جولة مفاوضات «سد النهضة» التي تمت تحت رعاية أفريقية «والتعثر الذي أصاب هذا المسار في الآونة الأخيرة».
ولفت إلى أن «فرنسا تفهمت الموقف المصري، وأبدت استعدادها لمواصلة جهودها في إقناع الجانب الإثيوبي بأهمية التفاعل الإيجابي في إطار المفاوضات».
ويرعى الاتحاد الأفريقي الجولة الأحدث من هذه المفاوضات، وسط تعثر في التوصل إلى اتفاق بسبب «عدم التوصل إلى مسودة موحدة حول النقاط الخلافية».
وأكد شكري، أن «هناك دائماً رغبة لدى مصر في احتواء الأزمات، عبر الطرق السلمية من خلال التوافق، خصوصاً عندما يكون الأمر متعلقاً بدول شقيقة، تربطها بمصر علاقات ومصير مشترك، لكن شاهدنا على مدى السنوات الماضية صعوبة في التوصل لاتفاق، بسبب عزوف الجانب الإثيوبي عن التوقيع على اتفاق تم طرحه في واشنطن، وتنازلت فيه مصر كثيراً، من حيث مراعاتها للشواغل الإثيوبية، وأظهرت مرونة كبيرة في تناول الأمور خلال المفاوضات».
وكانت الولايات المتحدة قد دخلت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، على خط أزمة السد؛ بهدف التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث حول قواعد الملء والتشغيل.
لكن لم يتم التوصل لاتفاق، بعدما دفعت الولايات المتحدة في اتجاه توقيع اتفاق اعتبرته مصر «عادلاً ومتوازناً»، في حين اتهمت إثيوبيا الولايات المتحدة بأنها «لا تتصرف بشكل دبلوماسي».
ودعا وزير الخارجية المصري إثيوبيا إلى «أن تكون لها إرادة سياسية في إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن بلاده «عبّرت عن إرادتها السياسية بالتوقيع على اتفاق واشنطن، من خلال طرحها في مرحلة ما خلال المفاوضات، أن يوكل الأمر كاملاً إلى البنك الدولي ومتخصصيه، وإعلانها القبول المسبق بما تسفر عنه دراسات البنك الدولي من دون مراجعة، الأمر الذي رفضه الجانب الإثيوبي». وشدد على أن «إرادة مصر السياسية واضحة في هذا الشأن، وعلى إثيوبيا أن تظهر هذه الإرادة، بدلاً من استمرار الأزمة من دون حل».
ويرهن السودان عودته إلى المفاوضات بـ«تغيير منهجية التفاوض المتعبة في الجولات السابقة، ومنح الخبراء الأفارقة دوراً أكبر، لتقريب وجهات النظر بين المواقف التفاوضية للدول الثلاث».



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».