عمرو موسى: إسرائيل قابلت «المبادرة العربية» بسلبية لأنها تستدرجها إلى التفاوض مع العرب مجتمعين

«الشرق الأوسط» تنشر فصولاً من كتابه الجديد «سنوات الجامعة العربية» (4)

عمرو موسى مع الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير سعود الفيصل والشيخ عبد الله بن زايد
عمرو موسى مع الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير سعود الفيصل والشيخ عبد الله بن زايد
TT

عمرو موسى: إسرائيل قابلت «المبادرة العربية» بسلبية لأنها تستدرجها إلى التفاوض مع العرب مجتمعين

عمرو موسى مع الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير سعود الفيصل والشيخ عبد الله بن زايد
عمرو موسى مع الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير سعود الفيصل والشيخ عبد الله بن زايد

في الحلقة الرابعة من الكتاب الجديد للأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى «سنوات الجامعة العربية» الذي سيصدر قريباً عن «دار الشروق» وحرره ووثقه خالد أبو بكر، يستعرض موسى جهوده والجامعة العربية في القضية الفلسطينية، التي خصص لها فصلين على مساحة 66 صفحة. تناول الأول، ظروف ولادة مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، والتي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بين عبد العزيز (رحمه الله)، وكان حينها ولياً للعهد. فيما خصص الثاني لتطورات القضية الفلسطينية، مركزاً على الانقسام الفلسطيني بين «فتح» و«حماس»، أو الضفة وغزة على القضية الفلسطينية، ومؤتمر أنابوليس للسلام، ثم الانقسام العربي العمودي في ظل العدوان على غزة سنة 2009. وموقف إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما من القضية الفلسطينية. هذه الحلقة من الفصل الأول، يروي موسى تفاصيل «المبادرة العربية للسلام» ودوره في صياغة بعض بنودها لتجاوز بعض الاختلافات على بنودها.
تبوأت منصبي أميناً عاماً لجامعة الدول العربية بينما كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية قائمة ونشطة. كما كان التعنت الإسرائيلي مستمراً بل متصاعداً، وكذلك كان الجمود يشل «عملية السلام» (وهو الاسم الذي كان شائعاً للمفاوضات العربية - الإسرائيلية المتردية، وأنا هنا أستخدم العبارة للتسهيل). فمنذ أن تسلم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش مهامه رسمياً في 20 يناير (كانون الثاني) 2001 وحتى أحداث 11 سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، لم تقدم إدارته أي مبادرة سياسية لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وظلت نظرتها إلى الانتفاضة الفلسطينية على أنها حالة عنف، تعالج بإجراءات أمنية فقط.
في المجمل كان الموقف الأميركي تجاه القضية الفلسطينية في الفترة الممتدة من 20 يناير 2001 وحتى 11 سبتمبر 2001، ثابتاً على حاله، مع الأخذ في الاعتبار أن إدارة بوش اتبعت سياسة العصا مع الفلسطينيين، لاعتقادها أن سياسة الجزرة لم تنجح مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مفاوضات كامب ديفيد 2000. وبالتالي يجب احتواء وإنهاء القضية الفلسطينية بالرؤية التي تراها مناسبة، والتي تتقاطع مع السياسة الإسرائيلية، إلا أن الأمور تغيّرت بعد 11 - 9.
بعد وقوع هذه الهجمات في نيويورك، وفيما كانت القوات الأميركية تنهي استعدادها لغزو أفغانستان، وكانت الإدارة الأميركية منهمكة في حشد تحالف دولي واسع لدعم «الحرب على الإرهاب»، أعلن بوش أن «قيام دولة فلسطينية كان دوماً جزءاً من الرؤية الأميركية ما دام حق إسرائيل في الوجود محترماً... لكن أولاً، عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يتعين علينا الوصول إلى تقرير ميتشل (تقرير أصدرته لجنة لتقصي الحقائق التي ترأسها السيناتور جورج ميتشل لبحث أسباب اندلاع انتفاضة سنة 2000). فقد وضع السيناتور ميتشل مخططاً قابلاً للتطبيق يوافق عليه معظم العالم، وهو طريق ضروري لحل مشاكل الشرق الأوسط في نهاية المطاف. ونحن نعمل بجد مع الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) لتشجيع الحد من العنف حتى يمكن إجراء مناقشات هادفة».
في الحقيقة، فور اطلاعي على تلك التصريحات التي هي الأولى لبوش متحدثاً عن دولة فلسطينية اعتبرت أنها لا تعدو أن تكون عملية غير سليمة مبنى ومعنى وأهدافاً؛ ذلك أنني قدرت وقتها أن الرجل يحتاج إلى دعم العرب والمسلمين في حربه المقبلة ضد بعض دولهم، ولذلك فلا مانع لديه من مغازلتهم في القضية المركزية بالنسبة للكثيرين منهم، وهي القضية الفلسطينية. مما يؤكد استنتاجي، هو أنه بعد تلك التصريحات بنحو خمسة أيام، وبالتحديد في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2001. بدأت الولايات المتحدة حربها على أفغانستان.
- فريدمان وولادة «المبادرة العربية»
نشر توماس فريدمان، كاتب العمود الشهير في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في 6 فبراير (شباط) 2002. رسالة إلى القادة العرب على لسان الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش - شرح فيما بعد أنها كانت رسالة وهمية من ادعائه - تحت عنوان «Dear Arab Leage”. ومن ضمن ما قاله فيها: «أنت (أي الحكام العرب) من يملك القدرة على إعادة تشكيل الدبلوماسية حقاً، وليس أنا. وهنا نصيحتي لكيفية القيام بذلك: لديك قمة جامعة الدول العربية المقرر عقدها في مارس (آذار) في لبنان. أقترح أن يصدر مؤتمر القمة قراراً بسيطاً واحداً: «يقول 22 من أعضاء جامعة الدول العربية لإسرائيل إنه مقابل انسحاب إسرائيلي كامل إلى خطوط 4 يونيو (حزيران) 1967 - في الضفة الغربية وغزة والقدس ومرتفعات الجولان - نحن نقدم اعترافاً كاملاً بإسرائيل، وعلاقات دبلوماسية كاملة، أي سلام كامل مع جميع الدول العربية الـ22 للانسحاب الكامل».
بعد أقل من أسبوع، التقى فريدمان الأمير عبد الله، ولي العهد حينها، في مزرعته قرب الرياض. وكتب الصحافي الأميركي تفاصيل تلك المقابلة التي تضمنت الإعلان لأول مرة عما عرف بـ«مبادرة الأمير عبد الله للسلام في الشرق الأوسط»، قبل أن تعتمدها 22 دولة عربية في قمة بيروت في 28 مارس 2002، ليصبح اسمها «المبادرة العربية للسلام».
من جانبي أقول إن مضمون رسالة فريدمان سبقها نقاش طويل امتد طوال السنة الأخيرة لي وزيراً لخارجية مصر والسنة الأولى أميناً عاماً للجامعة العربية، وذلك بينه (فريدمان) وبيني في دافوس، عن أفضل الطرق وأنجعها لإرساء الأسس اللازمة لسلام متوازن يأخذ في الاعتبار الاحتياجات الأساسية لكلا الطرفين، ولا يزال فريدمان يذكرني بذلك. كانت آخر مرة ناقشنا فيها تلك الذكريات في يناير 2019. وبهذه المناسبة أدعو من يريد إلى التواصل مع فريدمان ليسأله عن الأصل المشترك لفكرة الطرح المتوازن للحقوق والالتزامات بالنسبة للطرفين العربي والإسرائيلي.
والواقع أننا على الجانب العربي، كنا نبحث عن مخرج، فالهجمة شرسة علينا باعتبارنا إرهابيين أو على الأقل منتجين لهم وذلك في أعقاب أحداث 11 - 9. فكان لا بد من الانتقال إلى شن حرب دبلوماسية تنقلنا من خانة الدفاع دون تقديم تنازلات مؤلمة أو مع تنازلات متبادلة. كان تفكير ولي العهد السعودي في ذلك الوقت هو التفكير السليم الذي ينبع من نفس منطق «خذ وأعطِ».
وكان الأمير (الملك) عبد الله هو وحده صاحب المكانة التي تؤهله لطرح المبادرة العربية دون مزايدة من آخرين سوف يتحرجون من مهاجمته أو الاعتراض على ما يقترحه. كان الأمير عبد الله ذا مصداقية هائلة لدى الرأي العام العربي والحكومات العربية جميعاً ولدى العالم، ومن ثم كان اقتراحه أو مبادرته خطوة تاريخية جديرة بالتأييد الشامل لها.
- ضغط سوري ـ لبناني لخفض سقف المبادرة
لم يكن السوريون مرتاحين إزاء مبادرة الأمير عبد الله؛ إذ إن ولي العهد لم يتشاور معهم قبل الإعلان عن مبادرته في «نيويورك تايمز». أظن أن الأمير وضع تجربة (الرئيس المصري الراحل أنور السادات) مع السوريين نصب عينيه؛ فقرر عدم التشاور أو التنسيق معهم قبل صياغة المبادرة، مخافة أن يطلقوا النار عليها قبل الإعلان عنها. لم يعلن السوريون غضبهم من ذلك صراحة، لكن مجهودهم الرئيسي في نقد المبادرة خلال اتصالاتهم انصب على عبارة «التطبيع الكامل»، التي وردت فيها، كرد من العرب على انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو 1967.
في الوقت نفسه، اندفع السوريون ببراعة للعب بورقة «اللاجئين الفلسطينيين» وحق العودة الذي لم تتم الإشارة إليه في التفاصيل المنشورة عن المبادرة؛ لأنهم يدركون جيداً الحساسية الفلسطينية ثم اللبنانية من موضوع اللاجئين، ذلك أن بعض الطوائف اللبنانية ترى أن توطين نحو 350 ألف لاجئ فلسطيني معظمهم من المسلمين السنة، أمراً يخل بالميزان الديمغرافي في لبنان.
في 3 مارس 2002 (قبل انعقاد قمة بيروت وربما تمهيداً لها)، قام بشار الأسد بأول زيارة رسمية إلى بيروت من قبل رئيس دولة سوري منذ أكثر من خمسين عاماً. خلال زيارته، أصدر الأسد والرئيس اللبناني إميل لحود بياناً مشتركاً لم يشيرا فيه إلى مبادرة الأمير عبد الله صراحة، لكنهما قالا: «يجب أن تسمح التسوية الشاملة مع إسرائيل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإزالة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة».
بعد زيارة الأسد، تخلى السعوديون بهدوء عن مصطلح «التطبيع الكامل» من التصريحات الرسمية الممهدة للمبادرة. وفي هذا السياق، وصف وزير الخارجية سعود الفيصل في 10 مارس المبادرة بأنها تعرض على إسرائيل «سلاماً تاماً» مقابل الانسحاب إلى حدود عام 1967. ولم يركز على مصطلح «التطبيع الكامل».
- قمة بيروت 2002
صبيحة افتتاح قمة بيروت في 27 مارس 2002 دعاني الأمير سعود الفيصل إلى إفطار مبكر (نحو ساعة قبل وصول وزير خارجية سوريا فاروق الشرع لنفس الدعوة) وجاء الشرع بالفعل في موعده. لاحظت أنه يريد الانفراد بسعود وهو ما مكنته منه، إذ كان علي أن أصوغ المبادرة في صورتها النهائية تاركاً موضوع اللاجئين والتطبيع (أو الاعتراف) إلى حين انتهاء المباحثات السورية - السعودية. جلست أكتب على مائدة بعيدة وإن في ذات الصالون. كنت قاصداً أن أكتب النص في وجود سوريا، وأن أعرض النص على سعود في وجود الشرع.
كنا في الدور السادس من فندق فينيسيا الشهير في بيروت، وفي الصالون الخاص بكبار الضيوف تحديداً. لاحظت توتراً على فاروق الشرع وفروغ صبر لدى سعود. كنا في فترة الصباح الباكر تلك التي جمعتني والأمير وحدنا قد ناقشنا الموقف السوري الذي كنت مؤيداً له وهو ما ذكرته للأمير، قائلاً: «إن الأمر في النهاية أمر صياغة، خصوصاً في النقطة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين التي يدعمها قرار الأمم المتحدة 194 لسنة 1948. الذي يمكن استخدام صياغته. وأما الاعتراف أو التطبيع فطالما هو مشروط فلا غضاضة منه».
الحقيقة أن موقف سوريا أضاف إلى المبادرة ولم يضعفها، ولست أرى أن سوريا كانت معارضة لفكرة المبادرة في ذاتها، كما أؤكد أنها كانت حريصة على عدم الصدام مع (الملك) عبد الله. المهم أنه بعد التفاهم الذي جرى بين الأمير سعود وفاروق الشرع انضممت إليهما، حيث دار نقاش حول الصياغة النهائية، وقال الأمير سعود إن عمرو موسى كفيل بها.
قلت إنني سوف أعدها بسرعة وأعرضها على كل منهما - ربما وهما جالسان هنا - قبل أن نطبعها ونعدها للعرض على الوزراء الآخرين، وهو ما حدث بالفعل، وبينما اطلع عليها سعود بسرعة ووافق عليها، قرأها فاروق الشرع كلمة كلمة، ثم توقف عند عبارة «العلاقات الطبيعية»، في سياق الفقرة التي تقول: «إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل».
قلت له: يا أبا مضر، هذه عبارة أقل من «التطبيع الكامل التي تحفظتم عليها»، فسكت ولم يعلق وهو ما اعتبرته موافقة على الصياغة.
ثم سألني: ماذا تنوي أن تفعل الآن؟
قلت: سوف أراجع الصياغة مرة أخرى من حيث اللغة والترتيب، ثم أخطر بها باقي الوزراء، لكن لن أوزعها عليهم إلا في الاجتماع ذاته، أي سوف تكون هناك نسخة واحدة في يدي فقط للساعة أو الساعتين القادمتين، وأعتقد أن الاجتماع سوف يتأخر بعض الوقت.
ذهبت بعد ذلك إلى المكتب المخصص للأمين العام، وكان بجوار المكتب الذي خصص لرئيس القمة (الرئيس اللبناني إميل لحود) في دور تحت الأرض في الفندق، حيث توافد عدد من الوزراء تمهيداً للقمة التي اقترب موعد افتتاحها، وأطلعت من يريد على النص دون تسليم نسخ.
كان وزير الخارجية المصرية - أحمد ماهر السيد - مندهشاً مما جرى، وأطلعته من جانبي على النص، إذ لم يدعوه وزيرا الخارجية السعودي والسوري للانضمام إليهما؛ فغادر دون تعليق. أما كوفي أنان وخافيير سولانا وغيرهما فاتصلوا بي تليفونياً، وأعتقد أنهما اتصلا بالأمير سعود الذي ذكر أن النص معي وهو النص الوحيد، وكان ردي هو نفسه الذي ذكرته للوزراء. طلبت من مدير مكتبي (السفير هشام بدر) أن يقوم بترجمة النص إلى الإنجليزية وأن يكتبه بنفسه ويسلمني إياه، وهو أيضاً ما حدث.
اقتربت ساعة الانعقاد، وتركت الترتيبات للسفير هشام بدر، إذ انشغلت بأمر آخر هو إذاعة نص خطاب يود ياسر عرفات أن يلقيه على القمة من حصاره في المقاطعة برام الله، وكانت هناك معارضة من سوريا ولبنان، وعدم اقتناع من رئاسة القمة. كنت محبطاً وأنا أرى أن موقف القمة أو بعض أعضائها غير سليم إطلاقاً، لا من حيث الشكل ولا المضمون، ويجعل إسرائيل تبتسم ساخرة من موقف العرب تجاه الرئيس الفلسطيني.
هذا الموضوع أصابني بحالة إحباط وضيق كانت واضحة على وجهي؛ وهو ما لاحظه الأمير عبد الله ولي عهد السعودية، رحمه الله، وإذ به يضع يده على كتفي قائلاً: يا عمرو حين تشعر بضيق اقرأ سورة العصر: (وَالْعَصْرِ * إِنَ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَا الَذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِ وَتَوَاصَوْا بِالصَبْرِ). وقد فعلت وما زلت أفعل حتى الآن... رحم الله الملك عبد الله... كم أحببته.
- تحفظات ليبيا على المبادرة
الحقيقة أن الجلسة الختامية لقمة بيروت في 28 مارس 2002 قد تأخرت ساعتين ونصف الساعة بسبب اعتراض السوريين على الصياغة التي صدرت بها المبادرة العربية، الذين كانوا قد أصروا على إلغاء مصطلح «التطبيع الكامل» وطرح مصطلح «سلام كامل»، وكنت قد استبدلت بهما عبارة «العلاقات الطبيعية» كحل وسط، وهي الصيغة التي اعتمدها السوريون بعد مفاوضات شاقة.
كانت هناك صعوبة أخيرة تقف أمام الموافقة الجماعية على المبادرة العربية، هي اعتراض ليبيا على بعض البند الثالث من بنود المبادرة الذي ينص على: «اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة».
كان أخي وصديقي علي التريكي هو ممثل ليبيا، وهو دبلوماسي قدير، وقد أثار اعتراض ليبيا على البند المشار إليه في الجلسة الرابعة (مغلقة) والتي انعقدت بعد ظهر اليوم الثاني للقمة، وجاء اعتراضه بالنص في محضر الجلسة كما يلي:
«فيما يخص الفقرة 3 التي تنص على (اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً)، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل... هذا يعني الدول العربية التي لها أرض محتلة وليس الدول العربية جميعاً على ما أعتقد؛ لأنه ما الذي يلزم دولة عربية في شمال أفريقيا أن تبرم اتفاقية سلام مع إسرائيل؟
لا نتحدث عن ليبيا... وإنما نتحدث عن الدول التي هي ضحية للعدوان الآن وأرضها محتلة. سوريا... لبنان... الفلسطينيون... هؤلاء هم الذين يبرمون اتفاقية سلام... أما الدول العربية الأخرى فما الذي يعنيها؟ ما الذي يجعلني أبرم اتفاقية سلام مع إسرائيل؟... نريد أن يوضح لنا أولئك الذين وضعوا الوثيقة أو لجنة الصياغة أو معالي الأمين العام: مَن الذي سيعقد اتفاقية مع إسرائيل؟ إنها الدول التي لها أرض محتلة والتي تقوم بعملية السلام أو المقصود كافة الدول؟».
بعد تمسك الكثير من الدول بنص الفقرة التي اعترضت عليها ليبيا، شدد التريكي على أن ليبيا «تؤيد المبادرة وليست ضدها. لقد اتفقنا على أن المبادرة هي تحرك سياسي يهدف إلى إحراج إسرائيل، ونحن مع مبادرة سمو الأمير عبد الله، لكن لا يمكن أن نقبل نصاً يلزم العرب جميعاً بأن يقوموا بتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل».
وعندئذ قال الأمير عبد الله بن عبد العزيز: «أشكر الأخ التريكي... وإذا كان ولا بد يتحفظ عليها فهو يقبلها، ومن ثم فليتحفظ على هذه النقطة». ثم عرضت المبادرة للتصويت ولم تصوت ليبيا ضدها، وجرت الموافقة عليها بالإجماع... رحم الله علي التريكي كان عروبياً صادقاً.
رد فعل إسرائيلي ـ أميركي سلبي
لم أتوقع استجابة إيجابية من الإسرائيليين على المبادرة العربية؛ لأنها تستدرجهم إلى الموقع الذي لا يحبونه في التفاوض مع العرب كجماعة بشأن القضية الفلسطينية، وهو موقع لا يقبلونه تاريخياً. فـ«المفاوضات الثنائية» مع طرف ضعيف هي الطريقة المفضلة التي يحبذونها؛ لإدراكهم أن أي مواجهة ولو تفاوضية مع العرب مجتمعين لن تكون في صالحهم أبداً.
السبب الثاني الذي جعلني لا أتوقع رداً إيجابياً من إسرائيل على المبادرة العربية أنها تبيع لهم «التطبيع الكامل»، وإن خففت صيغته كما سبق وبينت مقابل الأرض العربية وحدود 4 يونيو 1967، والحقيقة أن الخط الاستراتيجي في السياسة الإسرائيلية كما خبرتها يقوم على أنه بالإمكان الفوز بـ«تطبيع مجاني» من العرب من دون الحاجة للتفريط في الأرض المهمة بالنسبة لأمن إسرائيل القومي.
ما أدهشني حقاً هو رد الفعل الأميركي الفاتر للمبادرة مع أن العديد من المصادر والمؤسسات الأميركية كانت تدفع باتجاه صدور هذه المبادرة من قمة 2002 حتى يمكن «طمأنة» الإسرائيليين ودفع العملية السلمية إلى الأمام. كما أن الحضور والإصرار الدولي الكثيف الأوروبي والأميركي والأمم المتحدة لم يكن لمجرد المشاهدة والتشجيع، وإنما كان لضمان صدور المبادرة.
إذن لماذا هذا البرود فور صدورها؟ إنه موقف إسرائيل التي رأت في المبادرة خطورة أن يدعمها العالم ومن ثم يضغط عليها للقبول بها والتجاوب معها؟ ثم تصاعد العنف خلال الانتفاضة الثانية ليكهرب الجو ويصعب عرض مبادرة الجامعة العربية على مجلس الأمن، العرض السياسي المطلوب والمنطقي، بعد هذا الإجماع العربي على الموقف الجديد بمد يد السلام ويطرح تنازلات «متبادلة» محددة ومصاغة بجدية. نعم كان رد الفعل الأميركي الأولي بشأن المبادرة فاتراً، حيث وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية ريتشارد باوتشر بأنها مجرد «خطوة هامة وإيجابية». بعد بضعة أيام، على ذات النغمة وصفها وزير الخارجية كولن باول بأنها «خطوة مهمة»، لكنه نوه بالحاجة إلى مزيد من التفاصيل بشأنها، (وكأنهم لم يكونوا على دراية بها!)
- باتفاق خاص مع «دار الشروق»
- جميع الحقوق محفوظة



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.