نازحو «اليرموك» راغبون بالعودة وينتظرون «الموافقات الأمنية»

رجلان ينتظران أمام نقطة تفتيش للدخول إلى مخيم اليرموك جنوب دمشق (رويترز)
رجلان ينتظران أمام نقطة تفتيش للدخول إلى مخيم اليرموك جنوب دمشق (رويترز)
TT

نازحو «اليرموك» راغبون بالعودة وينتظرون «الموافقات الأمنية»

رجلان ينتظران أمام نقطة تفتيش للدخول إلى مخيم اليرموك جنوب دمشق (رويترز)
رجلان ينتظران أمام نقطة تفتيش للدخول إلى مخيم اليرموك جنوب دمشق (رويترز)

لم يستطع اللاجئ الفلسطيني «م. ز» إخفاء فرحته مع بدء محافظة دمشق الشهر الماضي تسجيل أسماء الراغبين بالعودة إلى «مخيم اليرموك» في جنوب العاصمة السورية، والسماح لمن يبرز وثيقة ملكية بالدخول لتفقد منزله، ومن ثم الخروج.
وقد نزح من المخيم مع معظم سكانه خلال الحرب التي دمرت قسماً كبيراً من المنازل في المنطقة وأسواقها التجارية وبناها التحتية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أشعر بالسعادة كلما دخلت إلى اليرموك بعد إبراز وثيقة الملكية لعناصر الأمن؛ فيه خلقت وكبرت ودرست».
لكن «م. ز» الذي يعمل موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية، ويقيم حالياً في إحدى ضواحي العاصمة، يشير إلى أن سعادته وسعادة معظم النازحين من المخيم بقرار العودة تتعكر عندما يشاهدون الدمار الذي حل بقسم كبير من المنازل والشوارع والمحال التجارية. ويقول: «منزلي لم يطاله الدمار، ولكن أصبح على العظم (قيد الإنشاء) بسبب عمليات (التعفيش) (سرقته)، وهو بحاجة إلى مبلغ كبير لإعادة كسائه، والأسعار مرتفعة جداً»، ويلفت إلى أن «أقل منزل يحتاج إلى 10 ملايين ليرة لترميمه، فباب الخشب سعره اليوم أكثر 300 ألف ليرة، وباب الحديد الخارجي أغلى من ذلك بكثير، عدا عن السيراميك والبلاط والنوافذ والكهرباء والتمديدات الصحية والأثاث المنزلي».
يؤكد أنه سيعود فور حصوله على «الموافقة الأمنية»، ويقوم بترميم منزله والسكن فيه، رغم الدمار الموجود وعدم وجود خدمات (كهرباء، ماء، هاتف...إلخ). ويضيف بلكنة فلسطينية: «خيا الناس لازم كلها ترجع، لازم تلتم. المخيم لازم يرجع متل ما كان» في السابق.
وبدأت محافظة دمشق الشهر الماضي تسجيل أسماء الراغبين بالعودة إلى «مخيم اليرموك» الذي استعادت الحكومة السيطرة عليه في مايو (أيار) 2018ن حيث يتجمع يومياً العشرات من سكانه على جانبي الطريق في مدخله الشمالي بانتظار تسجيل أسمائهم للعودة التي وضعت المحافظة 3 شروط لها، وهي: «أن يكون البناء سليماً»، و«إثبات المالك ملكية المنزل العائد إليه»، و«حصول المالكين على الموافقات اللازمة» للعودة إلى منازلهم.
ورغم مرضها، ذهبت العجوز «م. ن» إلى مدخل المخيم الشمالي، وسلمت الأوراق المطلوبة لعناصر الأمن، من أجل العودة إلى منزلها. وتقول لـ«الشرق الأوسط» بلهجة عامية: «عفنا حالنا. بكفينا شرشحة. بكفينا بدهلة. صرنا ندفع كل المصاري أجار بيت. بدنا نرجع على بيوتنا أشرفنا، ونخلص من النفوس المريضة. الواحد ما بيرتاح إلا ببيتو».
ويعيش أكثر من 87 في المائة من المواطنين في مناطق سيطرة الحكومة تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، وذلك مع الارتفاع الخيالي للأسعار خلال سنوات الحرب، وبقاء مرتبات الموظفين الشهرية على حالها عند 50 ألف ليرة سورية لموظف الدرجة الأولى، بينما تحتاج العائلة المؤلفة من 5 أشخاص وتمتلك منزلاً لأكثر من نصف مليون ليرة لتعيش على الكفاف.
ومع ارتفاع الأسعار، وصلت بدلات إيجار المنازل الشهرية إلى أرقام خيالية، إذ يصل بدل الإيجار الشهري لشقة مؤلفة من غرفتين ومنافع على أطراف دمشق إلى أكثر من 100 ألف ليرة، وفي وسط العاصمة إلى أكثر من 300 ألف.
وتم وضع اللبنات الأولى لإقامة «مخيم اليرموك» عام 1957، عندما كان بقعة صغيرة، قبل أن تتوسع دمشق ويصبح جزءاً أساسياً من مكوناتها الجغرافية والديموغرافية، وأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والأردن، ورمزاً لـ«حق العودة». كما غدا يُعرف بـ«عاصمة الشتات الفلسطيني» لأنه يضم 36 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، البالغ عددهم قبل الحرب أكثر من 450 ألف لاجئ.
وفي بدايات القرن العشرين، تسارع التطور العمراني في المخيم، وتحسنت الخدمات بشكل ملحوظ فيه، وجرى افتتاح كثير من المراكز والمؤسسات الحكومية والأسواق التجارية، ووصل عدد سكانه إلى ما بين 500 و600 ألف نسمة؛ بينهم أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني. وحتى أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، سجلت 600 عائلة من «مخيم اليرموك» أسماءها للعودة إلى منازلها في مخيم اليرموك، كما ذكر رئيس لجنة إزالة الأنقاض محمود الخالد في تصريحات صحافية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أنه منذ البدء في تسجيل أسماء الراغبين بالعودة إلى المخيم، لم يتم حتى الآن صدور أي موافقة بالعودة لأشخاص سجلوا أسماءهم، بينما يقوم بعض من عناصر الفصائل الفلسطينية الموالية للحكومة السورية وعناصر في الجيش النظامي بالحصول على «موافقات خاصة» للعودة، حيث يوجد حالياً أكثر من 400 عائلة تعيش في المخيم، معظمهم في المنطقة الوسطى التي لم يطالها دمار كبير.
ويبدي كثير من نازحي المخيم استغرابهم من الرقم المعلن، ويعدون أنه قليل قياساً بأعداد السكان التي نزحت، وبقيت مقيمة في دمشق وريفها والمحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحكومة، ويقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «يفترض أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير».
ويوضح كثير من أهالي المناطق التي استعادت الحكومة السيطرة عليها أن الحكومة اشترطت على العائلات النازحة منها الراغبة بالعودة إلى منازلها في تلك المناطق حصولها على «الموافقات اللازمة» (أي الموافقات الأمنية)، إذ لا يتم منح موافقات لكل من انخرط في الحراك الذي حصل في بداية الأحداث، ولا للعائلات التي انضم أبناؤها أو أحد أبنائها إلى فصائل المعارضة المسلحة، وكذلك لكل من لديه ابن أو أخ متخلف عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية في الجيش النظامي.
ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» «س. ر»، وهو سوري الجنسية ومن سكان إحدى مناطق ريف دمشق التي سمحت الحكومة بعودة الأهالي إليها بعد استعادتها السيطرة عليها، أن «كل من لديه ابناً متخلفاً عن الجيش لم يمنح موافقة للعودة».
ومن جهته، يروي لـ«الشرق الأوسط» أحد سكان المخيم، وهو سوري الجنسية، أنه في ظل هذه الحالة، فإن «كثيراً من سكان المخيم لن يمنحوا موافقات للعودة، فمعظم الناس أولادهم هربت من الموت، ومن الجوع، ومن قلة العمل لبرا (إلى دول الجوار أو دول أوروبية)».



انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
TT

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)

في وقت يعاني فيه اليمنيون في صنعاء ومدن أخرى من انعدام غاز الطهي وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، خصصت الجماعة الحوثية ملايين الريالات اليمنية لتوزيع أسطوانات الغاز على أتباعها دون غيرهم من السكان الذين يواجهون الصعوبات في توفير الحد الأدنى من القوت الضروري لهم ولأسرهم.

وبينما يشكو السكان من نقص تمويني في مادة الغاز، يركز قادة الجماعة على عمليات التعبئة العسكرية والحشد في القطاعات كافة، بمن فيهم الموظفون في شركة الغاز.

سوق سوداء لبيع غاز الطهي في صنعاء (فيسبوك)

وأفاد إعلام الجماعة بأن شركة الغاز بالاشتراك مع المؤسسة المعنية بقتلى الجماعة وهيئة الزكاة بدأوا برنامجاً خاصاً تضمن في مرحلته الأولى في صنعاء إنفاق نحو 55 مليون ريال يمني (الدولار يساوي 530 ريالاً) لتوزيع الآلاف من أسطوانات غاز الطهي لمصلحة أسر القتلى والجرحى والعائدين من الجبهات.

وبعيداً عن معاناة اليمنيين، تحدثت مصادر مطلعة في صنعاء عن أن الجماعة خصصت مليارات الريالات اليمنية لتنفيذ سلسلة مشروعات متنوعة يستفيد منها الأتباع في صنعاء وبقية مناطق سيطرتها.

ويتزامن هذا التوجه الانقلابي مع أوضاع إنسانية بائسة يكابدها ملايين اليمنيين، جرَّاء الصراع، وانعدام شبه كلي للخدمات، وانقطاع الرواتب، واتساع رقعة الفقر والبطالة التي دفعت السكان إلى حافة المجاعة.

أزمة مفتعلة

يتهم سكان في صنعاء ما تسمى شركة الغاز الخاضعة للحوثيين بالتسبب في أزمة مفتعلة، إذ فرضت بعد ساعات قليلة من القصف الإسرائيلي على خزانات الوقود في ميناء الحديدة، منذ نحو أسبوع، تدابير وُصفت بـ«غير المسؤولة» أدت لاندلاع أزمة في غاز طهي لمضاعفة معاناة اليمنيين.

وتستمر الشركة في إصدار بيانات مُتكررة تؤكد أن الوضع التمويني مستقر، وتزعم أن لديها كميات كبيرة من الغاز تكفي لتلبية الاحتياجات، بينما يعجز كثير من السكان عن الحصول عليها، نظراً لانعدامها بمحطات البيع وتوفرها بكثرة وبأسعار مرتفعة في السوق السوداء.

عمال وموظفو شركة الغاز في صنعاء مستهدفون بالتعبئة العسكرية (فيسبوك)

ويهاجم «عبد الله»، وهو اسم مستعار لأحد السكان في صنعاء، قادة الجماعة وشركة الغاز التابعة لهم بسبب تجاهلهم المستمر لمعاناة السكان وما يلاقونه من صعوبات أثناء رحلة البحث على أسطوانة غاز، في حين توزع الجماعة المادة مجاناً على أتباعها.

ومع شكوى السكان من استمرار انعدام مادة الغاز المنزلي، إلى جانب ارتفاع أسعارها في السوق السوداء، يركز قادة الجماعة الذين يديرون شركة الغاز على إخضاع منتسبي الشركة لتلقي برامج تعبوية وتدريبات عسكرية ضمن ما يسمونه الاستعداد لـ«معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس».

ونقل إعلام حوثي عن القيادي ياسر الواحدي المعين نائباً لوزير النفط بالحكومة غير المعترف بها، تأكيده أن تعبئة الموظفين في الشركة عسكرياً يأتي تنفيذاً لتوجيهات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.