واصلت تركيا توجيه رسائل المهادنة إلى الاتحاد الأوروبي قبل قمة قادته التي تعقد غداً (الخميس) ويحتمل أن تسفر عن فرض عقوبات عليها بسبب أنشطتها للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط التي يرفضها الاتحاد بسبب عدم قانونيتها وانتهاكها لحقوق اليونان وقبرص الدولتين العضوين بالتكتل. وفي الوقت ذاته نفذت السلطات التركية حملة جديدة شملت مئات العسكريين بدعوى الارتباط بحركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة انقلاب فاشلة وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016.
ودعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الاتحاد الأوروبي إلى التعامل مع أنقرة بمنطق سليم ونزاهة إذا ما أراد حل المشكلات معها. وقال، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المجري بيتر زيجارتو في أنقرة أمس (الثلاثاء)، إن تركيا «تريد تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على أساس عضوية كاملة، لكن المشكلات بين الطرفين لا يمكن أن تحل إلا إذا تعامل الاتحاد الأوروبي بمنطق سليم في قمته المقررة الخميس وبعدها».
واتهم جاويش أوغلو اليونان بأنها واصلت خطواتها الاستفزازية في المنطقة رغم جهود تركيا لاستخدام الدبلوماسية، قائلاً إن أنقرة تتوقع من الاتحاد الأوروبي التصرف كوسيط نزيه وموضوعي في الخلاف.
وقال وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، عقب اجتماعهم التمهيدي للقمة أول من أمس، إنهم لم ينجحوا في المساعدة في حل خلاف تركيا مع اليونان وقبرص، العضوين في الاتحاد، على موارد الغاز الطبيعي في شرق المتوسط لكنهم تركوا قرار فرض عقوبات على أنقرة لقمة الاتحاد الأوروبي، المقررة غداً.
من جانبه، قال وزير الخارجية المجري بيتر زيجارتو، إن قسماً مهماً من أمن أوروبا بيد الأتراك، سواء أعجب ذلك الأوروبيين أم لم يعجبهم، مشيراً إلى أن أنه لولا الدور التركي لشهدت البلقان موجات هجرة غير نظامية لمئات الآلاف من الأفراد.
وأعرب عن تأييده للدعم الأوروبي المقدم إلى تركيا لمساعدة اللاجئين السوريين، موضحاً أن قسماً من هذا الدعم وصل تركيا لكنه لم يبلغ 6 مليارات يورو وفق الاتفاق المبرم بين الجانبين في 2018. وطالب الدول الأوروبية الالتزام بتعهداتها تجاه تركيا واستضافتها للاجئين، قائلاً: «يجب الالتزام بالاتفاق، وعدم المخاطرة بأمن أوروبا».
وبينما اتهم جاويش أوغلو اليونان بالاستفزاز، قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي والقبرصي نيكوس كريستودوليدس في عمان أمس، إن تركيا تعمل على استفزاز دول الجوار وتفتعل المشكلات في منطقة شرق المتوسط وتنتهك القانون الدولي. وأضاف أن تركيا تعرض الأمن والاستقرار في المنطقة للخطر من خلال نقل المرتزقة إلى ليبيا، وأكد أن الاجتماع بين الدول الثلاث، الأردن واليونان وقبرص، غير موجه ضد أحد. على صعيد آخر، أطلقت السلطات التركية عملية أمنية للقبض على 304 من ضباط وجنود الجيش، منهم 295 ممن لا يزالون في الخدمة في صفوف القوات المسلحة، و9 سبق فصلهم، وجه إليهم الادعاء العام تهمة الارتباط بحركة غولن.
وانطلقت العملية بموجب مذكرة توقيف أصدرها مكتب المدعي العام في إزمير (غرب)، وشملت أكثر من 50 ولاية. وأسفرت العملية الأمنية التي شهدت حملات متزامنة في هذه الولايات عن ضبط 198 من المطلوبين بينهم 37 من العاملين بمستشفى جولهانه للبحث والتدريب، التي كانت تسمى سابقا الأكاديمية الطبية العسكرية «جاتا» بالعاصمة أنقرة، من بينهم 31 طبيباً. ومنذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016. احتجز نحو 80 ألف شخص تمهيداً لمحاكمتهم وتم فصل أو وقف نحو 180 ألف موظف مدني وعسكري عن العمل. وطرد أكثر من 20 ألفاً من الجيش. وينفي غولن، المقيم في الولايات المتحدة منذ العام 1999. أي صلة له بهذه المحاولة.
في سياق آخر، قضت محكمة في ولاية دياربكر بجنوب شرقي تركيا ذات الغالبية الكردية، بحبس الصحافية عائشة جول دوغان 6 سنوات و3 أشهر بدعوى انتمائها إلى «مؤتمر المجتمعات الديمقراطية»، الذي تقول السلطات إنه أحد أذرع حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية.
وعملت دوغان صحافية ومنسقة برامج في قناة «إي إم سي» المعارضة المؤيدة للأكراد، قبل إغلاقها في عام 2016. وقبل إعلان الحكم عليها، قالت دوغان إن «المدعي العام يصر على رؤية أنشطتي الصحافية بصورة مغايرة... المحكمة رفضت أن تأخذ في الاعتبار أدلة تظهر براءتي». وأعلن أحد محاميها أنهم سيتستأنفون على حكم حبسها.
واحتج صحافيون ومدافعون عن حقوق الإنسان على إدانة دوغان عبر مواقع التوصل الاجتماعي من خلال وسم «الصحافة ليست جريمة». وأغلقت السلطات عشرات الصحف والقنوات التلفزيونية في تركيا في خضم موجة القمع التي تلت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016. وتتعرض الأوساط المؤيدة للأكراد أيضاً لموجة قمع منذ عدة سنوات. وتركيا مصنفة في المرتبة 154 من أصل 180 دولة، ضمن مؤشر منظمة «مراسلون بلا حدود» لحرية الصحافة.
إلى ذلك، أفرجت السلطات التركية عن صحافيين روسيين أوقفتهما الأسبوع الماضي في إسطنبول بعد اتهامهما بتصوير مصنع للطائرات المسيرة من دون الحصول على إذن.
وقالت مديرية الاتصالات برئاسة الجمهورية التركية، ليل الاثنين - الثلاثاء، إن محكمة في إسطنبول أفرجت عن أليشي بيتروشكو، والمصور المرافق له، إيفان ماليشكين.
ويعمل الصحافيان لحساب محطة «إن تي في» الروسية، وأوقفا الخميس الماضي، عندما كانا يحاولان تصوير مصنع «بايكار» للطائرات المسيرة الذي يديره سلجوق بيرقدار صهر الرئيس رجب طيب إردوغان، دون الحصول على إذن من السلطات المختصة. وفي وقت سابق، أعرب الكرملين عن أمله بالإفراج «قريباً» عن الصحافيين. وكانت الشرطة التركية أوقفت مواطناً تركياً على علاقة بالصحافيين الروسيين أيضاً.