رحيل رفعت سلام... شاعر «وردة الفوضى الجميلة»

من أبرز جيل السبعينات وأحد مؤسسي «إضاءة 77» الشعرية

رفعت سلام
رفعت سلام
TT

رحيل رفعت سلام... شاعر «وردة الفوضى الجميلة»

رفعت سلام
رفعت سلام

لم يكن رفعت سلام موقناً بالأمل كحقيقة معاشة بالفعل، أو حتى ممكنة، وهو يرد على دعابة خاطفة حاولت أن أخفف بها من وطأة الألم عنه، قبل أيام على رحيله الموجع، قلت له: كيف ييأس من الأمل شاعر الأمل؟! لكن صوته المتناثر المتقطع في الهاتف لم يترك لي فرصة للرجاء، أشفقت عليه وحساسية وضعه الصحي، كنت أسمع ذبذبة صدره ولهاث أنفاسه المضطربة، وكأنهما اجتهاد أخير في الكدح من أجل أن يظل وتر اللحن مشدوداً، في طوايا الحضور والغياب.
رحل صاحب «وردة الفوضى الجميلة» وغيّبه الموت عن عمر ناهز 69 عاماً، وبعد صراع مرير استمر قرابة العام مع سرطان الرئة. وشيع جثمانه أول من أمس (الأحد)، ودفن بمقابر العائلة بقرية «منية شبين القناطر» مسقط رأسه، بمحافظة القليوبية المجاورة للعاصمة القاهرة.
ولد رفعت سلام في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1951 بمدينة «مينا القمح» بمحافظة الشرقية، حيث كان والده الموظف الحكومي بالشرطة دائم التنقل، وترعرع في كنف أسرة قروية بسيطة، عادت بعد أربع سنوات للاستقرار بمسقط رأسها بمحافظة القليوبية. في عام 1969 التحق بجامعة القاهرة، درس الصحافة، وتخرج في كليه الآداب 1973، وزامله في الدراسة الشاعر الراحل حلمي سالم، وقد أثمرت هذه الزمالة في تلك الفترة عن ديوانهما الشعري المشترك «الغربة والانتظار».
عكست تجربة ذلك الديوان الثنائية إشارات قوية على ميلاد صوتين شعريين سيكون لهما شأن في الشعر المصري، كما شكلت بذرة لفكرة العمل المشترك، وإمكانية تنميتها في عمل جماعي شعري، يغامر ويضخ دماء جديدة في القصيدة، وهي فكرة أصبحت ضرورة يفرضها واقع الحياة الثقافية آنذاك، خاصة بعد الظروف السياسية القاسية التي عاشتها البلاد عقب نكسة 1967، وحالة الحرب واللاحرب، التي تحولت إلى قناع للسلطة في عهد الرئيس السادات، وعصا غليظة لمطاردة المثقفين والكتاب والشعراء؛ ما اضطر عدد من طليعتهم إلى الخروج المؤقت إلى بلدان عربية وأوروبية: صلاح عد الصبور، أحمد عبد المعطي حجازي، محمد عفيفي مطر، محمود أمين العالم، وغالي شكري، ومن تبقى في الداخل، عاش رهين المرض العضال والاكتئاب، أمل نقل، ونجيب سرور، وغيرهما.
في هذا الوضع، الذي أصبح فيه الفرار من الوطن عيناً أخرى أكثر قلقاً عليه، كان لا بد من المشاكسة والمغامرة، ومواجهة الخنوع والعسف والخذلان في الداخل، وأن يخرج شعراء وكتاب وفنانون يحيون الأمل من جديد عبر كتابة مغايرة، وبوسائل ترسخ لفكرة الاستقلالية بعيداً عن تيار التبعية للسلطة. كانت ظاهرة «كتابة الماستر» بذرة التحول لاستعادة تجربة الجماعات الأدبية، بما لها من جذور قوية في الواقع المصري، من أبرزها «جماعة الخبز والحرية» في الفن التشكيلي، جماعة «أبوللو» في الشعر، جماعة مجلة «جاليري 68» في الأدب.
تحت همّ التجريب والمغامرة والحاجة إلى أفق جمالي مغاير في الشعر والنظر النقدي إليه، انبثقت تجربة مجلة «إضاءة 77» الشعرية، التي أسسها أربعة شعراء: حلمي سالم، رفعت سلام، حسن طلب، وكاتب هذه السطور، ومع العددين الأول والثاني، اتسعت قماشتها وتحولت إلى جماعة شعرية. لكن التجربة مع فورة الحماس وردود الفعل الإيجابية المشجعة، لم تستطع أن تجتاز أول اختبار لها في الرأي واختلاف وجهة النظر بين أعضائها الأربعة إلا بالخسارة، إذ قرر رفعت سلام الخروج من المجلة، إثر خلاف حاد مع حلمي سالم رفيق ديوانه المشترك، وأسس مجلة «كتابات»، التي كان لها الفضل في التكريس لموجة شعراء السبعينات في الشعر المصري، وأنها عتبة حقيقية لجيل متميز... الطريف هنا أن الاحتكام للديمقراطية سقط أيضاً في هذا الاختبار بعد أن تساوت كفتا الميزان بين الأعضاء الأربعة حول جوهر الخلاف بين الشاعرين الصديقين، ووصل الأمر للتأكيد على أن بقاء أحدهما بالمجلة مرهون بخروج الآخر. وقد اختار رفعت الخروج بملء إرادته وبهدوء؛ حرصاً على تجربة المجلة الوليدة وضمان استمراريتها.
اتسم رفعت سلام على المستوى الشخصي بالصلابة والانضباط في العمل، فدائماً كانت نظرته عملية للأمور والأشياء، وفي التعامل مع الواقع بكل معطياته ومفارقاته ينفر من فكرة الأشياء المعلّقة، من أنصاف الحلول، أنصاف الرؤى والأفكار، بل كثيراً ما يسخر من نظرة «البين بين» أو «البينية» حتى في التعامل مع الزمن كمقوم فني يمنح الشعر خصوصيته، وألقه الجمالي والفلسفي. فمنتصف الوقت كدلالة شعرية، مجازية لا تعني تحديداً زمنياً قاطعاً وفاصلاً، بين الأشياء وظلالها، فزمنها هو زمن الشعر نفسه، المنساب في دبيب البشر وخطى الطبيعة في المكان والزمان.
رفت سلام، ابن ذات شعرية نزقة، تعشق الرسوخ والقلق والتوتر والفوضى، وترى أنها مركز الثقل والثبات والحركة في النص. ربما لذلك انشغل في وقت مبكر، ومنذ ديوانه الثاني «إشراقات» بفكرة تعدد الأصوات في الشعر، من منطلق أن الصوت هو الذي يمنح الدلالة أو العلامة حسيتها ورائحتها الخاصة، وهو الذي يحدد سقف المتن والهامش، وطبيعة الجدل بينهما، وكذلك طبيعة التعامل مع شخوص ورموز وأساطير من تراثات معرفية شتى (نيتشه، رامبو، بودلير) وغيرهم، فكلما تعددت الأصوات، وتجاورت وتقاطعت، برز الإحساس بالزمن في غلالته الصورية والنفسية، وبرزت جسور الوصل والقطع بين الماضي والحاضر، بين الحافة والهاوية، وعلى الأخص بين الحلم والذاكرة من ناحية، وبينهما وبين الواقع من ناحية أخرى. وفي شعره دائماً ما يقترن حضور الصوت بحضور الأنا، كتجسيد لكينونة فاعلة وراسخة لها ما يميزها، حتى في لحظات الهشاشة والتفتت تبقى مجدولة بعلاقة مركبة وحميمة بين الوعي واللاوعي مثلما يقول في ديوانه «إشراقات»، «لم أغب طويلاً، ألف عام كنت أبحث عن نسيان، وامرأة، ومكان في الأوتوبيس؛ فتهت في الزحام، ونسيت، لم أغب، ولم، ولم... أنا الحارس النائم عند الحائط الهديم، جئتكم هديماً بعدما فقدت ورقة التوت، والخيط الذي انقطع؛ فهويت، فانتهيت».
يرتبط الصوت دائماً بمتوالية التذكر والنسيان، الصراخ، والخفوت، كما يسعى دائماً إلى الدمج بين ضمائر المخاطب والغائب والمتكلم، للإيهام بالربط بين تعدد المستويات في النص، وتعدد طرق النظر إلى الكينونة والوجود، وتمثلاتها المتباينة في الحضور والغياب. ومع ذلك تتمحور مركزية الرؤية في شعره، حول الإقرار باليقين، ونفيه ضمنياً في الوقت نفسه، فلا يبقى سوى التوتر والقلق والضجر وحيرة السؤال محركاً للصراع، لكنه مع ذلك صراع مبني على الاحتمال، أن يكون أو لا يكون، وهو ما نلمحه بقوة خاصة في ديوانه «هكذا قلت للهاوية»:
«قد يتسع الوقت.
قد..
حتى ينمو الأبدُ وئيداً في جسدي
لكن..
هل من غفران يرجى
إذ تنفلتين، مراوغةً، موغلة، تشتعلين على حد الحلم الناري،
فينفلت الزمن دخاناً وتراباً، تنحدر صخور الوقت إلى الهاوية،
وتنفلتين، فينفلت الأبد المائيُّ إلى جسدي المنهوك
صراخاً وعويلاً مجنوناً.
وتروغين.
فهل أخلع جسدي عني،
أم يمتد الأبد المائيُّ وئيداً دون عناء.
لا شيء إذن..
لا شيء».
لقد ترك رفعت سلام أثراً يبقى، سواء في الشعر بدواوينه التسعة، أو بمقالاته ورواه النقدية في المسرح، وقضايا التراث والشعر، ومنها كتبه: «بحثاً عن التراث«، «بحثاً عن الشعر«، «المسرح الشعر العربي»، أو في جهده الوافر في الترجمة، بخاصة الأعمال الشعرية لكوكبة من الشعراء العالميين: بوشكين، ريتسوس، بودلير، كفافيس، رامبو، ويتمان... وغيرهم.
كما عاش مهموماً بكل ما هو إنساني، يعلي من قيم العدل والجمال والحرية، وكان حلمه، أن يرى قصيدته تتكلم من تلقاء نفسها، تحاوره تأخذ بيده، وهو يعبر الشارع، وهو يجلس على المقهى، وهو يتحدث مع الشعراء والأصدقاء.
ترجمت مختارات من شعر وبعض دواوينه إلى عديد من اللغات في العالم، وحصل على جائزة كفافيس الدولية للشعر من اليونان عام 1993. كتبت عنه الكثير من الدراسات النقدية، وشكل شعره موضوعاً لأطروحات ماجستير ودكتوراه في جامعات مصرية وعربية.
رغم حالته الصحية تشبث رفعت سلام بالعطاء إلى أقصى مدى، فمع بدايات مرضه أصدر عديداً من الكتب ما بين الترجمة والشعر، وكأنه في سباق محموم مع الذات والزمن يريد أن يعتصرهما حتى آخر نقطة، من هذه الأعمال ديوانه «أرعى الشياه على المياه« وترجمته الأعمال الشعرية للشاعر الأميركي والت ويتمان. وفي سياق عمله الوظيفي، أشرف على القسم الثقافي وتولى رئاسة تحريره في «وكالة أنباء الشرق الأوسط« الرسمية، كما عمل مديراً لمكتبها في الجزائر لسنوات عدة.
في حوار معه يصف علاقته بالتراث على نحو يبدو متسقاً مع رؤيته الشعرية، «علاقتي بالتراث العربي وثيقة باعتباري الوريث الثقافي والشعري له، بلا قطيعة ولا تماهٍ به. هو تراثي الذي أدخل دائماً في حوار معه، ندّاً لند؛ يسكنني الكثير من أصواته العميقة، المرهفة، وتطاردني وجوهٌ أخرى ظلامية غابرة، لا في الوعي فحسب، بل في الحياة اليومية الراهنة».



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.