محمد عبده يصافح جمهوره في «ضيف بدر» بـ«الله من قلب» و«بوابة الريح» و«تجنى»

للمرة الأولى يغني فنان العرب للشيخ راكان بن حثلين و«سيد البيد» والحجي

أرشيفية لمحمد عبده خلال إحيائه حفلاً غنائياً في أبها («الشرق الأوسط»)
أرشيفية لمحمد عبده خلال إحيائه حفلاً غنائياً في أبها («الشرق الأوسط»)
TT

محمد عبده يصافح جمهوره في «ضيف بدر» بـ«الله من قلب» و«بوابة الريح» و«تجنى»

أرشيفية لمحمد عبده خلال إحيائه حفلاً غنائياً في أبها («الشرق الأوسط»)
أرشيفية لمحمد عبده خلال إحيائه حفلاً غنائياً في أبها («الشرق الأوسط»)

لأكثر من ساعة ونصف، أطل فنان العرب، محمد عبده، في «ضيف بدر» على حساب وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، في «انسغقرام» ببث مباشر أمس (الأربعاء). وفاجأ «أبو نورة» جمهوره بثلاث أغنيات جديدة («الله من قلب» للشيخ راكان بن حثلين، «بوابة الريح» للشاعر محمد الثبيتي، و«تجنى علي» للشاعر حمد الحجي)، يؤديها للمرة الأولى.
وبدأ فنان العرب أمسيته بغناء رائعة «بوابة الريح» لـ«سيد البيد»، الشاعر الراحل محمد الثبيتي، أحد أبرز الشعراء السعوديين الحداثيين، والمتوفى في يناير 2011، ويقول في مطلعها:
«مضى شراعي بما لا تشتهي ريحي..
وفاتني الفجر إذ طالت تراويحي..
أبحرت تهوي إلى الأعماق قافيتي..
ويرتقي في حبال الريح تسبيحي».
وأعقبها بالأغنية الخالدة «حدثينا يا روابي نجد» للأمير بدر بن عبدالمحسن، مهندس الكلمة، ومن ألحان الموسيقار السعودي الراحل سراج عمر.
واستعاد فنان العرب رائعة الأمير خالد الفيصل «كل ما نسنس»، وصافح جمهوره بقصيدة «تجنى» للأديب السعودي الراحل، حمد الحجي، المتوفى عام 1989، والتي يغنيها للمرة الأولى، ويقول في مطلعها:
«تجنّ علي بالغ في التجني..
فمن ألم الجوى استوحيت فني..
ومس بالقد منتشياً كعضن..
جميل في اعتدال أو تثني».
وحكى محمد عبده قصة غنائه لرائعة الأمير خالد الفيصل «لو وفيت» قبل أدائها، والتي سجلها في لوس أنجلوس، وأشار إلى فكرة تلحينها، وانتشارها قبل رجوعه إلى المملكة، وأعقبها برائعة «في أمان الله» لمهندس الكلمة البدر بن عبدالمحسن.
وللمرة الأولى، صدح فنان العرب بإحدى روائع الشيخ راكان بن حثلين، أحد أشهر الشعراء والفرسان في الجزيرة العربية، والمتوفى 1982، والتي يقول في مطلعها:
«الـلـه مـن قـلـب غـدا فـيه تـــفريق..
يـتـلى ضـعـون مـبـعـديـن الـمـنـاحـي
قسم بـتـغريبٍ وقـسم بـتـشــريـق..
والقـسم الآخـر مـا أدري ويـن راحـي»
وغنى رائعة الشاعر السعودي الراحل الأمير محمد بن أحمد السديري، المتوفى عام 1979، «أنا وخلي»، والذي يعد من أهم شعراء الجزيرة العربية في القرن الماضي، إضافة إلى أغنية «اختلفنا» للأمير نواف بن فيصل، و«ليلة خميس» للأمير خالد بن يزيد، وختم أبو نورة أمسيته بأغنية « يا من يراعيني» للشاعرة «نجدية».



موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وصلتْ إلى هاتف صاحبة السطور رسالة تعلن عودة أمسيات «مترو المدينة». كان كلُّ ما حول المتلقّية هولاً وأحزاناً، فبدا المُرسَل أشبه بشعاع. يبدأ أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، حديثه مع «الشرق الأوسط» بترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها على ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطُل هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إن توقّف النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إن تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة: «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».